أنا عندي 24 سنة، من وأنا صغيرة لقيت نفسي في بيت عيلة، وكل اللي فيه صبيان، وأنا البنت الوحيدة، ولاد عمي أربع صبيان؛ اتنين منهم كانوا بيلعبوا في جسمي؛ باختصار بيمارسوا الجنس معايا، وأنا كنت صغيرة في ابتدائي ما كنتش فاهمة إيه ده، وما كنتش أعرف -والله العظيم- إيه هو الصح وإيه هو الغلط، وهم كانوا كبار أوي. بعدها سيبنا البيت ده واتنقلنا لمكان بعيد عنهم، وبعيد عن البلد أصلاً، وحصلت مشاكل بين بابا وعمي، وبِعِدنا عن بعض لسنين.
ولما ابتديت اكبر وافهم وافتكر؛ حسيت إني عملت مصيبة كبيرة أوي وربنا مش هيسامحني عليها طول ما أنا عايشة.. وحاجة جوايا كانت مخلّياني متعمدة أبقى مهملة في نفسي علشان ما فيش ولد يبص لي خالص، وكبرت على كده؛ حتى لما دخلت الجامعة فِضِلت كده؛ حتى لما كان أي حد من زمايلي يحاول بس أو أحس إنه عايز يتقرب مني؛ كنت بابعد عنه فوراً وانساه.
وفضل جوايا الإحساس بالذنب ده، ورجع بابا وعمي لبعض واتصالحوا؛ بس كان ولاد عمي الاتنين دول اتجوزوا، وجه أخوهم التالت (أكبر مني بسنة) كان عايز يخطبني، وأنا طبعاً رفضت بشدة، واتنرفزت على كل اللي حواليا.. ونفس النظام لما أي حد يتقدم لي دلوقتي؛ أبقى عادي، ولما احس إن الموضوع ممكن يدخل في الجد، ألاقي نفسي باخترع أي حاجة أزعل منها واتنرفز على كل اللي حواليا، وبابا طبعاً مش بيستحمل عليّ أي حاجة لأني مش بخبي حاجة عنه، واتبنت بينّا ثقة جامدة جداً.. وكمان كل أصحابي واللي حواليا بيحبوني وما بيستحملوش يشوفوني زعلانة.
المهم جت عليّ فترة اكتئاب فظيع، وكنت باتعالج عند دكاترة عادية مش نفسية، كنت باتعالج بأدوية.. ووصلت بيّ الحكاية إني كنت بافكّر أعمل أي حاجة غلط علشان ربنا يغضب عليّ وياخدني وأموت؛ بس عمري ما فكرت ولا خطر على بالي الانتحار.
المهم برده، كان فيه حاجة غلط تانية إني كنت بامارس العادة السرية لفترة كبيرة؛ بس الحمد لله دلوقتي قدرت إني أبعد عنها وأنساها خالص.
كل اللي حواليا من أصحابي وأهلي اتجوزوا، وبقت ليهم حياتهم.. ولما ابتدت الحياة تفضى عليّ، بقى نفسي أعيش زيهم كده؛ أهتم بحد وحد يهتمّ بيّ، واعيش اللي كل بنت بتعيشه.. وابتديت -إلى حد ما- أحاول أهتم بنفسي، وابقى بنّوتة كده.
ونفسي في نصايح تانية علشان بجد أعيش عمري اللي جاي مرتاحة وانسى اللي فات؛ حتى لو ما اتجوزتش مش مهم؛ بس ارتاح واريّح مخي وضميري دول شوية.
newlife
عزيزتي.. أهنئك على جهادك لنفسك وللمؤثرات الماضية في حياتك، واستماتتك في دفع نفسك نحو دائرة التوازن النفسي بعد كل ما حدث. وما دمتِ كذلك؛ فما تبقى من الأمر أسهل بإذن الله.
نعم يا صديقتي، أنتِ قادرة على أن تعيشي حياة سعيدة ومرتاحة كما ذكرتِ، وأعجبني منكِ قولك "حتى لو ما اتجوزتش مش مهم؛ بس ارتاح واريّح مخي وضميري دول شوية"، أتدرين لماذا؟ لأنكِ لم تُعلّقي سعادتك على انتظار شيء ليس في يدكِ ولا في علمك، وهذه أولى خطوات السعادة يا عزيزتي.. ألا ينتظر المرء "شيئاً" ولا "أحداً" ولا "حدثاً" حتى يمنحه السعادة؛ فالمرء هو وحده القادر على سلوك طريق السعادة، وكما تقول العبارة الشهيرة في برامج التنمية الذاتية "السعادة قرارك الشخصي"؛ بمعنى أنه بإمكان الإنسان أن يختار طريق السعادة ويسلكه مهما كانت المؤثرات حوله أو خلفه.
أما عن "كيف ذلك؟"؛ فهو بتصحيح منظورنا الذي نقيس به حياتنا، والمؤثرات فيها، وأشخاصها، وأحداثها؛ فنأخذ من هذا كله أطيب ما فيه، ولن أقول لكِ اعملي بمقولة "النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس"، فهذا غير واقعي؛ وإنما انظري إلى الكأس كلها، وكوني على وعي بأن نصفها أو جزءاً منها فارغ، ولكن اعلمي أن لديكِ جزءاً آخر ممتلئاً، وبإمكانك وحدكِ أن تزيديه حتى تصبح كأسك ملآنة إلى الحد الذي تحبين!
عزيزتي، أرى -فيما ذكرتِ عن حياتك- أنكِ مُحاطة بأناس يحبونك ويثقون فيكِ، ولا يطيقون ضيقك ولا "زعلك". وهذه نعمة كبيرة من الله، أوْلى بكِ أن تملئي بها كأسك حتى الثمالة، وتصوّري لو كنتِ -إلى جانب كل ما مررتِ به- لم تجدي حولك هؤلاء المُحبين الذين يوفّرون لكِ دعماً كبيراً كُنتِ -ولا تزالين- في حاجة إليه؛ فقدّري جيداً هذه الميزة، وتمسّكي بهؤلاء الذين يهمّهم أمرك، واحتمي بهم من مشاعرك السلبية، التي أظنكِ قد تخفّفتِ إلى حد كبير منها بالفعل بوجودهم في حياتك.
حبيبتي، هذه أولى النعم. أما الثانية فهي والدكِ، هذا الإنسان الرائع الذي يوليك ثقة كبيرة على حد قولك؛ فضلا عن حبه الكبير لكِ، والذي -لا ريب- يوفر لكِ دعماً نفسيا لا يُعوَّض.. احمدي الله أن أعطاكِ مثل هذا الأب الحنون، تمرّغي في حنانه، وأغدقي عليه من بِرّك ما يجعلكِ تسعدين، ويجعله يرضى عنكِ أبد الدهر؛ فتُظلكِ بركات رضاه طوال حياتك، حتى بعد أن يفارقكِ بعد حياة طويلة بإذن الله.
أما النعمة الثالثة؛ فهي تجاوزكِ فترة الاكتئاب والعلاج، وصحوتكِ لأمر نفسك، وأهم ما في ذلك، رغبتك الحقيقية في حياة سعيدة مستقرة، متعافية من آثار الماضي، وهذا حق نفسك عليكِ، وستبلغين هذه المرحلة بسرعة وبساطة بإذن الله.. أتدرين لماذا؟ لأنكِ بالفعل وضعتِ قدمكِ على أولى خطوات هذا الدرب، ومن سار على الدرب وصل يا صديقتي.
السعادة يا صديقتي هي معادلة تتكون من التالي: الاطمئنان بالصلة بالله عز وجل + الأنس بوصل وحب المخلصين من حول الإنسان + شعور المرء بقيمته من خلال أدواره التي يمارسها في الحياة.
إذا اجتمعت للإنسان هذه الأمور الثلاثة؛ فلن يعوقه سواها عن الوصول إلى السعادة بإذن الله.
واصلي رحلتكِ في طريق السعادة والتوازن النفسي.. اعمَلي إن كنت لا تعملين بعد؛ فالعمل يصقل الإنسان من جوانب كثيرة، ويضيف إليه الكثير على الصعيد النفسي والعملي.. ستشعرين أن لكِ قيمة مستمدّة من الدور الذي تقومين به، وقديماً أُثر عن عمر بن الخطاب قوله: "قيمة كل امرئٍ ما يُحْسِنُه"؛ أي أن قيمة الإنسان تزيد بزيادة الأمور التي يُحسن أداءها في الحياة؛ مثلاً: إذا طبقنا هذا على حياتك؛ عندما تكونين: ابنة بارّة بوالدك + أختاً معينة لإخوانك وقدوة لهم بحسن سلوكك + صديقة نافعة لأصدقائك ومُحبة لهم +....
وبإمكانك زيادة ما تستطيعين من أدوار؛ بإمكانك مثلاً الانضمام لأحد الجهات التي تقوم بأعمال خيرية تطوّعية، بإمكانك تنمية نفسك بتعميق دراستك للغة الإنجليزية مثلاً، أو أي دراسة تختارينها وتناسب ميولك وتفيدك؛ بإمكانك ارتياد محاضرات التنمية الذاتية، وهي متوافرة الآن في أماكن كثيرة، وبأسعار في متناول الجميع.. القائمة طويلة يا صديقتي؛ فأضيفي إلى نفسك ما شئتِ.
وثّقي صلتكِ بالله تعالى، حافظي على صلواتك في أوقاتها، وأكثري من الدعاء وأنتِ بين يدي الله؛ فليس شيء يبعث على الاطمئنان ويصلنا بالسعادة مثل يقيننا بوجود الله معنا في كل وقت وكل مكان، وبأنه سبحانه الوحيد هو القادر على سماعنا في أي وقت، وإجابة ما نطلبه منه تعالى إذا ما أخلصنا اليقين بذلك.
إذا فعلتِ كل ذلك يا صديقتي، أو حتى نصفه، مع عزمكِ الذي أراه في سطورك على تغيير حياتك والدفع بها إلى السعادة؛ فستصلين أسرع مما تتوقّعين، ولن يبقى من أثر هذا الماضي البعيد شيء يؤثّر فيكِ.. صدقيني، أعلم أنكِ تستطيعين هذا بعون الله. ووافينا بأخبارك حتى نطمئن عليك.