«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميليباند.. رئيس وزراء بريطانيا المنتظر
نشر في الصباح يوم 16 - 01 - 2013

هل صحيح أن التناحر الآيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية قد وصل إلى نهايته، بسقوط الكتلة الشرقية، في نهاية حقبة الثمانينات، وأن العالم قد دخل في مرحلة الرأسمالية الليبرالية، كما يقول المنظر اليميني فرانسيس فوكوياما، الشهير بكتابه «نهاية التاريخ»، أم إن الصراع ازداد حدة كما يروج منظرون يساريون في ذاك الوقت، من أمثال الأميركي ناعوم تشومسكي أو التشيكي سلافوي جيجيك، الذين يرون على أن الرأسمالية تواجه أزمة حقيقية؟ وحاليا ومع مع بروز الأزمة المالية التي عصفت بالعالم، خصوصا الولايات المتحدة وأوروبا، عاد الحديث عن الصراع الآيديولوجي من جديد.
على هذه الخلفية يمكن تسليط الضوء على توجهات زعيم المعارضة العمالية في بريطانيا، إد ميليباند، الذي يرى العديد من المعلقين السياسيين أن خطابه الذي ألقاه هذا الأسبوع في مؤتمر الحزب السنوي قد وضعه في موقع جديد في الوسط بين تلك الصراعات الآيديولوجية، محاولا كسب مكانة سياسية جديدة تخوله أن يكون منافسا جديا لتولي سدة الحكم في البلاد ويعيد حزبه إلى السلطة التي خسرها في الانتخابات العامة البرلمانية عام 2010، مما جعل وسائل إعلام ومنظرين ومحللين سياسيين يطلقون عليه لقب «رئيس الوزراء المنتظر».
لكن إد ميليباند في وضع لا يحسد عليه. الطريقة التي تم انتخابه بها زعيما بعد هزيمة حزب العمال عام 2010 في الانتخابات العامة واستقالة رئيس الوزراء السابق غوردن براون كانت مؤلمة وصعبة على مستويين؛ أولا أنه خاض المنافسة ضد شقيقه ديفيد، وزير الخارجية الأسبق، المحسوب على تيار توني بلير، وهذه المنافسة أدت إلى بروز حواجز عائلية، إن لم تكن قطيعة، مع شقيقه؛ إذ لم يصبحا يلتقيان كما كان معمول به سابقا مع والدتهما يوم الأحد من كل أسبوع، حتى لا يجلسان تحت سقف واحد، كما صرحت والدتهما.
ثانيا لقد فاز إد ميليباند في المنافسة ضد شقيقه بسبب دعم النقابات العمالية له، التي جاء صوتها حاسما وكانت تميل لصالح الشقيق الأصغر، وبهذا، وحسب المنطق، فإنه يصبح مدينا لها أخلاقيا وسياسيا. الصحافة البريطانية الشعبية المحافظة أطلقت عليه اسم «إد الأحمر» أي الشيوعي. النقابات كانت تطمح إلى أن ينحاز إد إلى جانبها في أي معركة مع الحكومة المحافظة بخصوص الزيادة في الأجور والدعم في حالة اللجوء للإضرابات. إلا أن إد حاول هذا الأسبوع في خطابه وفي مناسبات سابقة، خصوصا في مؤتمر النقابات الذي جاء بعد فترة قصيرة من انتخابه، أن يبعد نفسه عنها.
وفي أول خطاب له أمام مؤتمر الحزب بعد فوزه، أرسل إد ميليباند رسالة واضحة إلى النقابات التي دعمته والتي كانت تخطط وما زالت لسلسلة من الإضرابات العمالية ضد سياسة التقليص للحكومة الائتلافية.
وفي الوقت نفسه الذي هاجم فيه سياسة تقليص الخدمات للحكومة، طلب من النقابات أن لا تتبع سياسة «غير مسؤولة» لأن ذلك سيفاقم من المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. لقد فاجأ النقابات بموقفه، مؤكدا أنه غير مدين لها بشيء، الأمر الذي أغضب بعضها وصاح بعض النقابيين بأعلى صوتهم في القاعة خلال إلقاء خطابه متهمين إد بأن ما تفوه به هو «القمامة نفسها».
وقال بوب كرو النقابي الذي يقود نقابة عمال السكك الحديدية والمواصلات البحرية، والتي تعتبر من أكثر الاتحادات راديكالية، إن النقابات تفكر جليا في قطع علاقاتها بحزب العمال، مضيفا أن «إد ميليباند، الزعيم الجديد، فضل الذهاب إلى الحفلة الصيفية التي أقامها قطب الإعلام روبرت ميردوخ بدلا من حضور الحفلة التي أقامها عمال المناجم في منطقة ديرهام. إد ميليباند طلب من المدرسين وموظفي الجهاز الإداري مقاطعة الإضراب الذي دعت إليه النقابات قبل عام.. «عند الإضراب، إما أن تأخذ جانب العمال أو تنحاز إلى جانب أرباب العمل» قال كرو. لكن إد حاول عدم الانحياز لأي منهما.
لكن كيف سيقنع إد ميليباند جمهور الناخبين ليصل إلى سدة الحكم. لحد الآن ومنذ فوزه بقيادة الحزب والصحافة والمعلقين السياسيين ينتقدون إد ميليباند على أدائه في مجلس العموم وأنه لم يسجل أي ضربات سياسية تذكر ضد الحكومة أو خصمه زعيم حزب المحافظين رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.
لكن هذا الأسبوع حدد في خطابه، الذي دام 65 دقيقة (لم يكن مكتوبا ومن دون أي ملاحظات مدونة) سياساته للفترة المقبلة، بعيدا عن النقابات وقريبا من سياسات شد الأحزمة واضعا الحزب في خانة الوسط مع الميل قليلا إلى اليسار. وتلقى المعلقون خطابه بإيجابية وقالوا إنه يعكس «عقلانية وبراغماتية إد» ومؤهلاته القيادية ليكون «رئيس الوزراء المنتظر».
الزعيم العمالي قدم نفسه حاميا لمصالح بريطانيا وليس لطبقة اجتماعية أو تكتلات سياسية، قائلا: «لا يوجد مستقبل لحزب يدافع عن مصالح فئة اجتماعية»، أي إنه ليس مع العمال ضد الرأسماليين. وردد عبارة «أمة واحدة» 44 مرة في خطابه. التعبير جاء اقتباسا من بنيامين ديزرائيلي رئيس الوزراء المحافظ في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وفي هذا يحاول ميليباند أن يسحب البساط من تحت ديفيد كاميرون، الذي اعتاد على ترديد عبارة: «نحن جميعا في خندق واحد» ليبرر سياسة شدد الأحزمة. لكنه توقف عن استخدامها عندما أصبحت أداة سخرية للكوميديين والمتهكمين بسبب الأوضاع المزرية لملايين من العاطلين عن العمل.
وحدد ميليباند بالضبط أين يقف، وقال إن بريطانيا كانت متحدة في الحرب وفي السلام، أي إنها كسبت الحرب العالمية الثانية وكانت متحدة بصفتها أمة وكذلك ازدهرت بصفتها أمة واحدة في أيام السلم. «في كل مرة واجهت بريطانيا التحديات انتصرت بصفتها أمة واحدة. وهذا ما ينساه السياسيون. الآن نواجه هذا التحدي (الاقتصادي)، ولهذا نحتاج إلى أن نتوحد من أجل هذه المهمة». إلى أنه أضاف: «لن أقبل اقتصادا يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. بالنسبة لمعتقداتي - لا أعني هنا معتقداتي الدينية- فإن عدم المساواة قضية مركزية ومهمة.. في مجتمع متحد تقع المسؤولية على الجميع وتصل إلى قمة الهرم.. أغنى الأغنياء في المجتمع عليهم مسؤولية كبيرة تجاه الضعفاء والفقراء». ميليباند اتهم ديفيد كاميرون بتقسيم البلاد إلى «شمال وجنوب وقطاع خاص وقطاع عام، وبين من هم منخرطون في وظائف والعاطلين عن العمل».
ووجد ميليباند ضالته في الزوبعة التي سببها أحد وزراء كاميرون الذي هاجم أحد رجال الشرطة أخيرا. وقال ميليباند مخاطبا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون: «كيف يمكنك أن تقود البلاد وأحد وزرائك يوجه الإهانات للشرطة ويقول لهم إنكم مجرد أفراد من عامة الشعب»، وهذا يعني أن حكام البلاد المحافظين ينتمون إلى الطبقات العليا ولا ينتمون لعامة الشعب. وقال إن سياسات الحكومة لم تقدم أي حلولا للمشكلات الاقتصادية المستعصية، ولهذا «إذا لم يؤد الدواء مفعوله، فعلينا ليس فقط تغيير الدواء وإنما الطبيب أيضا».
حاول ميليباند إبعاد حزب العمال تحت قيادته عن تيار توني بلير، الذي ما زال متنفذا في الحزب من خلال العديد من أعضاء حكومة الظل.. «ليس هناك أي مجال للرجوع إلى أيام حزب العمال الجديد»، قال ميليباند بوضوح، واضعا حدا لجناح بلير في الحزب، الذي يعتبر شقيقه ديفيد من أكثر المتحمسين له.
إد ميليباند، 42 عاما، أصبح أصغر زعيم للحزب منذ تأسيسه قبل أكثر من قرن من الزمان. كما أن منافسه على زعامة الحزب شقيقه الأكبر ديفيد، الذي عمل وزيرا للخارجية وكان الأصغر في هذه الوظيفة في تاريخ بريطانيا بعد ديفيد أوين، وزير خارجية حكومة جيم كلاهان العمالية في سبعينات القرن الماضي.
يعترف كل منهما بتركة والدهما السياسية وتأثيره عليهما، أي على أهمية العمل السياسي، وأن الأفكار أساسية في آلية التغيير من أجل العدالة الاجتماعية. وعندما سئل إد خلال المنافسة على زعامة الحزب حول تأثير والده رالف ميليباند على قراره في دخول المنافسة على زعامة الحزب، جاء رده قائلا: «إنني قررت ذلك بسببه، ولكنني لم أقم بذلك من أجله»، مؤكدا أن والده وجهه إلى الانخراط في العمل السياسي، لكنه لم يستق أفكاره منه.
الراحل رالف ميليباند، الأكاديمي الماركسي كان واحدا من أهم منظري اليسار في القرن العشرين في أوروبا الغربية. لكن، على الرغم من ذلك، فإنه لم يحاول أي منهما أن يحمل الشعلة الماركسية من والدهما. طبعا هذا من المتطلبات الأساسية في الحياة السياسية في بريطانيا لأحزاب المؤسسة الحاكمة خصوصا عندما يكون عليك أن تقود واحدا من أهم الأحزاب العمالية في أوروبا الغربية. أن تكون ماركسيا وقائدا سياسيا يعني أنك ضد المؤسسة الحاكمة بكل أطيافها السياسية، بما في ذلك حزب العمال، الذي يعمل على حمايتها وحماية النظام الحاكم وليس قلبه.
والدهما الذي قدم إلى بريطانيا مع والده من بلجيكا لاجئا سياسيا هربا من النازية بعد احتلالها عام 1940 درس العلوم السياسية في معهد لندن للعلوم السياسية والاقتصادية بجامعة لندن، وأصبح محاضرا فيها وفي أعلى وأهم المؤسسات الأكاديمية في بريطانيا والولايات المتحدة.
رالف الأب انتمى لفترة وجيزة لحزب العمال وحضر بعض مؤتمراته السنوية، لكنه وصل إلى قناعاته بعد فترة قصيرة بأن هذا الحزب هو حزب المؤسسة الحاكمة، وليس حزبا اشتراكيا، ولن يعمل لصالح الطبقة العاملة. لكن ابنيه أصبحا وزيرين في الحكومة العمالية السابقة في الوقت نفسه، ديفيد وزيرا للخارجية وإد وزيرا للبيئة، وهذا لم يحدث منذ 1938 في بريطانيا، أي أن يجلس شقيقان على الطاولة نفسها في اجتماعات الحكومة.
الخلافات بين معتقدات الأب وأبنائه أصبحت مادة دسمة في أوساط المثقفين اليساريين. وأصبحت النكتة المتداولة بأن «رالف ميليباند آمن بأن حزب العمال ليس اشتراكيا ولن يعمل أي شيء لصالح الطبقة العاملة، والآن جاء دور أبنائه ليثبتا صحة نظريته».
ووالدتهما ماريون ميليباند، هي الأخرى مهاجرة يهودية من بولندا، وعملت هي الأخرى في الحقل الأكاديمي وشاطرت زوجها الكثير من الأفكار السياسية والماركسية وما زالت ناشطة اشتراكية وفي منظمات سياسية يهودية متضامنة من حقوق الشعب الفلسطيني، خصوصا في منظمة «يهود من أجل العدالة للفلسطينيين». ويقال إن إد هو الأقرب إلى والدته من شقيقيه ديفيد. وحاول في مناسبات عدة أن يتكلم عن الوضع في الشرق بتعاطف واضح مع الحقوق الفلسطينية، كما أنه حضر اجتماعات تضامنية داخل البرلمان نظمها «أصدقاء فلسطين في حزب العمال»، ويقال إن هذا هو بسبب تأثير والدته عليه، كما أنه يحاول دائما أن يبعد نفسه عن قرار الحرب في العراق. بدأ مشوار إد السياسي منذ أيام الدراسة في مدرسته في شمال لندن، والتي درس فيها العديد من زملائه في الحزب وفي البرلمان إضافة إلى العديد من المشاهير في الحياة الثقافية والأكاديمية. على الرغم من أن المدرسة حكومية، فإنها استقطبت العديد من أبناء النخبة اليسارية الأثرياء ممن يقطنون في المناطق الفاخرة في شمال لندن.
وفي خطابه أمس، حاول التركيز على هذا الجانب من خلفيته المدرسية ليميز نفسه عن زعيم حزب المحافظين وأعضاء الحكومة الذين درس معظمهم في مدارس خاصة مثل كلية إيتون الشهيرة.
الكاتبان مهدي حسن وجيمس ماكنتاير في كتابهما «إد: الأخوان ميليباند وزعامة حزب العمال» يقولان إن إد يحمل معه برنامجا سياسيا مختلفا عن شقيقه ديفيد، إلا أن صفحات الكتاب تبين مدى المنافسة «الأخوية» التي تطغى في معظم الأحيان على زعامة الحزب. إد خاض الكثير من المعارك، كما يبين الكتاب، التي أكسبته الحنكة السياسية وصقلته في مشواره السياسي منذ الأيام الجامعية، والتي كلفته الكثير على الصعيد الأكاديمي، إذ لم يحالفه النجاح، مثلما حالف شقيقيه، الذي تخرج في موضوعه (سياسة وفلسفة واقتصاد) من الكلية نفسها في جامعة أكسفورد بامتياز، لانشغاله في بعض النشاطات والحملات الطلابية التي أبعدته ولو قليلا عن تحصيله الأكاديمي كما كان متوقعا، وكانت النتيجة أنه تخرج بتقدير جيد جدا.
لكن إد تتبع خطوات شقيقه بحذافيرها: المدرسة في شمال لندن وجامعة أكسفورد وكلية كوربوس كريستي ودراسة السياسة والفلسفة والاقتصاد وحتى انخراطه في بعض النوادي السياسية في الجامعة ثم الالتحاق بجامعة هارفارد للدراسة ومن ثم التدريس فيها ودخول البرلمان البريطاني ومن ثم الوزارة. لكن أوجه الشبه وصلت إلى نهاية المطاف، ولم يكن طريق آخر غير خوض المنافسة وجها لوجه على زعامة الحزب.
ويقول مهدي حسن وجيمس ماكنتاير إن إد ميليباند زعيم أعاد للحزب مكانته وتوجهاته السابقة التي كان عليها قبل أن يسيطر عليه تيار توني بلير، الذي اختار الطريق الثالث في السياسة البريطانية، والتي أصبحت معروفة باسم مشروع «حزب العمال الجديد» تحت قيادته إلى أن تمكنت من الفوز بثلاث انتخابات عامة متتالية، وهذا لم يحصل في تاريخ الحزب.
وتمثلت هذه السياسة في الانحياز إلى سياسة السوق المفتوحة مع تقليص دور الدولة والقطاع العام وكذلك دور النقابات العمالية في الحياة السياسية، إضافة إلى سياسة دفاعية قائمة على التدخلات الخارجية وعلاقة أقوى مع واشنطن، كان من نتائجها الحرب في أفغانستان والعراق، وسياسة أكثر انحيازا إلى جانب إسرائيل.
المنافسة على زعامة الحزب، بين الشقيقين، تركزت على هذه النقاط، أو هكذا حاول إد ميليباند أن يصور الخلافات بينه وبين شقيقه ديفيد، الذي كان مصمما على الاستمرار في مشروع توني بلير لو حالفه الحظ بالفوز بالزعامة، ويقال إن هذا كان السبب وراء خسارته أمام شقيقه.
منذ أن أعلن إد دخوله المنافسة حاول أن يلخص ما يؤمن به من سياسات، وكان صريحا في هجومه على «حزب العمال الجديد»، أي بمعنى آخر هجومه على شقيقه ديفيد، الذي كان وحتى اللحظات الأخيرة من إعلان النتيجة مقتنعا بأنه الأحق والأوفر حظا في قيادة الحزب. لكن على الرغم من ذلك، فإنه فشل، كما يعتقد العديد من المعلقين، خلال الفترة السابقة من قيادته للحزب في تقديم سياسات تمييز قيادته وتشكل رؤيته للحكم في المستقبل. وما زال منتقدوه من تيار شقيقه يشكون في قدراته السياسية، وأن منافسته شقيقه ديفيد كانت مجرد منافسة تقليدية بين أشقاء وأنها خالية من أي مضمون.
ومن هنا جاء أيضا تعليق أحد أصدقاء إد وحلفائه السياسيين، دوغلاس أليكساندر، أحد الوجوه الصاعدة في حزب العمال الذي يقوم حاليا بوظيفة وزير خارجية الظل. أليكساندر دعم ديفيد في المنافسة ضد صديقه إد لاعتقاده بأنه من الخطأ جدا أن ينافس الشقيق الأصغر شقيقه على زعامة الحزب، كما أنه يعتقد أن الدافع وراء قرار إد للفوز بزعامة الحزب هو إثبات نفسه أمام شقيقه، «وإذا كانت الغيرة الأخوية هي الدافع وراء قراره، فهذا يعني أنه تمت التضحية بالحزب لإشباع غرائز إد، ولهذا فإن الحزب سيدفع الثمن غاليا في المستقبل».
لقد تبين بعد إعلان النتيجة أن شقيقه ديفيد حصل على أعلى نسبة أصوات من عدد أعضاء الحزب في مجلس العموم وكذلك عضوية الحزب بشكل عام، ولولا دعم النقابات لإد لما فاز بزعامة الحزب، ولهذا سيبقى، كما يعتقد كثير من المحللين، أسير سياسات النقابات العمالية والتي ينظر إليها على أنها غير «مسؤولة وغير واقعية» في مطالبها خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية والإضرابات التي تعصف بالعديد من المجتمعات الأوروبية نتيجة سياسات التقشف والتقليص لخدمات الدولة. وفي هذا الأسبوع، وفي خطابه، أوضح إد موقفه من هذه القضية ووقف موقفا ثابتا في وجه النقابات التي تقف ضد تقليص النفقات، وتطالب بزيادة الأجور، وتدعو إلى الإضرابات التي يقف إد ضدها.
ويقول حسن وماكنتاير إن إد قادر على أن يشد إليه التيارات السياسية المختلفة داخل الحزب ويبعد نفسه عن النقابات التي أوصلته إلى القيادة. كما أنه قادر على أن يتصرف باستقلالية وبعيدا عن سياسة «الولاء» والعشائرية تجاه حلفائه السياسيين.
ما زال الطريق طويلا أمام إد ليثبت أن قيمه السياسية تختلف عن قيم شقيقه ديفيد، إلا إذا قرر الأخير أن ينافس شقيقه مرة أخرى قبل نهاية الفترة البرلمانية الحالية، أي قبل أن يتمكن إد من خوض الانتخابات العامة المقبلة وهو على رأس الحزب، وهذا ما زال ممكنا من الناحية النظرية.
المصدر/ الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.