في خطوة هي الأجرأ في تعدي المحظور تمكن مجموعة من فناني المسرح الهواة بمدينة المنصورة، تحت مسمى فرقة "ميلوفرينيا"، من تمثيل التجسيد الأول للرواية الأكثر جدلا عربيا وعالميا رواية عزازيل ليوسف زيدان . عزازيل .. الرواية التي حصدت نصيب الأسد من الجدل منذ أن خرجت لأنوار النشر بدار الشروق منذ أربعة أعوام مضت ومازالت حتى الان موضع حساسية ولغط كبيرين في الوسط الأدبي والإعلامي .. يحكي خلالها يوسف زيدان عن ترجمة لمخطوطات سريانية تصف سيرة حياة الراهب المصري المسيحي ( هيبا ) وصراعه بين معاركه الفكرية والعاطفية وبين تجسيد الشيطان امامه و انهيار معتقداته العقائدية تتحاكى خلال الصفحات رحلته الحياتية بالقرن الخامس الميلادي في الفترة المضطربة من التاريخ المسيحي الكنسي والتي تلتها عدة أمواج انقسامية في العقيدة المسيحية بين الكنائس الكبرى نظرا للاختلاف حول حقيقية المسيح والتداعيات الفكرية في معاني اللاهوتية والحياة المقدسة . فتحت قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون أبوابها أول أمس الخميس لاستقبال أفواج الجماهير الغفيرة التي احتشدت أمام البوابة قبيل العرض بأكثر من ساعة منتظرة لحظة التنافس للحاق بالكراسي الأولى بالقاعة و استمر طوفان الجماهير بالسيلان لأكثر من ساعة غير أن كراسي المسرح لم تكف حتى نصف العدد الجماهيري مما أجبر العشرات للوقوف على أرجلهم طوال العرض بجانب المفاجأة الكبرى حين اضطر هشام السنباطي مدير المهرجان في حالة استثنائية بمهرجان افاق للسماح بإعادة العرض مرة أخرى فور انتهاء عرضه الأول ارضاء لوفود الجماهير في تمام السابعة إلا ربعا بدأت أسطورة عزازيل الجدلية في التجسد على خشبة المسرح إلا أن بالونة الضجة الإعلامية للعرض بدأت في تفريغ هوائها شيئا فشيئا بمرور الدقائق والمشاهد فبسينوغرافيا أبسط ما تكون لضخامة العرض متمثلة بموتيفات ديكور ليست بزمن الدراما بعلاقة وبغياب مساعدي الاخراج والخلل الغريب في بلان الاضاءة وانعدام البلاكات بين المشاهد ودخول وخروج الممثلين والديكورات أمام الأعين مما أدى الا فصل حالة العرض لدى المتفرج بجانب مأساة أخرى أكبر بكثير متمثلة في اختيار وتنفيذ موسيقى العرض فاحقاقا للحق انقسم الإعداد الموسيقى لجزئين على النقيض من بعضهم أولهم استخدام فرشة موسيقى غير ملائمة أبدا لحالة العرض واستمرارها طوال المسرحية بصوتها العالي المزعج الذي جعل من سماع صوت الممثلين من مستحيلات الجمهور مما أدى أيضا للفصل الكامل عن المود المسرحي . الا أن تنفيذ غنوتين متميزتين على أنغام الهارب والكنترباس وبصوت غناء جميل بجانب استعراض مذهل لفتاتين أجادتا الدراما الحركية للمشهدين قد شفع قليلا بشاعة الإعداد الموسيقى .ومن ثم ننتقل الى مأساة أخرى تتمثل في اختيار الملابس للممثلين حيث أتقن البعض في اختار ملابسه الملائمة على غرار المصائب الكبرى باختيار ملابس أخرى غير ملائمة بتاتا لزمن الدراما هذا بجانب اكسسوارات الممثلين من الدقون والشعور المصطنعة والمكياج التي امتازت بالأفورة والزيادة عن اللزوم مما جعل من شكل بعض الممثلين يمثل سخرية لدى المتفرج مما أخل بحالة العرض . انتقالا الى الرؤية الإخراجية لمخرج العرض فلايوجد وصف غير كلمة عادية حيث لم يقدم جديدا بطرحه فكرة العداوة المعتادة بين الإنسان ووساوس الشيطان بالإضافة الى عدم تغير هذا الرابط حتى عند الانتقال الى مشاهد بها أديرة أو بداخل كنيسة حيث نجد الشيطان بمثل حالته حتى بداخل هذه الأماكن حتى أنه استطاع الظهر بها غير متأثرا بأي رمز ديني . وعند الحديث عن اللغة العربية الفصحى التي من المفترض استخدامها بالعرض نجد مصائب لغوية من أفواه الممثلين من كسرهم لأبسط قواعد اللغة العربية سواء في النطق أو الاداء أو حتى المصطلحات . وأخيرا نصل لتحليل مرحلة التمثيل التي انقست لثلاثة مستويات أساسية : سيء جدا – عادي – وإجادة تامة . أولهم المستوى السيءحيث امتاز عدد كبير من الممثلين بعدم اجادتهم لأبسط مباديء التمثيل المسرحي وثم المستوى العادي لدى غالبية الممثلين مما يدعو للدهشة للضجة الإعلامية للمسرحية التي من المفترض أن يكون ممثليها عالأقل مجيدين ولو حتى بأبسط الحالات.. وبعيدا عن كل هذا السوء وهذه المستويات تمكن ثلاثة من الممثلين من انقاذ العرض من الانهيار التام أولهم وأبرزهم الفنان (محمود دياسطي ). الذي تمكن بإجادة تامة تجسيد شخصية عزازيل بجميع أدواتهما وتفاصيلها المسرحية المبدعة والذي استحق عن جدارة أعلى تحية وسوكسيه مسرحي شهدته المسرحية ويكاد يكون الأعلى بمهرجان افاق . ومن ثم ننتقل الى شخصية أوكتافيا أول حب واغواء لهيبا بطل الرواية التي تمكنت الفنانة ( منى غنيم )من إجادتها لتمثيلها بكل اتقان وأخيرا نأتي لشخصية هيبا الرئيسية التي جسدها أحمد الأباصيري مخرج العرض الذي نال عدة انتقادات وتهاني ارضائية على أدائه لعل التعليق الأبرز والأوفى له هو أنه لم يتمكن من تجسيد هيبا التجسيد الصحيح الذي يستحقه بطل الرواية . وبعد كل هذا التحليل الشامل نجد أن رواية عزازيل أعلى مقاما بكثير من هذا التجسيد المسرحي لها الذي للأسف حظي بضجة إعلامية موسعة معتمدا على نجاح الرواية الأصلية التي كتبها المبدع يوسف زيدان . إلا أن النتيجة النهائية تتلخص في جملة ( بالونة عزازيل الجدلية نفخت إعلامياً وتهاوت مسرحياً ).