25 يناير.. ثورة تجدد نفسها فى «موسم جنى الغضب» ذكريات الثوار تكشف تفاصيل «صناعة الثورة» من الشوارع إلى الميادين لا يبدو 25 يناير 2011 مجرد تاريخ، يحتقل المصريون فيه بقيام الثورة بقدر ما هو ذكرى ملهمة تتجدد كل عام، وتنمو معه احتمالات قيام ثورة جديدة، أو موجة جديدة لثورة تجدد نفسها، بينما الثوار ومن شاركوا فى مسيرات الثورة واعتصموا بميدانها، ولم يقايضوا بمواقفهم فيها بثمن بخس مع النظام، سابق، أو حالى، يتذكرون كيف كانت الملحمة التى شاركوا فى صناعتها، وكيف كانت التفاصيل التى لا تخلو من عبقرية قدرية، لا تزال ملهمة ومحفزة على قدر بساطتها وبراءتها، لكثيرين فى استكمال ثورة لم تكتمل، وتحقيق أهداف لم تتحقق.. فى السطور التالية يروى عدد من شباب الثورة، تفاصيل ما جرى والتى ربما لم يعرف عنها كثيرون شيئا.. «وائل غنيم» .. قائد الثورة «الافتراضى»: الثوار عرفوا أننى مؤسس «كلنا خالد سعيد» بعد القبض على وائل سعيد عباس غنيم، 33 سنة، ومؤسس صفحة «كلنا خالد سعيد»، كان أحد الأسباب الرئيسية فى إشعال الثورة، بسبب الدور المؤثر الذى لعبته الصفحة النى أنشأها على فيس بوك، وحاز لقب «مناضل الكيبورد»، لتبشيره بالثورة المصرية والدعوة لها، عبر الفضاء الإلكترونى. ألقى القبض عليه فى مساء يوم 27 يناير بشارع أبو الفدا بالزمالك، وتم احتجازه فى مبنى مباحث أمن الدولة، لمدة 12 يوما، وتم الإفراج عنه فى يوم 6 فبراير2011. يروى «غنيم»، الذى قضى أيام الثورة الأولى رهن الاحتجاز تحت رحمة ضباط مباحث أمن الدولة، الذين لم يكفوا عن التحقيق معه يوما واحدا، تفاصيل ما حدث قائلا: «كنت أدعو إلى التظاهر ضد النظام، وتحقيق العدالة والحرية، وشاركت فى المظاهرات يوم 25 يناير 2011، حيث التقيت فى دار الحكمة مع مجموعة من المتظاهرين، واعتدى علينا رجال الأمن، وكانوا يريدون منعنا من الوصول إلى ميدان التحرير، على الرغم من أننا كنا نستقبل الأمن بالورود، ونقول لهم إننا لا نقصدهم بالمظاهرة، لكننا نفعل ذلك من أجل البلد، ثم فجأة تركونا، واتجهنا إلى ميدان التحرير، وهناك فى حوالى الساعة السابعة مساء اعتدى علينا رجال الأمن بسيل من قنابل الغاز المسيل للدموع، وحاولوا تفريق المتظاهرين بأى شكل من الأشكال، وغادرت الميدان فى الساعة الواحدة صباح اليوم التالى». يقول «غنيم»: «فى يومى 26 و27 يناير، كنت أجهز لمظاهرة الجمعة، إلا أن يوم 27 يناير بالليل اتقبض علىّ فى شارع أبوالفدا بمنطقة الزمالك، وحوالى الساعة الواحدة صباح يوم 28 /1 /2011 قام أربعة أو خمسة أشخاص بالهجوم علىّ، ورمونى على الأرض، وانتظروا إلى أن جاءت سيارة وضعونى فيها وعصبوا عينىّ، إلى أن وصلت مكانا لم أعرفه، أين، ثم عرفت أين أنا عندما قالوا لى أهلاً بك فى أمن الدولة، وشتمونى بأفظع الشتائم، وجردونى من ملابسى للتفتيش، ثم احتجزونى لمدة اثنى عشر يوما، إلى أن تقابلت مع وزير الداخلية محمود وجدى، وحسن عبدالرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، وحسام بدراوى، وهو لم يكن لقاء ظريفا، إلى أن أفرجوا عنى فى 6 فبراير». لكن «غنيم» لا ينسى دور صاحبه «عبدالرحمن منصور» الأدمن الثانى معه فى الصفحة، ويشير إلى دوره فيها قائلا: «رغم أننا لم نلتق خارج العالم الافتراضى من قبل تأسيس الصفحة، إلا أننى كنت أشعر تجاهه بكل مودة وحب واحترام. فأمثال عبدالرحمن لم يحصلوا على ما يستحقونه من تكريم، فهو شاب مصرى وطنى مخلص، لم يبحث عن شهرة أو مديح، بل كان يبحث عن تحقيق حلم». ويتابع: «كنا نشعر سويّا قبل الثورة أن أفضل ما فى هذه الصفحة، هو أن لا أحد يعرفنا، وأن الإيمان كان بالفكرة لا بالأشخاص، ولكن العقد انفرط حينما تم اعتقالى وعلم الجميع دورى فى الصفحة على غير رغبة منى، كانت هذه اللحظات صعبة وقاسية على كلينا، فالقاعدة التى بنيت عليها الصفحة وكانت مصدر قوتها وثقة الناس فيها قد تغيرت». عمرو عز : خططنا للانطلاق من «مصطفى محمود» لقربة من المناطق الشعبية يروى عمرو عز عضو المكتب التنفيذى لائتلاف شباب الثورة، كيف اتفقت القوى الثورية فيما بينها على النزول فى مظاهرات 25 يناير 2011، دون أن تعرف أن ما سيحدث هو الثورة، قائلا فى عام 2010، كانت هناك انتخابات شبابية للبرلمان الموازى للبرلمان الرسمى، حينها تعرفت القوى الثورية عن قرب على بعضها بعضا، وكانت تضم (حملة دعم البرادعى)، و(حركة شباب الحرية والعدالة) وحزب الجبهة، و6 أبريل. ويضيف: وقتها بدأنا فى الحديث عن القيام بعمل يجمع القوى الثورية تحت مظلة واحدة، وكنا نجتمع بشكل دورى، حتى أن آخر اجتماع قبل الثورة كان فى مقر تيار التجديد الاشتراكى فى منطقة وسط البلد، واتفقنا على النزول يوم 25 يناير، وعلى ألا ندخل أحدا غير معروف بيننا، كنا نتقابل فى أماكن غير معتادة وأوقات غير معتادة، يبلغ بعضنا بعضا بها وجهًا لوجه، وكان التحدى لدينا هو حشد أكبر عدد من المتظاهرين، وكنا على دراية خلال اجتماعاتنا بأنه إذا تمت معرفة ما نتفق عليه سيفسد حلمنا. التنظيم كان مسألة فى غاية الأهمية، «يقول عز»، فقد كان لكل مجموعة رئيس، حيث بدأنا التحرك من منطقة ناهيا، وقررنا أن يكون التجمع الرئيس فى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، لأن العديد من المناطق الشعبية تقع بالقرب منه. وبعد احتشاد الآلاف فى التظاهرات، كان القرار هو التوجه إلى ميدان التحرير.. فقد كان عدد المواطنين المشاركين فى المسيرة هو عامل الحسم فى أن نكمل مسيرتنا أو لا نكمل. قبل 25 يناير بشهر كنا ندعو أهالى ناهيا للنزول فى هذا اليوم، ونوزع منشورات تحث على النزول وتشرح أسبابه، كان مهمّا لدينا تهيئة المكان الذى سنخرج منه، لم نكن نتوقع تجاوب الناس، وأن يكون العدد بهذا الحجم. فى البداية، لم يكن الأمن فى 25 يناير عنيفا- يؤكد عز- لأن الأعداد كانت ضخمة، ويصعب على الأمن استخدام العنف بنصف قوته، فاضطر للتعامل السلمى، ومنعنا من دخول ميدان التحرير لفترة كبيرة، حتى استطعنا الدخول فى النهاية، وحينها اجتمعنا لنرى ما سنقوم به، وحينما اقتحم الأمن الميدان مساء 25 يناير، تم إلقاء القبض على العديد منا، واجتمعنا يوم 26 صباحا و27 مساء فى منطقة المقطم، واتفقنا على الطريقة التى سنعد بها أنفسنا يوم جمعة الغضب 28 يناير. فى يوم 28 يناير «جمعة الغضب» قطعت الاتصالات، ولكن لم يكن قطع الاتصالات أمرا عائقا للدعوة العبقرية التى خرجت من كل المساجد لميدان التحرير، لهذا لم تتأثر المظاهرات، وخرجنا من أكثر من مكان، كانوا 6 مناطق تقريبا، ورتبنا للخروج مع الدكتور البرادعى وقد علمنا بمجيئه لمصر، ولكننا قررنا أن نغير خطتنا لإدراكنا أن الأمن مؤكد سيعتقلنا، فنقلنا مكان المسيرة إلى إمبابة بعد أن تجمعنا فى مساء 27 يناير، واتفقنا فيما بيننا على أن من لن يستطيع الانضمام لأى مسيرة يصلى فى أى مسجد ويخرج للميدان. بعد 28 يناير، وعند وصولنا للميدان، كنا نجتمع فى أى مكان عشوائى، ونظمنا أول مليونية يوم الثلاثاء 1 فبراير، وخرج مبارك بخطابه العاطفى.. ناس روحت وكثيرون أصابهم الإحباط، ثم كان ما حدث فى يوم الأربعاء 2 فبراير، وهى الموقعة المعروفة بموقعة الجمل، كنا حينها مجتمعين بالدكتور البرادعى، وفى يوم الخميس تم اعتقالى ثلاثة أيام فى المخابرات العسكرية، وكان العديد من الناشطين والثوار محتجزين، فقمنا بدعوة لمليونية يوم الأحد 6 فبراير، واستمر الضغط إلى أن رحل مبارك. «عبدالرحمن منصور» جندى الثورة المجهول أدمن صفحة «كلنا خالد سعيد» الذى مهد الطريق للثوار ثم التحق بالجيش عبدالرحمن منصور، هو الأدمن الثانى لصفحة خالد سعيد، مع وائل غنيم، مؤسس الصفحة، تخرج منصور فى كلية الآداب جامعة المنصورة، قسم الصحافة عام 2010، وهو أول من اقترح أن تكون الثورة يوم عيد الشرطة الموافق 25 يناير. شارك عبدالرحمن منصور فى الإشراف على صفحة «كلنا خالد سعيد» لساعات وأيام طويلة، لا يبتغى شكرا أو تقديرا من أحد.. ويقول عن ذلك «كنا نقضى أن ووائل غنيم الساعات الطويلة مع بعضنا بعضًا عبر الإنترنت، نتحدث عما يدور فى مصر ونفكر فى الدور الذى يمكن أن تلعبه الصفحة لإصلاح حال البلاد، ونكتب عليها داعين الناس للمشاركة فى الوقفات الصامتة وغيرها من فعاليات الصفحة وننشر ما يكتبه ويقترحه الأعضاء علينا. كثيرا ما نختلف، وكان هذا الخلاف مثيرا للصفحة ودورها. كانت له لمسات وأفكار مبدعة فى حياة الصفحة، منها الحملة التى أطلقها مع وائل غنيم أثناء انتخابات مجلس الشعب لكتابة اسم خالد سعيد على بطاقة الانتخاب تعبيرا عن عدم رضاهما عما يحدث من تزوير لإرادة المصريين، وكذلك وهو الأهم أنه كان من اقترح الدعوة إلى وقفات صامتة، وبعض الفعاليات الأخرى يوم 25 يناير، تلك الدعوة التى حولتها بعد نجاح ثورة تونس فى 14 يناير إلى دعوة للثورة على الظلم والفساد والتعذيب والبطالة. وشاءت الأقدار أن يذهب عبدالرحمن منصور إلى الجيش يوم 17 يناير، ليُحرم من المشاركة فى حلم طال انتظاره، وكان قبل الثورة مؤمنا بالتغيير وحتمية حدوثه. ورأى فى الصفحة منبرًا مهما من منابر هذا التغيير، ولذا حرص على أن يوليها اهتماما واضعا إياها من إحدى أهم أولوياته. يقول عبدالرحمن: فى 17 يناير 2011، قلت لوائل غنيم «أنا مفيش حاجة هتوحشنى فى الجيش أكتر من صفحة كلنا خالد سعيد». وكان رد غنيم عليه وقتها: «أنا أيضا سأفتقدك وأفتقد خلافاتنا ومشاكساتنا المستمرة معا».. وهو ما عقب عليه منصور قائلا: «سأرجع إن شاء الله بعد أن تكون الثورة قد نجحت، والصفحة بها مليون عضو لنعمل معا على نهضة مصر». وفى الوقت الذى سلطت فيه الأضواء على وائل غنيم فور الإفراج عنه بعد اعتقاله فى الأيام الأولى للثورة، اختار منصور الاختفاء لأنه جندى فى الجيش المصرى، احتراما منه والتزاما بتقاليد المؤسسة العسكرية، ورفض عبدالرحمن الظهور فى أى مناسبة أو الحديث عن دوره فى الصفحة، لكن مما لا ينسى لعبدالرحمن هو تبشيره بالثورة قبل التحاقه بالخدمة العسكرية، حيث كتب على حائط صفحته فى موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، فى الرابع من يناير 2011 موضحا رأيه فى الأحداث التى تلت تفجير القديسين قال فيه «أرى أن مصر قد أصبحت أمام طريقين إما حدوث حرب أهلية أو حدوث انتفاضة شعبية قد تحقق أهدافها، إذا ساندها الجيش».. وهو ماحدث بالفعل واندلعت الثورة. يروى وائل غنيم مؤسس صفحة «كلنا خالد سعيد»، وهو يروى تفاصيل معرفته بمنصور فى تدوينة كتبها على صفحة «كلنا خالد سعيد»: تعرفت على أحد الشباب المصرى الواعى عبر الإنترنت، شدتنى كتاباته، وأصبحنا أصدقاء على فيس بوك، كان منصور آنذاك طالبا جامعيا فى الثالثة والعشرين من عمره، بكلية الآداب قسم الصحافة والإعلام بجامعة المنصورة. بدأ نشاطه السياسى بالكتابة على مدونته عن الأوضاع السياسية فى مصر، ولاحظت أنه كان يعمل بنشاط فى المشهد السياسى فى مصر عبر مبادرات مختلفة، وجذبنى نضجه وعقليته، وعملنا معًا مباشرة بعد ظهور الدكتور محمد البرادعى على الساحة السياسية فى مصر، بعد أن دعانى لأكون مشرفا معه على صفحة الدكتور البرادعى على موقع فيس بوك، وبعد وفاة خالد سعيد رحمه الله، أنشأت صفحة «كلنا خالد سعيد»، وشعرت أن الحمل سيكون ثقيلا، خاصة أن الصفحة تجاوز عدد أعضائها 100 ألف عضو بعد ثلاثة أيام من إنشائها فطلبت مساعدة منصور، الذى كان تعاونه السابق معى إيجابيا ووافق منصور دون تردد. كنت فعلا أفتقده «يقول غنيم»، لأننى ورغم أننا لم نلتق خارج العالم الافتراضى من قبل كنت أشعر تجاهه بكل مودة وحب واحترام. فأمثال عبدالرحمن لم يحصلوا على ما يستحقونه من تكريم، فهو شاب مصرى وطنى مخلص، لم يبحث عن شهرة أو مديح، بل كان يبحث عن تحقيق حلم. «كنا نشعر سويّا قبل الثورة أن أفضل ما فى هذه الصفحة، هو أن لا أحد يعرفنا، وأن الإيمان كان بالفكرة لا بالأشخاص، ولكن العقد انفرط حينما تم اعتقالى وعلم الجميع دورى فى الصفحة على غير رغبة منى، كانت هذه اللحظات صعبة وقاسية على كلينا، فالقاعدة التى بنيت عليها الصفحة وكانت مصدر قوتها وثقة الناس فيها قد تغيرت». شادى الغزالى .. منسق الثورة شادى الغزالى حرب، كان أحد ممثلى شباب حزب الجبهة الديمقراطية، فى ائتلاف شباب الثورة، وأحد المنسقين للاجتماع الذى ضم معظم الاتجاهات الثورية، ومنها حركة 6 أبريل وشباب من أجل العدالة والحرية وحزب الجبهة وحزب الكرامة وحزب الغد وحملة دعم البرادعى التى دشنت قبل الثورة بأيام عدة، والذى نسق الغزالى من خلاله هو ورفاقه ليوم 25 يناير ، وردد حرب دائما، أن «صفحة خالد سعيد» هى من دعت على الفيس بوك بالتظاهر ضد الشرطة واقترحت أن يكون التظاهر فى عيدهم، وهو ما دفع عددا من النشطاء للجلوس سويّا للاتفاق على الفاعليات المقرر تنظيمها فى هذا اليوم، وكانت ثورة تونس بالنسبة له هى من ألهمت المحتجين لرفع سقف المطالب، إلى حد المطالبة برحيل مبارك. سالى توما: تركت عملى فى لندن وجئت كى أشارك فى الثورة سالى توما، طبيبة نفسية، تعمل فى مجال تأهيل المعذبين فى السجون، جاءت مصر فى عام 2010 بعد أن كانت تعيش فى لندن، بعدما علمت بمقتل خالد سعيد، وعندما وصلت مصر تواصلت مع أسرة خالد سعيد، وهى وعضو بالجمعية الوطنية للتغيير، وعضو ائتلاف شباب الثورة الذى ضم كل الحركات السياسة التى خططت لتلك الثورة، تقول «توما»، استجبت لدعوة صفحة «كلنا خالد سعيد» على فيس بوك، بالاحتجاج والتظاهر يوم عيد الشرطة للتنديد بتعذيب المسجونين من قبل الشرطة، لأن هذا تخصصه، وهى تعلم جيدا مدى المعاناة التى يشعر بها المعذبون فى أقسام الشرطة.. وتروى كيف نزلت يوم 25 يناير فى مظاهرة انطلقت من منطقة ناهيا، وهى المظاهرة التى ضمت معظم شباب الثورة، وكيف أنها ذهبت يوم 27 يناير لاستقبال البرادعى فى المطار ثم شاركت فى التسيق لمليونية 28 «جمعة الغضب» . تقول سالى: كنت قد اتخذت قرارا بترك المستشفى الذى أعمل به فى لندن، وهو يتبع جامعة إكسفورد، والعودة إلى مصر، فى ليلة 25 يناير، وكنت أجهز نفسى للنزول فى التظاهرات بعدما أعلنت صفحة خالد سعيد دعوة أعضائها للتظاهر، على الرغم من أننى لم أكن أعرف مؤسسيها، حتى أننى كنت أشك فى أن مؤسسيها من زملائى، وقد كنت من المجموعة التى بدأت التحرك من منطقة ناهيا، ولم أكن أتخيل أن ينضم إلينا مواطنون عاديون، ممن كانوا يتسوقون حاجياتهم، وأذكر أن إحدى السيدات سارت معنا وهى تحمل أرغفة الخبز التى اشترتها لتوها من المخبز بعدما وقفت وقتا طويلا فى الطابور وهتفت معنا، ثم اتجهنا إلى شارع جامعة الدول العربية، وكان معنا كثير من النشطاء ومنهم خالد عبدالحميد، ينظمون المسيرة، وفجأة نظرت خلفى فوجدت أعدادا غفيرة من الناس تهتف معنا، وقتها شعرت أننا لن نعود إلا بالتغيير، وتبدد الإحساس بالخوف تماما، وبمجرد أن وصلنا إلى ميت عقبة، التحق بنا الآلاف ثم فجأة بدأ زملاؤنا يتصلون بنا ويقولون تعالوا على التحرير، فرحنا نواصل مسيرتنا التى كانت مثل كرة الثلج، ونحن نهتف الشعب يريد إسقاط النظام، وعيش حرية عدالة اجتماعية، حتى إن سائقى التاكسى فى الشوارع كانوا يهتفون معنا، وعندما اقتربنا من ميدان التحرير بدأوا يضربون القنابل المسيلة للدموع باتجاهنا ، حتى إن إحدى قنابل الغاز ضربت وجهى مباشرة، فلم أشعر بشىء، حتى ساعدنى زملائى واسترددت وعيى مرة أخرى، وكنت أرى حولى مصابين، لكن الضرب لم يكن بتلك القوة أو الكثافة التى كانت يوم 28 الشهير بجمعة الغضب، لكن أذكر كيف كان الأهالى يتعاطفون مع المسيرات المتجهة إلى التحرير، وكانت الأسر تلقى لنا بزجاجات المياه، لكن بعد فترة كان زملائى قد تاهوا منى فى خضم الزحام، ولم أدخل ميدان ميدان التحرير إلا فى المساء وتوالت الأحداث. خالد تليمة: مبارك أهدانا «نجاح الثورة» بخطابه العاطفى قبل «موقعة الجمل» خالد تليمة، عضو ائتلاف شباب الثورة، يسترجع بذكرياته جانبا مثيرا من مشاهد الثورة، قائلا، فى يوم 25 يناير بعد أن قررنا إطلاق العنان للتظاهرات، كان من المفترض أن ألتحق بالمسيرة التى انطلقت من منطقة إمبابة بالجيزة، ولكنى كنت فى منطقة وسط البلد، فانطلقت إلى ميدان رمسيس، وهناك فوجئت بعدد الناس الذى لم أكن أتوقعه.. استجاب الشعب لمطالبنا، وأثناء سيرنا كسرنا ما يقرب من 4 كردونات أمنية، وكنا أول مجموعة وصلت إلى مجلس الشعب.. وبعض المتظاهرين طالبوا باقتحامه، وكنا لا نعرف ماذا نقرر، حتى هاجمتنا قوات الأمن المركزي، فتراجعنا إلى ميدان التحرير، ووقفت على مدخل الميدان أنظر للأعداد التى تتوافد، فوجدتها تزيد بمرور الوقت، حينئذ لم أتماك نفسى أو أستطع منعها من البكاء، وعلمت أن الشعب أدرك أن له حقوقا يطالب بها. يقول تليمة: وقتها كانت لدينا تسريبات بأن الإنترنت والاتصالات سيتم قطعها، لهذا كنا نستخدم التليفونات الأرضية، وفوجئنا بأن الشباب المصرى تمكن من التحايل على فكرة قطع الإنترنت ونشر البعض منهم طرقا أخرى للوصول إلى الإنترنت، وقام الشباب بفضح ممارسات النظام أمام العالم، ولكن الجميل فى الأمر أن أغلب هؤلاء الشباب لم يكن من منظمى الدعوات للثورة. كنا نجتمع 20 أو 30 شابا فى بعض الخيام فى ميدان التحرير، أو فى مقرات الأحزاب بمنطقة وسط البلد، نجتمع سرا وفى أوقات مختلفة وأماكن مختلفة حتى لا تتم معرفة أو توقع ما سنقوم به، كنا نبلور أفكارا، نتناقش فيها بعد ذلك، وكنا نعى أنه يجب أن تكون لدينا ردود فعل سريعة، فكنا نطبع البيانات والمنشورات ونوزعها على الناس، كما كنا نستخدم إذاعة الميدان لتحفيز الحماس لديهم، كان أهم ما يشغلنا هو كيف نحافظ على قوتنا فى الميدان. يقول تليمة، الناس رغم احتشادها بقوة فى الميدان يوم جمعة الغضب، فإن العديد منهم أمام تشويه الإعلام الرسمى وغير الرسمى للثوار والثورة، وضغط أهاليهم عليهم كانوا يتركون الميدان، كما انتشر التوتر فى الميدان.. والموقف كان يقلقنا، حيث قطاع كبير من الناس بدأ يمشي، حتى جاء ما اعتبرته هدية مبارك لنا، وهو الخطاب الذى سبق موقعة الجمل، حينها الناس تفهمت أن مبارك يخدعهم ولا يريد التنحى وسيورث الحكم. وأمام محاربة الإعلام لنا، كنا نصدر بيانات للناس تحضهم على الحفاظ على الثورة، وقيمة التمسك بالاعتصام فى الميدان. وأقمنا لجانا شعبية من المعتصمين للتأمين.. كانت الثورة بمثابة خبرة جديدة نكتسبها، كنا نقف عند بعض المواقف لا نعرف ماذا نفعل، ولكن كانت الأمور تسير إلى أن رحل الطاغية. أسماء محفوظ .. التحريض على الثورة أسماء محفوظ تخرجت فى مودرن أكاديمى، قررت أسماء محفوظ النزول يوم 25 يناير، وظلت أسماء تدعو المواطنين من خلال صفحات التواصل الاجتماعى للنزول فى يوم 25 يناير ثم قامت قبل 25 يناير بتوزيع منشورات فى الشوراع تحث المواطنين على المشاركة فى أحداث 25 يناير، ثم نزلت قبل الثورة بخمسه أيام وتحمل لافته بها «يا مصرون فى أربعهة حرقوا أنفسهم فى وسط ميدان التحرير»، وتتضامن معها 3 شباب، لكن تمت إحاطتها بسيارات الأمن المركزى، ومن ثم قالت «ياجماعة معانا يوم 25 يناير» وقتها قامت بطبع بيان يحث المواطنين على المشاركة، وجاءت الدعوة من حركة شباب 6 إبريل، ثم قامت أسماء مع عدد من المتظاهرين بالتجمع فى الثانية ظهرا بميدان مصطفى محمود، والتوجه إلى ميدان التحرير حيث قامت قوات الأمن المركزى باعتراضهم، حتى لا يتمكنوا من الوصول إلى ميدان التحرير، ورغم ذلك، وصلت أسماء محفوظ فى الثالثة عصر يوم 25 يناير .