فى عالم الأعمال الوقت يعنى مالا، وفى شوارع بلادنا المزدحمة تتعقد الأزمة المرورية أحيانا لدرجة غير معقولة، حتى يصبح من المستحيل عليك أن تلحق بموعدك، أو عملك، أو دراستك. وفى الأمور المصيرية كامتحان الثانوية العامة وموعد الطائرة وإسعاف المصابين والمرضى، يصبح الاعتماد على السير فى الشوارع مغامرة غير مأمونة، فى مثل هذه الحالات يجب أن تطير! لا يوجد حل فى هذه الحالات سوى استخدام التاكسى الطائر، وهو مشروع مستقبلى يتكون من طائرات صغيرة تعبر فى السماء فوق الزحام والاختناقات المرورية، وتهبط فى مطارات صغيرة ولطيفة منشأة لها خصيصا، ولأن عدد هذه المطارات سيكون كبيرا جدا، فسيؤدى هذا إلى تقليل الاعتماد على الطرق إلى أقل حد ممكن. فى الولاياتالمتحدة يوجد حوالى ثلاثين مطارا كبيرا، وهذه المطارات تعانى من الزحام وتعمل بأكثر من طاقتها المفترضة لمواجهة العدد المتزايد من راغبى السفر بالطائرات. وتقوم شركات الطيران بضبط مواعيد رحلاتها بحيث تملأ أكبر عدد من المقاعد بأقل عدد من الرحلات لتعظيم الأرباح، الأمر الذى يحد من الخيارات أمام راغبى السفر ويدفع بعضهم إلى السفر بوسائل أخرى، مسببين المزيد من الازدحام على الطرق البرية. المفهوم الجديد الذى يحمله النظام الجديد هو الطيران الصغير، فبدلا من الاعتماد على عدد قليل من المطارات الضخمة ذات تكلفة التشغيل الهائلة، فإن النظام الجديد يهدف إلى إنشاء أكثر من خمسة آلاف مطار صغير محلى عبر الولاياتالمتحدة. يدعى النظام الجديد ساتس SATS وهى اختصار عبارة Small Aircraft Transportation System أى نظام النقل بالطائرات الصغيرة. ويهدف المشروع أيضا إلى توفير طائرات صغيرة الحجم معقولة السعر لتعمل بين هذه المطارات، وفى المحصلة النهائية ستكون تكلفة السفر بهذه الطائرات الصغيرة، بين هذه المطارات الصغيرة، أقل بكثير من التكلفة الحالية للسفر بالطائرات الكبيرة بين المطارات الكبيرة! كما سيوفر النظام اختيارات ومواعيد إقلاع وهبوط أوسع بكثير من تلك التى يوفرها النظام الحالى للمسافرين. ولأن عدد المطارات التى سيوفرها النظام كبير جدا، فإن هذا سيجعل المسافر يهبط فى أقرب مكان لسكنه أو عمله، وهكذا ستقل المسافة التى يقطعها فى الطريق البرى إلى أقل ما يمكن. مينى مطار أصبح التطور التكنولوجى الحالى يسمح بالفعل بصنع الطائرات الصغيرة هذه، ففى 1996 قامت وكالة ناسا بإطلاق مشروع لتشجيع تطوير تكنولوجيا الطيران الخفيف، خاصة محركات الطائرات الخفيفة. وقد أثمر المشروع عن ظهور محرك نفاث يدعى FJX-2، وهو أصغر محرك من نوعه، إذ يزن 45 كيلوجراما فقط. وبتطور المشروع ظهرت الطائرة الخفيفة Eclipse 500 التى تراها فى الصورة. كانت Eclipse 500 أول طائرة ذات محرك نفاث خفيف جدا very light jet. وتتضمن هذه الطائرة سلسلة كبيرة من المميزات: لا تسبب الطائرة بحجمها الصغير هذا ازدحاما فى المطارات. لا تسبب الطائرة ازدحاما فى الطرق الجوية أيضا. وكونها تحمل عددا قليلا من الركاب فإن هذا يعنى رحلات أكثر، وبالتالى مزيدا من المرونة والتنوع فى مواعيد الرحلات. تكاليف طيران أقل خاصة بالنسبة لخطوط الطيران التى ليس عليها ضغط عمل. ولكثرة عدد المطارات الصغيرة التى تهبط فيها فإن المسافر سيهبط فى أقرب نقطة لبيته. وسيؤدى وجود المطارات الصغيرة أيضا إلى رواج اقتصادى للأماكن التى ستنشأ فيها هذه المطارات، حيث سيتم إنشاء العديد من المنشآت الخدمية حول المطار، كالفنادق والمطاعم والمحال التجارية ووسائل النقل البرى. سيؤدى اكتمال المشروع أيضا إلى أثر كبير على أسلوب عمل الشركات، حيث لن يصبح لزاما على الموظفين أن يسكنوا فى المدن الكبرى إلى جوار مقار شركاتهم كى يستطيعوا الحضور فى الميعاد فى الصباح، وسيكون بإمكانهم أن يسكنوا بالضواحى أو الريف مع وجود وسيلة مواصلات طائرة ورخيصة هكذا. وسيؤدى خروج الناس من المدن للسكن فى الضواحى والأرياف إلى انفراج أزمة النقل المرورية فى المدن أيضا. هبوط آمن رغم أن الكثير تم إنجازه فإنه لا يزال هناك الكثير من التحديات، فبالرغم من أن التكلفة ستنخفض مع تقدم العمل بالمشروع، فإن تكلفة التشغيل المبدئية ستجعل من النظام أغلى سعرا من رحلات الطيران التقليدية. وقد يحد هذا من انتشار النظام فى البداية، وسيقصره على استعمال رجال المال والأعمال والسياسيين، وكل من يفضل أن يضحى بالمال مقابل الوقت. لكن بدخول النظام إلى الخدمة وانتشاره أكثر ستقل أسعاره تدريجيا إلى أن تصل إلى المستوى الشعبى. تحدٍ آخر يواجه النظام هو الأمان. هل ستكون الطائرات الخفيفة الصغيرة آمنة كالكبيرة؟ وهل ستكون المطارات الصغيرة هذه قادرة على التعامل مع الطائرات بكفاءة، وأن توفر لها بيئة آمنة للهبوط والإقلاع دون مشاكل؟ يقول القائمون على المشروع إنهم يعملون على توفير أحدث التكنولوجيات التى ستجعل الطائرات آمنة كالكبيرة تماما. وقد قدمت ناسا نظاما آليا للمطارات يراقب حركة الطائرات ويتلقى منها طلبات الهبوط وينظمها دون تدخل بشرى. وهناك نظام آخر يتعرف على الطائرات القادمة آليا ويحدد ارتفاعها وسرعتها واتجاهها دون أن ترسل الطائرة هذه المعلومات، وسيكون هذا الأمر مفيدا جدا فى حالة ظروف الطقس السيئة. بعد الإعلان عن الطائرة إكليبس بفترة قصيرة طلبت إحدى الشركات 239 طائرة من هذا النوع، وعند تسليم الطائرات سيبدأ مشروع التاكسى الطائر، ومن المتوقع أن تحدث طفرة كبيرة فى هذا النوع من النقل خلال الأعوام القليلة القادمة.