فى وكالة الغورى، يمكنك أن ترى مصر أخرى، قديمة وجميلة.. ومحملة برائحة الذكريات والشموخ.. كل ذلك قد تراه فى المبانى، أو المساجد، وغيرها من الآثار الإسلامية المصرية القديمة.. لكنك أيضا ستجد «الحاج إبراهيم» ومحله العتيق، لتفاجأ بأنه محل «طرابيش».. نعم محل طرابيش فى القرن الحادى والعشرين.. وهو بالفعل آخر مكان لتصنيع الطربوش المصرى فى الوطن العربى كله. المحل ليس مجرد مكان لتصنيع بضاعة انقرضت، ولكنه يعد متحفا صغيرا حقيقيا.. فبمجرد دخولك ستشاهد بداخله عددا كبيرا من النماذج الخاصة لطرابيش الأمراء والملوك.. ونماذج أخرى أقل فخامة لطلبة المدارس والعاملين، مازال المحل يحتفظ بها بفخر حتى الآن. بالرغم من انتهاء زمن لبس الطرابيش.. مع انتهاء عصر «الباشوات بتوع زمان»، إلا أن «الحاج إبراهيم» مازال مصرّا على مواصلة مهنة أجداده.. ويقول: «نحن أصحاب هذا المحل أبا عن جد.. كنا نأتى ونحن أطفال صغار لجدنا الأكبر لنزوره.. وكان يعلمنا كيف نصنع الطربوش بمراحله المختلفة، وأصبحت هذه المهنة متوارثة عبر الأجيال». ويشير «الحاج إبراهيم» إلى أن أسرته آخر أسرة تقوم بتصنيع الطربوش فى العالم العربى، مضيفا أن حرفة تصنيع الطربوش المصرى يعود تاريخها إلى عصر رائد الدولة الحديثة محمد على باشا، الذى أمر بإنشاء أول مصنع لتصنيع الطربوش فى مصر، ثم من بعده السلطان حسين، الذى حرص على إنشاء مصنع «القرش» الشهير الذى أنشئ من تبرعات جميع المصريين بقرش واحد على طريقة الاكتتاب العام، لأن الشعب وقتها كان مدركا لأهمية الطربوش، حتى تحول اسم الشارع الذى بنى فيه مصنع القرش إلى «شارع مصنع الطرابيش».. ومن هنا دخل الطربوش فى الزى المدرسى للطلبة والعمال والموظفين، لأنه كان يعد هيبة للرجل فى مصر. المواد الأساسية التى كانت تستخدم فى صناعة الطربوش هى مادة الخوص المستخلصة من النخل.. وكما يوضح «عم إبراهيم»: يشكل الخوص على هيئة الطربوش، ثم يتم تغليفه بمادة الصوف، ويتم وضع عدد من الخيوط السوداء على الطربوش من الجنب. ويضيف صاحب آخر محل لتصنيع الطربوش المصرى، أن هناك مراحل كثيرة لتصنيع الطربوش.. فى البداية يكون على الماكينات، ثم على اليد، وقال إن الطربوش لا يكون أحمر فقط كما يظن الناس، بل هناك الأزرق والأخضر، لعدد من الفئات المصرية المختلفة قديما. يذكر أنه قد صدر قرار عام 1962 بمنع ارتداء الطربوش فى المدارس أو فى الجامعات وللموظفين والعاملين فى الشرطة أو المصالح الحكومية، ومن هنا انقرضت المهنة، إلا أن محل «عم إبراهيم» هو الوحيد الذى صمد فى مواجهة الانقراض وبقى على رونقه القديم. ويقول ختاما: مازال طلاب جامعة الأزهر يرتدون العمامة التى تشبه الطربوش، وهناك مؤسسات حكومية أخرى تطلبه ولكن بنسبة قليلة.