يُمثل علامةً فارقة في تاريخ الكنيسة، إذ تولى إدارتها في أعقاب نياحة البابا شنودة الثالث الذى يحظى بتأييد كبير من كل الأقباط بشكل عام، وله دور وحضور دائم لدى كل المصريين، إنه الأنبا باخوميوس القائم مقام البطريرك، الذى يصفه الكثيرون بأنه رجل المهام الصعبة، واستطاع بخبرته وإدارته أن يرسو بالكنيسة إلى بر الأمان بعد الصراعات الداخلية التى كانت تشهدها حول الكرسى البابوى، حتى سلمها إلى تلميذه الأنبا تاوضروس. ونقل عنه المفكر القبطى كمال زاخر ثلاث رسائل للقائمين على مؤتمر «إنقاذ الكرسى المرقسى»، منها أنه رأى فى المقر البابوى ما أحزن قلبى، وأنه يعترض على قائمة الناخبين ويوافق على استبعاد المخالفين، وأنه ملتزم بكل الإجراءات مع تحفظه على لائحة 57 قائلا: «لا أنا البابا أثناسيوس ولا الموجودون هم أساقفة زمان». رسائل باخوميوس تؤكد مدى الانزعاج الذى لقيه فى المقر البابوى والصراعات خاصة أنه لم يكن أحد يعلم عنه كثيرا إلا فى إطار إيبارشيته فى البحيرة وفجأة بعد رحيل البابا شنودة الثالث تسلطت كل الأضواء عليه ليحتل مكانة كبيرة فى قلوب كل الأقباط داخل مصر وخارجها. يعد «باخوميوس» ثانى أكبر أساقفة المجمع المقدس سنا بعد الأنبا ميخائيل مطران أسيوط لذا بعد رحيل البابا شنودة وقع الاختيار عليه ليتولى منصب القائم مقام البطريرك بموافقة جماعية من كل أعضاء المجمع المقدس، بعد اعتذار الأنبا ميخائيل عن القيام بالمهمة، حيث تنص القوانين الكنسية على تولى أكبر أعضاء المجمع المقدس سنا منصب القائم مقام فى حال خلو منصب البابا. مع توليه مهام القائم مقام كان الكل فى قلق كبير من إدارته للكنيسة إلا إنه سرعان ما حول القلق إلى ارتياح ففتح بابه للحوار والنقاش مع كل أبناء شعب الكنيسة حتى مع الغاضبين منها فكانت لغته الرقيقة الهادئة وحكمته البالغة تحتوى أى مشكلة تقع فيها الكنيسة، وقال «أى حد عايز حاجة يجى ويقابلنى لو مارتحش يعمل بعد كده ما يريده»، الأمر الذى جعل العلمانيين وبعض رموز التيارات الإسلامية، وأقباط 38 يفتحون مجالا كبيرا للحوار معه لحل مشاكلهم. وبالرغم من هدوئه تميز بالحزم الشديد فى التعامل مع الأحداث والقضايا التى وقعت بالكنيسة الفترة الماضية، خاصة مع الدستور والجمعية التأسيسية وأعلن بكل قوة تخوفاته من سيطرة تيار بعينه عليه ورغبته فى حماية حقوق الأقباط فى مصر، حيث كان حاضرا بقوة فى قضايا أقباط دهشور، نزلة عبدالمسيح، رفح، حرق الكتاب المقدس وغيرها من الأحداث الطائفية التى وقعت فى عهده، ومن أبرز مواقفه إدانته الشديدة للفيلم المسىء للإسلام، معلنا بقوة احترام الكنيسة للدين الإسلامى ولمشاعر المسلمين فى مصر والعالم العربى. وتعد الانتخابات البابوية من أكثر القضايا صعوبة التى مرت على الكنيسة فى عهده، إذ واجه صراعات وخلافات كبيرة داخل الكنيسة بسبب رغبة كبار رجال الكنيسة فى الجلوس على الكرسى البابوى أمثال الأنبا بيشوى والأنبا يؤانس، إذ استبعد كل أساقفة الإيبارشيات وكل الأساقفة الذين لا يريدهم الشعب ويتخوفون منهم بالكنيسة، وتلاه مرحلة الانتخابات التاريخية النموذجية التى شهدها عهده والتى ظهرت فيها الكنيسة بأبهى صورها فى النظام والشفافية. لم يهتم الأنبا باخوميوس بالانتخابات البابوية فقط بل أعطى اهتماما كبيرا بإعادة هيكلة المؤسسات الكنسية فوضع قرارا بتغيير لائحة 57 وتطوير قوانين المجلس الملى وأعد ملفا للبابا الجديد بأهم القضايا والملفات التى يجب تغييرها فى الكنيسة. وعلى الرغم من الهجوم الكبير الذى واجهه فى بداية فترة خدمته كقائم مقام للكنيسة إلا أن المحبة الكبيرة التى ظهرت من الشعب القبطى يوم إعلان نتيجة الانتخابات البابوية والاحترام والتقدير الكبير والعرفان بجهده الضخم فى الكنيسة يجعل الأنبا باخوميوس علامة فارقة فى تاريخ الكنيسة.