رصاصة «عمياء» اخترقت رأس «عمر» بعد رحلة تعذيب بالجبل الأحمر أدمن صفحة «مولوتوف كولا».. وعضو بأولتراس إسماعيلي.. و«اختطفه» شخصان بملابس مدنية من التحرير والده لمرسى: ابنى اسمه على اسم ابنك يا ريس.. يا ترى ضميرك مرتاح؟ والدته: أخشى عليه من أن يحاول «الأمن الوطنى» تصفيته لطمس الجريمة ياسر على: كان يوثق الثورة ب«الجرافيتى» فأرادوا التخلص منه شكوكو: عمر بين الحياة والموت والداخلية أصدرت أمرًا باعتقاله «الإنسان لا يملك إلا خيارين إما أن يموت حرا أو يعيش عبدا».. هذه كلمات الشاب عمر أحمد مرسى، الذى يرقد حاليًا مصابًا بطلق نارى بالرأس، فى مستشفى الهلال الأحمر. الشاب الذى لم يتجاوز العشرين من العمر، كان اختفى يوم 27 يناير الماضى، يوم اختفى الشهيد محمد الجندى، وبعد ثلاثة أيام من البحث المتواصل، وجده أهله شبه مشلول، فالرصاصة «العمياء» اخترقت الرأس من الجانب الأيسر، حتى استقرت بالجانب الأيمن، ما تسبب أيضًا فى إصابته بفقدان القدرة على النطق. إلى جوار سريره، جلس أبوه وأمه، وفى عيونهما حسرة وألم، على «هذه الوردة البلدية الجديدة»، التى أورقت فى حديقة مصر، التى لاتزال بعد عامين من الثورة، تطرح وردًا، وتُسقى من دماء الشباب الذى يعتصم بميثاق: «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية». اختفاء الشاب، الذى لم يكن يمارس الغضب، ويحترف الثورة، إلا عبر الرسم على الجدران، فيؤرخ للثورة ب «الجرافيتى»، ويسجل تفاصيلها بفرشاته وألوانه، وما أحيط بها من معلومات، تؤكد أنه كان شاهد العيان الرئيسى على اغتيال الجندى، والعثور عليه فجأة مصابًا هذه الإصابة البليغة.. كلها ملابسات تطرح علامات الاستفهام، وتثير الأسئلة: لمصلحة من؟ ومن القاتل؟ ومن يقف وراءها؟ والد الشاب يبدأ الكلام قائلًا: حالة ابنى تتحسن نسبيًا، لكنه لا يزال لا يملك القدرة على النطق، وهناك التهاب بالعصب السابع، الذى يؤدى إلى إصابة الوجه بشلل نصفى، مضيفًا «لا أسأل الله شيئًا إلا أن يمن على فلذة كبدى بالشفاء، وحسبى الله فيمن جرؤ على أن يصوب الرصاص على هؤلاء الشباب الغض». ويقول: شارك ابنى فى الموجة الأولى من الثورة، وكنت معه كتفًا بكتف لإسقاط نظام مبارك، وفى انتخابات الإعادة، كان يحشد أصدقاءه للتصويت ضد الفريق أحمد شفيق، وبعد أن تولى الإخوان حكم البلاد، ببضعة أشهر، عاد إلى الميدان. إنه شاب.. دماؤه حارة، وقلبه ينبض بحب مصر، ويوم اختفى خضت معه نقاشًا طويلًا حول أحوال البلد، وكان شديد الغضب، وأخذ يردد لن أعيش عبدًا، هذه ثورة حرية، لى رفاق استشهدوا فى الميدان، ولا حياة لى إن لم أقتص لهم. ويضيف «بعد حلقة النقاش استيقظت منتصف الليل للاطمئنان عليه فلم أجده فعرفت أنه خرج للتظاهر، ورغم أنها ليست المرة الأولى، فهو يتظاهر دائمًا، إلا أنى شعرت وقتها، بقلق بالغ عليه، ولم أستطع أن أنام حتى الصباح. طلعت الشمس ولم يأت.. غابت الشمس ولم يأت.. مر اليوم ولم يأت.. وبدأت أمه تبكى، وقلبى يحدثنى بأن مكروهًا أصابه.. اتصلت بأصدقائه، فلم أجد لديهم خبرًا، اللهم إلا أنهم شاهدوه، فى مظاهرات التحرير، يقف فى الصف الأول.. فقصدت قسم شرطة قصر النيل، فقيل لى إنه دخل القسم ليلًا، بعد القبض عليه، فى أحداث التحرير، وكان سليمًا ليس فى جسمه أى إصابة. وبعد ساعات من الانتظار فوجئ الوالد بأن عمر غير موجود فى القسم ولا بنيابة قصر النيل، فعاد إلى البيت محطم القلب. ويتابع «أصبت بجنون، وانتهت الليلة الأولى، ودخلت غرفة ابنى، وارتميت على سريره أبكى، كما لم أبك فى حياتى «الضنا غالى»، ومع رحلة البحث علمت من زملائه بالميدان، أن رجلين بزى ملكى أخذاه عنوة من الميدان، ولم يروه بعدها.. وخلال أيام البحث المتواصلة كانت المراكز الحقوقية تساعدنى وعلى رأسها: مركز النديم ومركز هشام مبارك، حتى تلقيت اتصالًا بأن ابنى مصاب فى مستشفى ما، فهرعت لكنى لم أجده، وتكرر الموقف مرات، حتى عرفت مساء 30 يناير، أنه فى مستشفى الهلال، فاقد الوعى تمامًا. ويتابع : ابنى دخل قسم قصر النيل يوم 27 ليلاً وقد رأيت اسمه بعينى، وأنا على يقين بأنه دخل القسم سليما، فكيف يأخذون شابا مصابا بطلق نارى فى رأسه إلى القسم؟ لو كان أصيب فى المظاهرات، لنقلته الإسعاف إلى المستشفى لا القسم؟ هذا هو المنطق، وهناك من أبلغنى أن اسم عمر مدرج بالأمن القومى، وليس لدى شك فى أن ما تعرض له، يرجع إلى أنه كان شاهد عيان، على اغتيال الجندى.. إن النظام لم يرحل، والداخلية تسير على منهج حسنى مبارك.. دولة القمع والإرهاب لم تسقط بعد. ويقول موجهًا حديثه إلى الرئيس محمد مرسى: عمر مرسى.. هذا اسم ابنى، تماما كاسم ابنك يا سيادة الرئيس.. ابنى الذى منحك صوته، وتظاهر حتى يسقط نظام مبارك، فأخرجك من السجن يا سيادة الرئيس، حتى صوبت الداخلية فى عهدك الرصاص على رأسه.. فهل أنت مستريح الضمير يا سيادة الرئيس؟ ويؤكد أنه كان يشك فى أن هاتفه المحمول مراقب من جهاز الأمن الوطنى، وأنه منذ اختفاء ابنه كان يشعر بشىء غير عادى أثناء اتصالاته بأى شخص، مثل سماع صدى صوته أثناء الحديث فى الموبايل أو صوت طنين خافت ولكن زالت هذه الشكوك وباتت يقينا بعد أن أخبره رجال الأمن بشكل مباشر وصريح بأنه مراقب وأن كل اتصالاته مسجلة، وفجأة سمع أحدهم يصرخ فى أذنه أثناء إحدى المكالمات معطيا أوامر لأشخاص حوله، بأن يتوجهوا إلى إحدى المناطق التى عزم الأب على الذهاب إليها للبحث عن ابنه ما دعاه للمشاجرة معهم وأعلمهم أنه لا يخاف من ذلك. ولكن مشاعر الأب سيطرت عليه رغم كل شىء وتملكه الخوف والقلق على ابنه لأنه الناجى الوحيد حتى الآن ممن قبض عليهم مع الشهيد محمد الجندى، ويعلم تماما أن حياته ربما ستكون ثمنا لحياة آخرين لأنه يعلم ما حدث جيدا فى هذا اليوم الأسود ويعلم ما الذى حدث للثوار وما الذى حدث للجندى ولآخرين. هذا الخوف الذى دعا الأب لأن يقرر نقل ابنه إلى مستشفى آخر غير الهلال فهو لا يعلم ما الذى سيحدث فى الساعات المقبلة وخاصة أن ابنه حالته تتحسن نسبيا. المستشفى رفض فى البداية أن يعطيه التقرير الطبى المفصل بحالة عمر إلا بعد شجار عنيف وبلاغ ضد المستشفى نفسه وفى النهاية قرر المستشفى أن يعطيه تلك التقارير والأشعة خالية من خاتم المستشفى بدعوى أن الوقت تأخر وأن الخاتم فى الخزنة والخزنة مغلقة. كما يوضح أن التقرير المبدئى باللغة العربية يحتوى على معلومات خاطئة منها أن حالة الوعى عند عمر مكتملة تماما وهذا غير صحيح، كما أن هناك جملا بالتقرير أيضا غامضة وتحمل إيحاءات غير صحيحة ومنها « أثر الادعاء بطلق نارى»، أى أن المستشفى ليس على يقين أن ما حدث لعمر كان بفعل طلق نارى بل هو حتى الآن ادعاء. وتتحدث والدة عمر من جانبها حيث تقول: عمر لم ينضم لحزب سياسى ولا لأى تيار فكل ما فعله هو رسوماته المناهضة للنظام، وكان شغله الشاغل التوثيق للثورة بالجرافيتى من بدايتها، وكان يرسم فى كل الأحداث ومن قبل الثورة أيضا وكان عضوا بمجموعة أولترس زملكاوى وكان يرسم لهم ثم تركهم وانضم لأولترس النادى الإسماعيلى. وتضيف أن ابنها كان أدمن بصفحة «مولوتوف كولا » إحدى أهم الصفحات الثورية على فيس بوك، وبصفحة أولترس إسمعلاوى، كما كانت له آراء ضد النظام يذكرها على صفحته وعلى الصفحات التى كان أدمن عليها، وتؤكد أن عمر لم يكن الوحيد الذى تم القبض عليه من صفحة «مولوتوف كولا» فقد علمت من أصدقاء ابنها أنه تم القبض على الكثير ممن ينتمون لهذه الصفحة. وتؤكد أن ابنها لم يرد الانتماء إلى أى حزب أو تيار ولم يكن راضيا عما يحدث فى البلد، لكنه كان دائما ما يتحدث لهم أن فكر الاشتراكيين الثوريين يعجبه وأنهم الأقرب إليه فكريا من أى فصيل آخر، ولكنها لا تعلم حقيقة إن كان انضم إليهم أو لم ينضم حتى الآن. ويصف محمد عواد عضو التيار الشعبى عمر بأنه لا ينتمى للتيار ولكنه ناشط سياسى معروف ضمن مجموعات صغيرة، عرفت بجرافيتى الثورة أو فنانى الثورة، فعمر معروف لدى الجميع بأنه ضمن من شارك فى كل فاعليات الثورة وكل المظاهرات وشارك فى التوثيق للثورة وللشهداء من خلال رسومات الجرافيتى التى قام بها، وأكد على أن النظام فى هذه الأوقات يستهدف هؤلاء النشطاء المنتمين للمجموعات الصغيرة وذلك لإرهاب المجموعات الكبيرة والمعروفة كالتيار الشعبى وغيره وأيضا لأنهم غير معروفين بشكل كبير. ويؤكد ياسر على عضو التيار الشعبى أن عمر كان يناهض الإخوان على طريقته الخاصة عن طريق رسومات الجرافيتى الخاصة به، وأن ذلك ما أزعجهم فأرادوا التخلص منه مثلما تخلصوا ممن يناهضهم بشكل آخر سواء بالكلمة أو بالصورة، ولا ننسى ما فعله النظام عندما مسح جرافيتى محمد محمود فى عهد المجلس العسكرى وجرافيتى الاتحادية فى عهد مرسى، لندرك حينها أن هذه الرسومات تزعجهم بالفعل. «أولتراس إسماعيلى»: لن نترك حق عمر ..ونشرت صفحة أولترس النادى الإسماعيلى التى كان عمر «أدمن» بها بيانا وجهته لوزارة الداخلية بمجرد اختفاء عمر تقول فيه: «نحن لا نطالبكم، بل نحذركم من أى مكروه قد يحدث لعمر والإفراج عنه فورا، وإلا سندعوكم لحفلة معنا ونعيدكم بعدها بخروجنا منها ومعنا عمر سالمين، فنحن لا نحذركم فقط مما يمكن أن يحدث لعمر بل نحذركم أيضا على أنفسكم، وإن كان عقلكم لا يستوعب ما نعنى فبالتأكيد ذاكرتكم لا تنسى، ما قمنا به من قبل نحن أعضاء «اليلو دراجونز» تميزنا كلمتنا، وهذه ليست رسالة تحذير فقط بل إنها موعد بيننا، وبعد أن علم الجميع بوجود عمر مصابا بالمستشفى نشروا صورة لعمر وتحتها جملة «عمر مش بلطجى عمر بتاع جرافيتى». عادل شكوكو، رئيس رابطة أولتراس الإسماعيلى، يؤكد أن عمر أحد أعضاء الرابطة وأنه المسئول عن رسوم الجرافيتى الخاصة بالرابطة فى نطاق القاهرة الكبرى، وأنهم يوم 27 يناير تلقوا اتصالات عديدة تفيد باختفاء عمر بعد مشاركته فى المظاهرات فقاموا بالبحث عنه فى الإسماعيلية لكنهم لم يجدوه، وعندما تم العثور عليه فى مستشفى الهلال بالقاهرة توجهوا على الفور إلى هناك للتضامن معه. وجاء فى الصفحة: «تم القبض عليه مع محمد الجندى وستة آخرين وهو الناجى الوحيد من التعذيب الذى لاقاه هؤلاء الستة بالجبل الأحمر.. وفوجئنا أثناء تواجدنا بالمستشفى بأن الأمن قام بتجهيز جواب لاعتقال عمر رغم أنه بين الحياة والموت الآن.. وكأن الرحمة نزعت من قلوبهم». شكوكو يؤكد أن أولتراس إسماعيلى لن يترك عمر بمفرده وأنهم قاموا بالتظاهر أمس الأول أمام مديرية أمن الإسماعيلية للتضامن معه وأعلنوا من قبل أن ما يحدث مع عمر استهداف لنشطاء الثورة لمعارضتهم لنظام الإخوان المسلمين.