ترى كيف ومتى يتحول المدمن من مرحلة التجربة إلى مرحلة الإدمان؟ فى الحقيقة، إن خطورة الإدمان بشكل عام مرتبطة ارتباطا وثيقا بعدة عوامل منها: أولا: نسبة تكرار الاستخدام للمادة المسببة للإدمان.
ثانيا: الجرعة التى يتم تعاطيها فى كل مرة من مرات التعاطى.
ثالثا: أسلوب التعاطى، فالشم يختلف عن الحقن، وهذا يختلف عن التدخين إلخ.رابعا: الزمن الذى مضى على بدء التعاطى .
ومن الواضح أن لا أحد يبدأ فى تجربة أو تعاطى أى مادة أو دواء من التى تسبب الإدمان، وهو ينوى أو يدرك أنه سوف يدمنها، أو أنها سوف تسبب له كل ما يمكن أن تسببه من المشاكل والكوارث التى تظهر فيما بعد، لكنه يجربها من باب الفضول أو حب الاستطلاع، أو التجريب، أو الضياع، أو التقليد، أو إثبات الذات، أو غيرها من الأسباب التى تدفع الشاب أو الفتاة للدخول فى مثل هذه التجربة، وعادة ما يكون الشخص المجرب، أو المتطلع إلى التجربة، فى حالة من القوة تجعله يتوهم أنه يستطيع أن يملك زمام نفسه والتحكم فيها خلال هذه التجربة، وهذا هو أول الأبواب التى يدخل منها الشيطان، لكى يسلم هذا المجرب إلى نفسه الأمارة بالسوء من خلال تغيرات بيولوجية ونفسية تتحكم فيه مع تكرار هذه التجربة.
وبالتأكيد فإن نتيجة التجربة تتوقف على رد فعل الشخص المجرب، ومدى ما سوف تحدثه المادة التى يجربها من رد فعل منعكس على جهازه العصبى الإرادى واللاإرادى، فإذا كانت الآثار التى تحدثها هذه المادة تشعر المجرب بسعادة وانطلاق، أو بشعور معين يفسره هو على أنه شعور إيجابى – وهو بالطبع ما يحدث مع غالبية المخدرات والمهدئات والمنشطات فى بداية تعاطيها نتيجة زيادة إفراز مادة الدوبامين– فإنه سوف يكرر التجربة مرة أخرى، وربما مرات ومرات، حتى يدخل إلى مرحلة الاعتياد، ثم مرحلة الاعتماد على هذه المادة المخدرة.
أما إذا أحدثت هذه التجربة رد فعل سيئا على المجرب، مثلما يحدث فى بعض الحالات النادرة من أعراض القىء وضيق التنفس وغير ذلك من الخبرات السيئة التى تحدث للمجرب، فإنه يكره تكرار التجربة مرة أخرى لنفس هذا النوع، وفى كل مرة تتكرر فيها التجربة غالبا ما يكون هناك صراع نفسى داخلى فى عقل المجرب ونفسه، يتجاهل خلاله الآثار النهائية والخطيرة الناتجة عن إمكانية وقوعه فى براثن الإدمان، ويتذكر فقط الآثار الإيجابية الوقتية التى يشعر بها فى بداية التعاطى.
وهناك بعض العوامل التى تساعد على تكرار التجربة، وأهم هذه العوامل هو التواجد مع نفس الأصدقاء، وفى نفس الجو والأماكن التى تتيح تكرار التجربة، مع توافر المال الذى يُمكَّن المجرب من إعادة هذه التجربة مرة أخرى، مع وجود عوامل نفسية وأسرية تدفعه إلى ذلك، وغياب الرقابة على هذه المجموعات، وسهولة حصولهم على المواد التى تؤدى إلى إدمانهم، لذا يجب على الشاب والفتاة أن يقاوما الدخول من باب التجربة من أساسه، وإذا دخلا فبعد أول تجربة ينبغى أن يقلعا نهائيا عن تناول المادة المسببة للإدمان، وإذا استمر الإنسان فى تناول مثل هذه المواد فإن عليه أن يعلم أنه ينزلق وبسرعة إلى خطوة أخرى من مراحل الإدمان بعد التجربة، ألا وهى الاعتياد، حيث لا يمكنه على الإطلاق أن يحدد أو يتحكم فى زمن ومدة وقوعه فى دائرة الإدمان بعد ذلك، والذى ينبغى أن يعلمه أيضا أنه داخل إلى هذا المنحدر بمحض إرادته حتى الآن، دون أى نوع من الإجبار أو القهر، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية، فقبل الدخول إلى هذه المرحلة لا يكون هناك أى نوع من الاعتماد على مثل هذه المواد سواء نفسيا أو جسمانيا، ولا يحدث للإنسان أى نوع من العواقب أو المضاعفات نتيجة توقفه عن تناولها، وإذا شعر الشاب برغبة فى تكرار التجربة مرة أخرى فعليه أن يلجأ إلى الاستشاريين أو المتخصصين فى مواجهة وعلاج الإدمان، حيث إن هذه الفترة قبل الدخول إلى سيطرة المادة المخدرة، تكون هى الفترة الذهبية لإنقاذ مثل هؤلاء الشباب قبل سقوطهم فى هذه الهوة السحيقة.
وقد يتطور استخدام الشخص المجرب لهذه المواد، فيستخدمها بشكل متكرر - ولكن عشوائى - عندما تسمح ظروفه بذلك، وهو يظن أنه ما زال يملك القوة للأخذ والمنع تبعا لمزاجه وإرادته، وهذا خطأ جسيم، ومن المرجح أن تجار المخدرات يخلطون هذه المواد، بمواد أخرى ضارة حتى يوفروا المادة الخام الباهظة الثمن، فمثلا الهيروين فى بعض الأحيان يتم خلطه بمادة «إستركنين»، وهى مادة فى منتهى الخطورة على الجهاز العصبى المركزى، ويمكن أن تؤدى إلى تشنجات تنتهى بالموت، إذا زادت جرعتها أو تم أخذها عن طريق الحقن.
وارتباط المدمن نفسيا بالمادة المسببة للإدمان، أو ما يسمى بالاعتماد النفسى على الدواء Psychological Dependence، يعد آخر المراحل التى يمكن أن يتم إنقاذ المريض فيها قبل أن يسقط فى هوة الإدمان، فالمستخدم لمثل هذه المواد إما أنه ينشد المزاج الذى يجعله فى حالة نفسية ومعنوية عالية، أو النشاط الذى يعينه على القيام بواجبات وأنشطة أكبر مما يمكن أن يتحمل جسمه القيام بها، أو من أجل تسكين الآلام والمساعدة على النوم، مثلما يحدث فى حالات كثيرة من الألم أو الأرق أو الأمراض المزمنة والنفسية التى تصيب الكثير من الناس، أو من أجل أداء جنسى أفضل، وهو لا يدرك أنه يدمر قدراته الجنسية والجسدية والنفسية.