السيسي: القوات المسلحة لها دور محوري في مسيرة التنمية الشاملة للدولة    سائق يعتدي على مسئول لجنة ضبط السرفيس بالقليوبية أثناء أداء عمله في كفر شكر    مكتب نتنياهو: وفد إسرائيلي سيتوجه إلى شرم الشيخ غدا    مانشستر سيتي يهزم برينتفورد بهدف هالاند في الدوري الإنجليزي    هل يعود أشرف حكيمي لريال مدريد الصيف المقبل بتدخلات من مبابي؟    انطلاق برنامج "الاقتصاد 24" على شاشة القناة الأولى    أول صورة للوحة الأثرية المختفية من مقبرة خنتي كا بسقارة    6 نصائح لعلاج فطريات اللسان عند الكبار والصغار    بسعة 30 سريرا، نائب وزير الصحة يفتتح وحدة الرعاية المركزة بمستشفى صدر المنصورة    هالاند يقود جوارديولا لانتصاره رقم 250 في الدوري الإنجليزي على حساب برينتفورد    محافظة الجيزة ترفع «الفريزة» والفروشات بطريق المريوطية واللبيني فيصل بحي الهرم    نشاط فني مكثف.. علاء مرسي بين الكوميديا والدراما والسينما    وكيل صحة الأقصر.. يعلن بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    السكة الحديد تُسير الرحلة ال23 لإعادة الأشقاء السودانيين إلى وطنهم    الدوري الإنجليزي.. أستون فيلا يفوز على بيرنلي بهدفين لهدف    فابريس: نحترم الأهلي ولكننا نؤمن بحظوظنا في تحقيق المفاجأة    تامر حسني يطلق من كان يا مكان إهداء لمهرجان نقابة المهن التمثيلية لتكريم رموز المسرح المصري    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    برينتفورد بتشكيلة هجومية أمام مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي    حماس: تصعيد استيطاني غير مسبوق في الضفة لابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية    بلومبرج: البنك الأهلي المصري الأول في السوق المصرية بمجال القروض المشتركة    وزير التموين: تكثيف الرقابة والتصدى الحاسم لحالات الغش التجارى    تأجيل محاكمة 71 متهما بخلية الهيكل الإدارى بالتجمع لجلسة 21 ديسمبر    سيارة مسرعة تنهي حياة طفل أثناء عبوره الطريق بصحبة والدته في العجوزة    طرح 11 وحدة صناعية جديدة بمجمع المطاهرة بمحافظة المنيا    احزان للبيع ..حافظ الشاعر يكتب عن : في يوم المعلم… منارة العلم تُطفئها الحاجة..!!    سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025.. عيار 18 بدون مصنعية ب4483 جنيها    القاهرة الإخبارية: انتهاء عمليات الاقتراع في عموم المحافظات السورية    «فيروز الطفلة المعجزة».. مهرجان الإسكندرية يستعيد بريقها في ندوة مؤثرة    أفضل 5 أبراج تنجح في التدريس أولهم برج القوس فى يوم المعلم العالمى    روبيو: لا يمكن تجاهل تأثير الحرب في غزة على مكانة إسرائيل في العالم    هل يشارك كيليان مبابي مع منتخب فرنسا فى تصفيات كأس العالم رغم الإصابة؟    ارتفاع حصيلة ضحايا الانهيارات الأرضية والفيضانات في نيبال إلى 42 قتيلا    حكم الذكر دون تحريك الشفتين.. وهذا هو الفرق بين الذكر القلبي واللساني    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    «بس ماترجعوش تزعلوا».. شوبير يعتذر ل عمرو زكي    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية التابعة لها    رئيس جامعة المنيا يهنئ السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    تعليق مفاجئ من الجيش اللبناني بعد تسليم فضل شاكر لنفسه    سر إعلان أسرة عبد الحليم حافظ فرض رسوم على زيارة منزل الراحل    مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يكرم فناني ومبدعي المدينة (صور)    وزارة الإسكان السعودي تحدد نقاط أولوية الدعم السكني 2025    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    «اطلع على كراسات الطلاب وفتح حوارا عن البكالوريا».. وزير التعليم يفتتح منشآت تربوية جديدة في الإسكندرية (صور)    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    «صفر مساهمات وإيقاف قيد محتمل».. ماذا جنى الزمالك من صفقة عبدالحميد معالي؟    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    مرسوم جديد من «الشرع» في سوريا يلغي عطلة حرب 6 أكتوبر من الإجازات الرسمية    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    3 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    سوريا تنتخب أول برلمان بعد بشار الأسد في تصويت غير مباشر    عقد مؤتمر في القاهرة لعرض فرص الاستثمار الزراعي والتعدين بالولاية الشمالية في السودان    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويف    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلفيو مصر.. «الخروج من الظل»
نشر في الصباح يوم 31 - 01 - 2013

كان اجتماع بين قيادات من داخل «جبهة الإنقاذ» المعارضة للرئيس محمد مرسي، مع قادة سلفيين، عقد مؤخرا، مهما للغاية في مشهد يبدو غريبا على التيار السلفي المعروف بخصومته السياسية ل«جبهة الإنقاذ» وللتوجه الليبرالي لأعضائها، وهو ما يعد تحولا في موقف السلفيين تجاه القوى السياسية المصرية وتجاه الإخوان المسلمين. ويؤكد ذلك ما قاله الداعية الإسلامي الشهير الشيخ محمد حسان في خطبة الجمعة الماضية عندما وجه تحذيرا شديد اللهجة إلى الرئيس مرسي من «التمادي في التجبر والتكبر»، وقال له «من تمسك برأيه هلك» ، وذلك بحسب التقرير الذي أعدته الشرق الأوسط.
ويعتبر مراقبون تلك التحولات مؤشرا على تحول مهم في مشوار السلفيين السياسي الذي لا يتجاوز العامين، لعبوا خلالهما دورا مهما ك«سنيد» للإخوان المسلمين، ويبدو أنهم يريدون التمرد على هذا الدور والطموح إلى ما هو أكبر. يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات، ل«الشرق الأوسط»، إن «السلفيين يعتقدون أن الإخوان المسلمين قد استخدموهم إلى أن وصلوا للسلطة ولأنهم الأكثر عددا، أي السلفيين، فهم يستعدون لوراثة (الإخوان) ويريدون نصيبا أكبر من السلطة يتلاءم مع حجمهم وثقلهم السياسي الذي يشعرون به الآن».
واقع الأمر أن الحركة السلفية في مصر شهدت تطورات متتابعة عبر مراحل إنشائها. ففي عصور زمنية بعيدة، وفي الوقت الذي كان الإخوان المسلمون يعملون على اختراق كل مؤسسات الدولة والمشاركة فيها، كان السلفيون يفضلون الابتعاد عن ممارسة أي دور فاعل في الحياة العامة، خاصة السياسة، والاقتصار على دورهم داخل المساجد. إلا أنهم نجحوا في خلق تنظيمات سلفية محددة الشكل والملامح ولها مشروعية قانونية منها «جمعية أنصار السنة» و«الجمعية الشرعية»، كما توجد كيانات غير رسمية تعبر أيضا عن الفكر السلفي والسلفيين في مصر، وتتمثل في حركات متعددة ك«الحركة السلفية من أجل الإصلاح» و«الدعوة السلفية»، وكلها مؤسسات متغلغلة في المجتمع المصري، خاصة في الأقاليم والمناطق الريفية والفقيرة من خلال الخدمات الخيرية التعليمية والصحية والكفالات الاجتماعية التي تقدمها ومعاهد إعداد الدعاة من الرجال والنساء.
وقد شهد العمل السلفي تطورا مهما في عام 1980 حينما بدأ (الطالب بكلية الطب آنذاك) عماد عبد الغفور - الذي صار في ما بعد رئيس أول حزب سلفي مصري - النشاط السلفي بجامعة الإسكندرية تحت اسم «المدرسة السلفية» لمواجهة نمو النشاط الإخواني في الجامعة، ثم توسع النشاط السلفي في منتصف الثمانينات، وتم لأول مرة اعتماد الدعوة السلفية وكان الشيخ ياسر برهامي نائبا لأول مجلس تنفيذي بها. واستمر النشاط الدعوي السلفي الذي أنشأ مجلة «صوت الدعوة» لتكون لسان حال السلفيين حتى عام 2002، حيث توقف النشاط تماما بسبب المطاردات والمضايقات الأمنية لمشايخ الدعوة واعتقال الشيخ ياسر برهامي.
المثير في الأمر أن هناك سلفيين ما زالوا يعتبرون الديمقراطية كفرا لأنهم يقدمون هدف تطبيق الشريعة الإسلامية على فكرة حق الشعب في اختيار الحاكم. وعندما حاول بعض السلفيين التطور مع العصر وأنشأوا «الحركة السلفية من أجل الإصلاح» عام 2005 كحركة تعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع المجالات بما فيها السياسة والاقتصاد، قوبلت الحركة برفض وهجوم شرس من قبل باقي السلفيين، باعتبارها تؤدي إلى تسييس الدعوة السلفية. ومنهم الداعية السلفي الدكتور أحمد النقيب الذي قال: «نحن لا ندعو إلى الحزبية، لأن السلفية منهج طاهر نقي، لا تعرف حزبية بغيضة، ولا تعرف عصبية مؤسسية طائفية، بل هي لعموم المسلمين».
ويشاركه في الرأي الداعية الإسلامي السلفي هشام البيلي، الذي دعا في دروسه الدينية إلى تحريم الانتخابات الرئاسية واعتبرها بدعة جاهلية، وقال: «إن الإسلام يقوم على البيعة بين كبار علماء الأمة».
الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، من أشهر المعارضين لتحزب السلفيين ودخولهم معترك السياسة وفق مبدأ الديمقراطية، قال ل«الشرق الأوسط»: «لست ضد السياسة في الإسلام، بل بالعكس، فالإسلام دين شمولي لكل مناحي الحياة، ولكني ضد الديمقراطية فهي فكر وثني استوردناه من الغرب، وحتى في بلادهم لم تنفعهم الديمقراطية في شيء، فالقول بأنها حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب أمر مرفوض، لأن الحكم إلا لله». وأضاف: «يسمونها اللعبة القذرة، لذا يريدون أن يزحزحوا الدين ويبعدوه، والمفروض أن تمارس السياسة كما كانت في عهد الصحابة والتابعين». وتابع البدري: «الرسول الكريم كان يقود الجيش ويرسل الرسل في ظل نظام الشورى.. فالناس قسمان: أهل الحل والعقد، وأهل الاجتهاد».
ورفض البدري وجود برلمان منتخب عن الشعب، وقال إن «هذا كله مستورد من الغرب»، مشيرا إلى أن «الإسلام قد أعطانا القواعد القرآنية في كيفية إدارة سياسة الدولة». واستنكر ظاهرة الأحزاب السياسية السلفية، وقال: «لا يوجد في الإسلام أحزاب، وأنا لست مع السلفيين ولا الإسلاميين في هذا الأمر، ففي الإسلام كلنا مسلمون».
وقال البدري: «رغم أني كنت عضوا للشعب بالبرلمان، فإني لا أؤيد السلفيين في اتباع هذا الأسلوب، لأني لما دخلت البرلمان تأكد لي أن الديمقراطية فعلا فكر وثني فطلقت السياسة». وقال إن «السلفيين يعرفون ذلك جيدا، لكنهم يتخذونها تكئة يصلون بها إلى أن يصبح الحكم في أيديهم، ثم يتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية!!».
رغم ذلك، اتخذ السلفيون موقفا مغايرا لهذه المبادئ واتجهوا بقوة نحو العمل السياسي بعد ثورة 25 يناير، فبعد يوم واحد من سقوط نظام مبارك، بدأت مؤتمرات «الدعوة السلفية» تجوب أنحاء مصر، وشهد مؤتمر «الجبهة السلفية» بالمنصورة في 18 فبراير (شباط) بعد أسبوع من تنحي مبارك، دعوة الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان لتغيير فكرة السلفيين بالتفرغ للدعوة وعدم مقاطعة المظاهرات والانتخابات، لتصبح كلمة الشيخ حسان نقطة انطلاق للإعلان عن تفكير السلفيين الجاد في دخول معترك السياسة التي كانوا يرفضونها لسنوات طويلة، ليأتي بعدها الدكتور عبد المنعم الشحات ويصرح بأن التيارات السلفية تبحث إطلاق سبعة أحزاب معا، منها ثلاثة أحزاب تخرج من رحم «الدعوة السلفية».
وفي تلك الأثناء، نشطت رابطة «الجبهة السلفية» في مصر، وكونت تكتلات داعمة للفكر السلفي في أنحاء مصر كلها بهدف تقديم خطاب إسلامي سلفي تجديدي، يحافظ على الثوابت الشرعية ويتلاءم مع الواقع المصري، والتصدي للهجمات الإعلامية الموجهة ضد السلفيين والإسلاميين عامة، وإحياء بعض القضايا الإسلامية ذات الصلة بالشريعة. وهي جبهة تلعب دورا محوريا في ترجيح كفة فصيل سلفي على فصيل سلفي آخر بحكم انفتاحها على كل السلفيين والإسلاميين لدعم من تختاره وفقا لحساباتها ورؤاها الخاصة.
يقول الشيخ جمال صابر، المسؤول السابق عن حملة الشيخ حازم أبو إسماعيل الانتخابية الرئيس الحالي لحزب «الأنصار» السلفي، ل«الشرق الأوسط»، إن «الليبراليين والعلمانيين هم الذين يروجون لفكرة فصل الدين عن السياسة، لأنهم يرفضوننا ويريدون إفشال المشروع الإسلامي.. فالسياسة عندهم الكذب والمراوغة، أما نحن فلا نعرف إلا الصدق والوضوح والصراحة». وقال: «لا يوجد شيخ واحد حرم العمل بالسياسة، بل يحرم السياسة الكاذبة، بدليل أن الرسول الكريم كان قائد دولة في وقت السلم والحرب. وما لم يفهمه الناس أننا قبل ثورة يناير لم نكن ندخل في الانتخابات وما إلى ذلك فكان قرارا سياسيا في حد ذاته بعدم الدخول في تلك اللعبة، في ذلك الوقت لأن السلفيين كانوا يدركون أنهم لن يحققوا نتائج بسبب ما كان في الانتخابات من تدليس وغش ومن ثم كان موقفنا السلبي من ممارسة السياسة قرار سياسي في حد ذاته ثم غيرنا موقفنا بعد الثورة، لأن المناخ السياسي اختلف ولم يعد هناك تزوير في الانتخابات، وبالتالي دخلنا ونحصل على الأغلبية في كل وقت».
وعن موقف الرافضين للتحزب السلفي، يقول صابر: «الله - عز وجل - ذكر في كتابه حزب الشيطان، وذكر حزب الله، وبالتالي فعمل الحزب هو الذي يصنفه، فإن كان يعمل بكتاب الله وسنة رسوله فهو حزب الله، وإن كان يعمل على طريقة الكذب والمراوغة فهو حزب الشيطان. أما كثرة الأحزاب السلفية فعلى خلاف ظن البعض أنها تشتت الأصوات وتفتتها، فأنا أقول: هذا الكلام غير صحيح، وإن شاء الله سترون ذلك عمليا، لأننا نحن السلفيين هدفنا واحد، وعقيدتنا وأفكارنا واحدة، وفي لحظة الحسم يتجه جميع السلفيين في اتجاه واحد، وهذا ما رأيناه في كل الانتخابات الماضية، أما غيرنا من الليبراليين والاشتراكيين وغيرهم فأفكارهم وعقولهم شتى وسيفترقون». ويسعى السلفيون للخروج من ظل «الإخوان» ويتطلعون إلى دور أكبر في العملية السياسية، ويقول الشيخ صابر: «نحن نسعى لتحالف إسلامي كبير من كل القوى الإسلامية، وستكون هناك قائمة إسلامية واحدة». ويؤكد: «حزبنا الجديد هو الذي سيقلب الخريطة السياسية بمصر بعد الانتخابات».
ومن جهته، يقول الشيخ الدكتور سعيد عبد العظيم، أحد رموز التيار السلفي في مصر وأحد المؤسسين الأوائل للعمل الدعوي في «الجماعة الإسلامية» ثم «الدعوة السلفية»، إن «السلفيين رقم كبير على الأرض، قد يبلغ عشرة أضعاف الإخوان المسلمين في مصر»، على حد قوله في تصريحات صحافية، واشترط أن تنخرط مجموعة في العمل السياسي بأن تكون سياستها شرعية منضبطة، مؤكدا أن التغير المرصود في بعض السلفيين يحتاج إلى وقفة ومراجعة ومحاسبة.
وبينما فشل شباب الثورة المصرية في تجميع أنفسهم في حزب سياسي واحد، نجح السلفيون خلال أقل من ثلاثة أشهر بعد ثورة 25 يناير في إطلاق حزب النور، الذي يعد الذراع السياسية الأساسية ل«الدعوة السلفية» في مصر، كما كان بداية لسلسلة الأحزاب السلفية التي تكونت في ما بعد تباعا.
وكان الثالث عشر من يونيو (حزيران) 2011 يوما مهما في مسيرة السلفيين السياسية، حيث بدأ فيه حزب النور ممارسة نشاطه السياسي بشكل عملي وقانوني وسط دهشة الكثيرين من التحول الكبير في موقف السلفيين من العمل بالسياسة. وكانت حقوق المواطنة والحفاظ على الحقوق والحريات في إطار العمل بضوابط الشريعة الإسلامية والتوسع في صيغ التمويل الإسلامية القائمة على المشاركة واحترام العهود والمواثيق وعدم الزج بالبلاد في نزاعات مدمرة - من أهم مبادئ أول حزب سلفي.
وقد حظي هذا الحزب باهتمام كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسارعت الكثير من الشخصيات الغربية والأجنبية بشكل عام على زيارة مقر الحزب والتحدث إلى رئيسه آنذاك الدكتور عماد عبد الغفور. ورغم حداثة الحزب سياسيا، فإنه حقق نتائج مذهلة في الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت نهاية عام 2011 وكان منافسا شرسا فيها لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأكثر خبرة منه، حيث حصل على أكثر من 20% من مقاعد البرلمان المصري في أول انتخابات شارك فيها، ثم صار الحليف الأكبر ل«الإخوان» تحت قبة البرلمان لتكوين جبهة ائتلافية قوية من الأغلبية الإسلامية بنسبة تجاوزت 65% في مواجهة التيارات السياسية الأخرى.
ولكن، سرعان ما تسلل الخلاف إلى الحزب بسبب سيطرة رجال دين على الدور القيادي الداخلي، بينما كان هناك فريق آخر من الأعضاء الأكثر براغماتية يريد لنفسه دورا أكبر. ويرى خبراء أن أزمة حزب النور السلفي تكمن في الخلاف ما بين الشيوخ والشباب من أعضائه، وسط مشاعر الخوف من خروج الحزب عن إطاره الديني الذي قام على أساسه واقترابه من مسلك حزب الإخوان المسلمين. وهي الأزمة التي تبلورت بوضوح عندما أحجم الحزب عن دعم مرشح الرئاسة - آنذاك - السلفي الشيخ حازم أبو إسماعيل وتسببت في نشوب الخلافات الداخلية. الأمر الذي تفاقم في ما بعد في صورة الانشقاق الذي حدث مؤخرا لنحو 150 عضوا من حزب النور وتكوينهم حزبا سلفيا جديدا هو حزب «الوطن»، الذي يرى البعض أنه سيكون ندا قويا ل«النور» بل يعتبرونه أوفر حظا وأكثر قدرة على تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة، خاصة بما يمتلكه من كوادر براغماتية لها خبراتها في العمل السياسي والاحتكاك بالناخبين.
الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وأنصاره هم إحدى القوى السلفية الكبرى التي من المتوقع أن تلعب دورا مهما في دعم التيار السلفي بمختلف أحزابه. الدكتور يسري حماد، نائب رئيس حزب «الوطن»، قال ل«الشرق الأوسط»، إن وجود الشيخ حازم أبو إسماعيل مع حزب «الوطن» يأتي كنواة تحالف انتخابي للانتخابات البرلمانية القادمة. إلا أن الشيخ أبو إسماعيل قلب الموازين بحركة سياسية مباغتة مؤخرا، أثارت جدلا كبيرا حينما فاجأ الجميع بالإعلان عن تأسيس حزبه السلفي الجديد الذي استقر على تسميته «حزب الرسالة»، في إشارة إلى تنصله من اتفاقه وتخليه عن دعمه كحليف ل«الوطن»، بعد أن أعلن منافسته له في الانتخابات البرلمانية القادمة، وفي ظل إعلانه دعم الكثير من الأحزاب السلفية الأخرى التي خرجت من عباءته مثل أحزاب «الأنصار» و«الشعب» و«الأمة»، الأمر الذي أثار غضب «الجبهة السلفية» التي حملت أبو إسماعيل مسؤولية «تعثر» حزب «الوطن»، بل إن «أبو إسماعيل»، الذي قال إن حزبه سيكون آية من آيات الله، أصبح ينافس حزب النور أيضا على اقتناص دعم «الدعوة السلفية»، وهو ما يعقد حسابات الحزبين السلفيين الكبيرين، ويضعهما في موقف انتخابي حرج، وربما يدفعهما ذلك إلى الائتلاف والتحالف في تلك الانتخابات لمواجهة أبو إسماعيل! وإلى جانب «النور» و«الوطن» و«الرسالة»، توجد مجموعة أخرى من الأحزاب السلفية الصغيرة ذات المرجعية الدينية التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، منها حزب «الأصالة» وحزب «الإصلاح والنهضة»، وحزب «الفضيلة»، وحزب «البناء والتنمية»، وإن كان هذا الحزب يعبر عن فكر «الجماعة الإسلامية» إلا أنه يندرج تحت قائمة التيارات الأقرب للسلفية.
وفي ضوء المشهد السياسي الأخير الذي جمع سلفيين ومعارضين من «جبهة الإنقاذ» في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، يثور التساؤل حول ملامح علاقة السلفيين ب«الإخوان» خلال الفترة المقبلة خاصة، فيظل الخلاف الأساسي، الذي يؤكده السلفيون، بينهم وبين «الإخوان» والخاص بمبدأ تطبيق الشريعة، إلى جانب مسألة أخرى، أعلنوا كثيرا استياءهم من «الإخوان» بسببها، وهي فكرة الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين، على حد وصف الدكتور خالد علم الدين القيادي السلفي بحزب النور، وهو ما يدفع إلى مزيد من الجفاء بين الجماعة والسلفيين، في ظل سعي السلفيين للتحرر من استخدام «الإخوان» لهم.
الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور الجديد، قال ل«الشرق الأوسط»: «إن السلفيين يسعون بالعمل الحثيث نحو اكتساح الانتخابات والفوز بأغلب المقاعد البرلمانية»، مؤكدا وحدة الفكر والمنهج بين كل السلفيين الموجودين على الساحة، وأنهم الأقرب لبعضهم في التحالف من غيرهم من القوى السياسية الأخرى، فيما يبدو للمراقبين أنه استعداد سلفي لوراثة الإخوان المسلمين وتولي السلطة في انتخابات الرئاسة القادمة، وفق ما قاله الدكتور سعد الدين إبراهيم ل«الشرق الأوسط».
مع ذلك، فإن هناك من يرى أن جماعة الإخوان لن تسكت، بل هناك من يتهمها بأنها وراء ما يحدث من انشقاقات في الأحزاب السلفية لإضعافها.
وعن مستقبل السلفيين السياسي بعد عامين من اقتحامهم المجال، قالت الدكتورة نجلاء مكاوي، رئيس وحدة الدراسات الإقليمية والدولية بمركز النيل للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بالقاهرة، ل«الشرق الأوسط»، إنه «إذا كنا فوجئنا بصعود السلفيين في عام 2011 وبتقدمهم مع الإخوان المسلمين، فإن الوضع الحالي قد اختلف بتغير المعطيات، لأن السلفيين حاليا تجاوزوا حدود قراءتنا للمشهد السياسي بعد أن أصبحوا بالفعل جزءا من التيار الحاكم». وقالت مكاوي: «مهما بدا (الإخوان) والسلفيون مختلفين ظاهريا ومتصارعين، إلا أن هناك أساسا آيديولوجيا واحدا يجمع بينهما، ومشروعهم وهدفهم واحد في المدى البعيد على المستوى السياسي والاقتصادي وشكل علاقتها الخارجية، ولكن السلفيين لأسباب خاصة بهم يتظاهرون بالخلاف مع (الإخوان) كما حدث، وزعموا عدم رضائهم عن الدستور الجديد، ومع ذلك رأيناهم يدعون المصريين للتصويت بالموافقة عليه، وهو ما يؤكد اتفاق (الإخوان) والسلفيين في إطار مشروع واحد، وما يظهر من خلافات مع (الإخوان) فهو حملة منظمة لتحقيق الأهداف والمصالح».
وحول احتمالات الخلاف في الانتخابات البرلمانية القادمة، قالت الدكتورة نجلاء إن «(الإخوان) سيحافظون على تحالفهم مع السلفيين في تلك الانتخابات لتحقيق أغلبية تمكنهم من تفصيل ترسانة القوانين التي تضمن تنفيذ مشروعهم، ومن ثم ف(الإخوان) يحتاجون للسلفيين، كما أن السلفيين لديهم مشروع مرحلي لم يتجاوز حدود التعاون مع (الإخوان)، ومن ثم فهم يعملون على هامش (الإخوان) بمنطق العمل التدريجي وعلى طريقة ما لا يدرك كله لا يترك كله».
وأضافت مكاوي أن «السلفيين، بمن فيهم المتشددون، ليس من مصلحتهم قلب الموازين في مواجهة (الإخوان)، ولا بد أن يتحالفوا معهم حتى يتم التمكين الكامل بالسيطرة على مفاصل الدولة لتحقيق الهدف المشترك.. أما بالنسبة للمعارضة في (جبهة الإنقاذ) وغيرها، فليس أمامها إلا قبول الحوار مع الرئيس مرسي.. وعلى الرئيس أيضا أن يصنع نوعا من التوافق مع المعارضة ولو على حساب الفصائل الأخرى.. لأن (الإخوان) لا يمكنهم معرفة حدود الغضب المتوقع من الشارع المصري حينما يفقدون السيطرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.