كوب المياه يؤدى إلى سرطان الكبد والكلى والمثانة؛ لأن عمليات التنقية والتطهير لاتزال شديدة البدائية، وتعتمد على زيادة نسبة الكلور فى المياه، رغم أن معظم دول العالم، توقف عن استخدام الكلور، ولجأ إلى وسائل أكثر أمانًا، منها: استخدام الأوزون، واليود، والأشعة فوق البنفسجية. أما بالنسبة للشبكات، فحدّث ولا حرج.. المواسير يعلوها الصدأ الذى يختلط بجزيئات المياه فى طريقها من محطات التحلية إلى البيوت. وتسبب عجز الدولة عن توفير كوب ماء نظيف -أبسط حقوق المواطن- فى وجود أكثر من 2200 محطة مياه أهلية منتشرة بالمراكز والقرى بمختلف محافظات مصر، تعمل على تنقية مياه الشرب فى أماكن عجزت الحكومة عن توفير مياه نظيفة فيها، وهذا رغم انخفاض أسعارها نسبيّا؛ فإن مياهها أيضا غير صحية. كارثة ضحاياها الفقراء، الذين ليس فى إمكانهم شراء المياه المعدنية، فيضطرون وفلذات قلوبهم إلى تجرع الموت رشفةً رشفةً.. فالماء فى مصر.. «هبة النيل»، لم يعد سر الحياة، لكنه المتهم رقم واحد فى زيادة أمراض الكلى، كما تكشف «الصباح» فى سطور هذا التحقيق. يقول الدكتور عادل عامر، عضو المعهد الأوروبى للدراسات الاستراتيجية،والسياسية بجامعة الدول العربية: إن عملية تنقية المياه، تعتمد على سحب المياه، ثم تضاف جرعة مبدئية من الكلور، حين تكون المياه فى طريقها إلى الموزّعات، حيث يضاف محلول «الشبّة»، وتبدأ بعد ذلك أولى مراحل التعقيم، باستخدام غاز الكلور، وبعض المركبات الكيماوية الأخرى. ويضيف: إن عمليات التطهير تتطلب إضافة مواد كيماوية إلى الماء، تتحول إلى عناصر لزجة هلامية، تهبط إلى القاع، وتجذب معها الشوائب العالقة، مما يحسّن عملية الترسيب، وهذه عملية مهمة لتخليص المياه من الشوائب الصلبة والرمال الدقيقة، وهذه عملية بالغة الأهمية قبل أن تصل المياه إلى البيوت، مشيرًا إلى أن مياه الشرب فى مصر تتلوث بعد هذه العملية بشبكة المواسير المتهالكة التى لم يتم تغييرها منذ سنوات طويلة. ويؤكد الدكتور نصر علام، وزير الرى والموارد المائية الأسبق، وجود طرق أكثر تطورًا لتطهير المياه، أهمها استخدام «الأوزون أو اليود والبروم والأشعة فوق البنفسجية»، وهى مستخدمة فى كل بلدان العالم المتقدم، ولم يتم اعتمادها فى مصر بسبب تكلفتها العالية، موضحا أن إبادة البكتيريا الضارة الموجودة فى المياه تلزم ترشيح المياه بعناية للتخلص منها (البكتيريا)، إذ إن المرشحات لا يمكن أن يكون عملها كاملًا، وأحسنها يسمح بمرور نسبة ما منها. ولا يمكن التخلص من البكتيريا إلا بالتعقيم، وليس فى وسع الحكومة المصرية، فى ظل إمكانياتها المحدودة، إلا الاعتماد على الكلور، رغم مضاره المعروفة. ويقول: إن التطهير بالكلور يحتاج إلى نحو نصف الساعة لإتمام العملية، وتتوقف نسبة الكلور على نوعية المياه، فإذا كانت بها نسبة عالية من النشادر، فلابد من زيادة الكلور، والعكس بالعكس. من جهته، يقول عادل ثابت، عضو اتحاد الكيميائيين العرب: إن هناك أسبابًا كثيرة تؤدى إلى تلوث مياه الشرب، تتمثل فى عدم فاعلية وسائل تنقية المياه. موضحا أن الدليل التدريبى فى مجال «الطوارئ الصحية» و«إصحاح» مياه الشرب الذى أعدته وزارة الصحة بالتعاون مع الصندوق الاجتماعى للتنمية؛ يؤكدان أن هناك محطات تنقية مياه الصرف الصحى إما معطلة وجارٍ إحلالها، أو أنها لا تقوم بمعالجة كاملة لسائل «المجارى» الخام، وهو ما يؤدى إلى صرفها، إما غير معالجة أو معالجة جزئيّا إلى المصارف والبحيرات، بما يساهم فى رفع نسبة التلوث فى المياه، وبالتالى يحدث أن ترتفع عمليات إضافة الكلور.. لكن هذه العملية لا تقضى بالكامل على المواد العضوية ومسببات الأمراض والطفيليات. ويوضح ثابت أن عمليات التعقيم لا تنجح فى إزالة المواد التى تداخلت فى تركيب المياه نفسها، والمواد العضوية الذائبة فيها، والمبيدات التى زادت نسبة تركيزها بسبب كثرة استخدام المبيدات وصرفها فى مياه النيل، بالإضافة إلى انعدام عمليات الصيانة فى المرشحات ومحطات التنقية. مشيرًا إلى أن معظم محطات مياه الشرب فى مصر تعمل بطرق تقليدية بدائية، تعتمد على تنقية المياه من المواد العالقة غير المذابة وتطهيرها من البكتيريا، دون النظر إلى المركبات الكيميائية الخطرة، التى قد تنشأ بسب عملية المعالجة. ويحذّر من أن زيادة نسب الكلور بالماء على الحدود الآمنة، المسموح بها عالميّا؛ تؤدى إلى الإصابة بسرطان الكبد والكلية والمثانة. كما يأتى التلوث من مرور المياه فى المواسير التى تهالكت وأصبحت من أخطر مصادر تلوث المياه. ويشير إلى أن عدم غسيل وتطهير الشبكات بصفة دورية، لعدم وجود محابس للغسيل فى أطراف الشبكات، وقيام بعض العاملين بحقن الكلور فى المواسير بدلا من المحطات التى تكون معطلة؛ قد يؤثر على كفاءة عملية التنقية. وبالنسبة لاستخدام الكلور للقضاء على البكتيريا وتلوث مياه الشرب فإنه لم يعد خيارًا فعالًا، حيث منع العديد من دول العالم استخدام الكلور فى تنقية مياه الشرب، واتجه إلى طرق أخرى للقضاء على البكتيريا الملوثة مثل الأوزون والأشعة فوق البنفسجية وغاز الأوزون الذى يستخدم فى تعقيم المياه فى الدول الأوروبية لفعاليته فى قتل مسببات الأمراض ولا يستخدم فى مصر إلا لتعقيم المياه المعبأة لأن له عيوبه، ومنها أنه لا يبقى فى الماء أكثر من ثلاثين دقيقة، ثم يتحول إلى أكسجين وبالتالى فإن المياه بالشبكة لا تحتوى على أوزون متبقٍ لحماية المياه من التلوث. كما أن إنتاج الأوزون من الهواء الجوى يحتاج إلى أجهزة بالغة التطور ومرتفعة التكلفة، بالإضافة إلى أن أعمال الصيانة والتشغيل يجب أن تتم على أرقى مستوى. أما طريقة الأشعة فوق البنفسجية فرغم أنها غير شائعة لكنها تطورت فى الفترة الأخيرة وأصبحت أقل تكلفة ومساوية لتكلفة التنقية بالكلور، الأمر الذى يجب أن يدفع الحكومة المصرية، إلى اعتمادها، إذا كانت جادة وحريصة على صحة الشعب المصرى حسبما يقول. ويقول الدكتور سيد هيكل، إخصائى أمراض الجهاز الهضمى والكبد: إن معظم محطات تنقية المياه تعمل بطرق تقليدية للغاية، حيث تعتمد على تنقية المياه من الرواسب والبكتيريا دون الاهتمام بالمركبات الكيميائية الخطيرة، التى تنتج عن عملية المعالجة. موضحًا أن ارتفاع نسبة الكلور بالماء يؤدى إلى الإصابة بأمراض السرطان والأورام الخبيثة التى تصيب الكبد والكلية والمثانة. ويضيف إن بعض الفنيين فى المحطات يعالجون التلوث الذى قد يحدث أثناء مرور المياه لمسافات طويلة فى المواسير المتهالكة بحقنها بأساليب ليست علمية دقيقة، ومن ثم لا يعالجون التلوث ويزيدون نسبة الكلور الضار. ولا تتسم عمليات التعقيم بالكفاءة لإزالة المواد الموجودة فى تركيبة المياه والمواد العضوية الذائبة فيها. كما توجد مشكلة أخرى، ألا وهى زيادة نسبة المبيدات فى مياه النيل، لأن الفلاحين يفرطون فى استخدامها، ويتم صرفها فى الترع والقنوات، لعدم وجود نظام مرشحات متطور. ويضيف إن ضغط الهواء الناتج عن عملية الضخ يعمل على تزايد تفاعل الكلور مع المواسير المصنعة من الرصاص والبلاستيك، وهو ما يمثل خطورة حقيقية على صحة الإنسان، خصوصًا أن كل هذه العوامل تؤدى إلى تكاثر أجيال من البكتيريا وظهور طفيل (كريبوسبورنيم) الذى يؤدى إلى الإصابة بنزلات معوية حادة ويصل للدم ثم ينتقل إلى المخ ليُحدث به نوعا من الخلل فى أداء وظائفه. ويوضح أن هناك دراسات عديدة أكدت وجود حلول من شأنها الحفاظ على صحة المواطن، وأن واجب الحكومة تبنى هذه الدراسات، واتباع سياسات أكثر تطورًا وأمانًا، من أجل الحفاظ على صحة المواطن من تلوث مياه الشرب. مشيرًا إلى أن مصادر تلوث مياه النيل متعددة، وهناك دراسات حددتها فى الغسيل بواسطة مياه الأمطار ودخول الصرف الصحى مع المياه الجوفية، وأيضا التلوث المباشر للمياه مع المياه السطحية من خلال الانجرافات، فضلا على بقايا المبيدات والمحاصيل وماء الغسيل الناجم عن تنظيف معدات الرش وغيرها، بخلاف استخدام الأسمدة والمخصبات الزراعية وتحديدًا الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية التى تتم إضافتها إلى التربة الزراعية، وتتلقاها المصارف الزراعية، وأيضًا مياه المجارى المحملة بالمواد العضوية والكيماويات والمبيدات الزراعية والمعادن الثقيلة والتخلص السطحى من النفايات ومياه المجارى والبيّارات. ويحذّر من استخدام الكلور فى تنقية المياه وتطهيرها للقضاء على البكتيريا، فهو ليس الحل الأفضل، حيث امتنعت دول عديدة عن استخدام الكلور فى تنقية مياه الشرب واتجهت إلى طرق بديلة أقل ضررًا للقضاء على البكتيريا، ومنها استخدام الأوزون والأشعة فوق البنفسجية فى تعقيم المياه لفعاليتها فى قتل البكتيريا الضارة المسببة للأمراض، ولا تستخدم فى مصر إلا لتعقيم المياه المعبأة، ما يعنى أن على الفقير تجرع السموم راضيًا.