أجرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" حوارا موسعا مع عدد من خبراء الإعلام الدوليين للخروج بحلول عاجلة لإنقاذ سمعتها ومصداقيتها المهددة بالضياع بسبب الاستقالات الجماعية لكوادرها وكبار مسئوليها على خلفية تداعيات فضيحة الراحل جيمى سافيل الإعلامي السابق. واعترفت "بي بي سي" أنها تتعرض لأزمات قاسية تكاد تفتك وتدمر غطاء المصداقية الذي يزين صرحها الإعلامي الكبير الرشيد بعد أن ظلت لعقود طويلة تحافظ عليه وتحرص على عدم إختراقه..إلا أنها تقاوم منذ أسابيع ويلات جحيم اتهامات لسياسي بريطاني سابق في أحد برامجها الشهيرة. وبثت هيئة الإذاعة البريطانية تقريرا تفصيليا حول أزمتها صباح اليوم "الثلاثاء".. وقالت "إنها استطاعت لعقود طويلة بناء رصيد كبير من الثقة مع جمهورها الذي يمتد في كافة أقطار الأرض.. لكنها تواجه منذ أسابيع أزمة ساحقة هزت هذا الرصيد بطريقة غير مسبوقة". وأضافت "إن آخر تلك الأزمات الصعبة بث تقرير في برنامج "نيوز نايت" الشهير تضمن اتهامات (غير صحيحة) لسياسي بريطاني سابق بالتورط في ارتكاب اعتداءات جنسية على أطفال، واتهامات بالتحرش الجنسي الموجهة للمذيع الشهير الراحل جيمي سافيل". وتابعت " إنها أزمات للأسف تسببت فى استقالة مدير عام الهيئة جورج انتويسل، أعقبها (تنحي) مديرة الأخبار في الهيئة هيلين بودين ونائبها ستيف ميتشيل ، عن منصبهما (مؤقتا) لحين انتهاء التحقيقات في الاتهامات بالتحرش الجنسي في فضيحة سافيل. وقالت" إن اللافت للانتباه هو الاهتمام الكبير الذي تعاطى به الإعلام العربي بصفة خاصة والدولي بصفة عامة مع هذه القضية". من جانبه قال خبير الإعلام الدولي والباحث في جامعة أوكسفورد (أقدم جامعة في العالم الغربي) ليزلي ماكلولكن " إنه من الواضح وبما لا يدع مجالا للشك أن هيئة الإذاعة البريطانية فقدت جانبا لا يستهان به من مصداقيتها لدى الجمهور ولكن باعتقادي أنها لم ثؤثر بشدة على سمعتها". وأضاف ماكلولكن (في مقابلة خاصة مع "بي بي سي") إن الفضائح الأخيرة لديكم فريدة من نوعها ومن ثم أدت إلى تقليل ثقة المشاهدين في "بي بي سي" ولكن يبدو مؤقتا في اعتقادي وأصبح من الواضح أن مؤسستكم تبدي إصرارا حميدا على تطهيرها من الداخل. وتابع " بالطبع ما حدث (مشين وبشع).. ورغم ذلك أعتقد أن سمعة هيئة الإذاعة البريطانية لن تهتز أمام شعوب الأقطار العربية حتى في سوريا، طالما أن المؤسسة تسعي لتطهير نفسها بنفسها دون وصاية من أحد أو لأحد". وقال خبير الإعلام الدولي والباحث في جامعة أوكسفورد ليزلي ماكلولكن "إن تجاهل العالم العربي لمعايير الإعلام المهنية يرجع لأسباب عدة يتصدرها قطعا تدني مستوى الثقافة ، كما أن إغفال المسئولية الكبرى المتعلقة بذات الشأن أما مجتمعاتهم تعد واحدة من أهم تراجع وترهل الأداء المهني بكافة مستوياته في المؤسسات الإعلامية العربية". وأضاف ماكلولكن " لذلك يحزننا أن مؤسسة عمرها تسعين عاما كهيئة الإذاعة البريطانية الواعية برسالتها الموجهة إلى أمة بأسرها أن تتورط في شكل من أشكال الانحراف المهني". وفي سياق متصل، قال الخبير الإعلامي والاستاذ بجامعة القاهرة صفوت العالم " مما لا شك فيه أن بعض وسائل الإعلام يتعاظم لديها المساس بسمعة الأشخاص وبعض قادة الرأي من الإعلاميين وتتوارى وتتورط سمعة المؤسسة الإعلامية في هذا السياق وبالتالي يضيع حق المشاهد والقارىء في تناول إعلام دقيق. وأردف العالم قائلا:" وبالتالي وجب مراعاة حقوق الجمهور في الحصول على المعلومات الصحيحة وفقا للمعايير المهنية واحترام الخصوصية للحفاظ على سمعة المؤسسات الإعلامية العريقة خاصة عندما تكون في حجم "بي بي سي". وتابع " إن اتخاذ كبار المسئولين قرارات تقديم استقالتهم يحفظ (ماء الوجه) وأيضا محاولة لإرساء التقنيين الذاتي للممارسة المهنية داخل مؤسسة تراقب وتشاهد وتتابع وتقيم الأداء الإعلامي.. ومن ثم وجب على "بي بي سي" الاعتراف الذاتي بالخطأ ولا حرج في ذلك". وقال العالم " للأسف وسائل الإعلام العربي تفتقد بشدة وتفتقر لعمليات التقنيين الذاتي للممارسة المهنية والدليل على ذلك عشرات الملاحظات التي رصدتها بنفسي وقت رئاستي للجنة مراقبة الأداء الإعلامي في الانتخابات التي جرت في مصر مؤخرا". وأردف قائلا" للأسف لا يتحرك أي من وسائل الإعلام بالوطن العربي لمعالجة مواطن التقصير ، وقد أصبحت في حاجة ماسة لإنقاذها من وهن الانحراف عن المعايير المهنية ولذلك اكتظت المحاكم بالقضايا وتهاون نقابة الصحفيين في مصر يضرب بها المثل في عمليات التهاون مع المخطئين". يأتي اعتراف هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بأخطائها المهنية وعقد لقاءات موسعة مع الخبراء الإعلاميين الدوليين بعد يومين من استقالة مدير عام الهيئة جورج انتويسل على خلفية بث تقرير في برنامج "نيوز نايت" تضمن اتهامات لسياسي بريطاني سابق بارتكاب اعتداءات جنسية على أطفال. كما جاء عقب تعرض "بي بي سي" لسلسلة جديدة من الانتقادات من أعضاء البرلمان البريطاني عقب إعلانها حصول "انتويسل" على مبلغ مالي يعادل مرتب عام وقدره 450 ألف جنيه استرليني كجزء من الاتفاق على الاستقالة من منصبه. وقال رئيس مجلس الأمناء فى (بي بي سي) لورد باتين "إن الهيئة تحتاج إلى إصلاح جذري وشامل".. موضحا أن المشاورات حول عملية اختيار مدير عام جديد لهيئة الإذاعة البريطانية ستبدأ يوم "الأحد" القادم. واعترف مدير عام هيئة الإذاعة البريطانية (المستقيل) جورج انتويسل، بأن التقرير الذي بثته "بي بي سي" والذي اتهم بشكل (خاطئ) اللورد المحافظ السابق (ماك ألباين) بالتورط في ارتكاب اعتداءات جنسية على أطفال "كان يجب ألا يبث".