هم يعتقدون أن الحياة كما القصص الشعبية لابد لها أن تنتهى بجملة: «وعاشوا فى تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات».. وكأنها وصفة سحرية بمقادير مظبوطة لابد أن تتوافر كى يمنحونا لقب «سعداء». هم يعتقدون أنك لن تكون سعيدا «متهنى البال» فى الحياة مادمت عازبا وليس لديك زوجة وأطفال «صبيان وبنات».. النوع الواحد لا يحقق السعادة، ربما تكون «عايش وخلاص» إذا ما نقص لديك أحد هذه المكونات، أما فى حال كونكِ «بنت» ونقص «لا سمح الله» واحد من هذه المكونات فأنت بالتالى «مش عايشة خالص»، وتستحقين الرثاء.
تقول بشحتفة تظهر مدى تعاطفها مع مأساتى: «والله بصحى أصلى الفجر حاضر وأدعيلك ربنا يديكى انتى بالذات مش بتروحى من على بالى خالص».
فاجأتنى الفكرة، لم أعتقد أنى أخطر على بال أحد فى هذه الساعة من الليل سوى أمى «ربنا يديها طولة العمر»، ماكنش ينفع أرد، فالسؤال الوحيد الذى كان على بالى لحظتها: «هو أنا ليه بخطر على بالك أصلا؟!».
الحقيقة مش هى بس، كل الناس شاغلة نفسها بتأخرى فى الإنجاب، حتى من أقابلهم لأول مرة، بمجرد أن أقول: «لا لسه ماعنديش أولاد»، تظهر علامات التعاطف على وجوههم وأسمع نفس الجملة بنفس نبرة الصعبانية: «ربنا يرزقك قريب إن شاء الله».
المشكلة مش اهتمام الناس لا أحد يكره تلقى الاهتمام لكن المشكلة إن ما فيش عندى مشكلة، المشكلة فى اعتقاد الناس أن تأخر الإنجاب مشكلة تستحق المواساة والتعاطف، وأنهم لو لم يفعلوا ذلك سيكون تقصيرا، لهذا يتطوعون دائما لتقديم حلول تبدو فى كثير من الأحيان مضحكة سواء النصيحة العامة التى أسمعها دائما: «شدى حيلك»، أو ترشيح أسماء أطباء تخصص نساء وتوليد (تقريبا عرفت كل أسماء دكاترة الناس اللى فى مصر من كتر ما سمعت ترشيحات لدكاترة إيديهم فيها البركة وزيارة واحدة ليهم كفيلة بحل مشكلتى)، أو حتى نصايح تدخل تحت بند الأساطير الشعبية، سلفتى عرضت تاخدنى زيارة للشيخ أبوسلاّم لأن سره باتع ومافيش واحدة راحتله إلا وربنا راضاها، وصديقتى بناء على توجيهات والدتها طلبت منى أمشى فى غيط بتنجان، أو أدخل فجأة على عنبر الولادة فى مستشفى، ولو قلبى تقيل شوية مافيش مانع آخد جولة ليلية فى المقابر «لوحدى»، أما خالتى فنصحتنى أعدى «الحدود بين الأراضى الزراعية» عشان ربنا يسهلى.
جزء منى يكون مستمتعا لمثل هذه التجارب التى قد أجرب بعضها كنوع من المغامرة، ربما يكون فضول الكاتبة، لكن الجزء الأكبر يشعر بثقل الضغط الذى يمارسه الآخرون على حياتى الشخصية.
يعتقد من أحدثه عن فكرة أن الأمر لا يشغلنى لهذا الحد، أنى أفعل ما هو مطلوب منى دون بلوغ حد الهوس بالأمر، بأن كلامى مجرد حيلة نفسية للتخلص من الضغط النفسى الذى يحدثه تأخرى فى الحمل، أو ربما محاولة للتمرد على المجتمع لن تورثنى سوى الندم بعد فوات الأوان فى الحالتين لا أجد مفرا للهروب من نظرة التعاطف التى تحصرنى فى خانة «عاجزة عن تحقيق السعادة».
السعادة التى يعرفها المجتمع وفق رؤية ضيقة، تجعل الأمر يبدو وكأنه قطار يقف فى محطات لإعادة التزود بالوقود، وإذا ما تركك القطار فى إحداها فلن تتمكن من الوصول مطلقا.