من أين يبدأ الفساد فى مصر؟ سؤال تصعب الإجابة عنه بشكل قاطع ومحدد، لكن أهل التخصص فى المجال الاقتصادى يضعون البنوك فى المرتبة الأولى، فمنها تبدأ دائرة المال وإليها ينتهى أباطرة البيزنس، ومنذ أيام وتحديداً فى 3 سبتمبر 2012 تلقى النائب العام بلاغا خطيرا يشير إلى ما نتحدث عنه ويكشف حانبا مهما من جوانب قضايا الفساد الكبرى. البلاغ تقدم به «محمد رأفت الشاذلى» وهو باحث بإدارة البحوث بالبنك المركزى المصرى، وتلك الصفة جديرة بالتوقف، فالرجل من داخل الدائرة وليس من خارجها ويعرف جيدا كواليس ما يدور فى الدهاليز، المهم أن «الشاذلى» تقدم بالبلاغ كإنذار على يد محضر ومُعلن قانونا إلى النائب العام عن جرائم جنائية متمثلة فى تربح «فاروق عبد الباقى العقدة» محافظ البنك المركزى المصرى، وآخرين من خلال شركة انكوليس (الشركة الدولية للتأجير التمويلى) بشكل غير مشروع مما تسبب فى الإضرار بالمصلحة العامة والمال العام. والقصة باختصار أن مجموعة من البنوك وشركات التأمين قد أسست هذه الشركة المسماة ب «الشركةالدولية للتأجير التمويلى» ويتم اختصارها ب«أنكوليس»وتضم «بنك مصر وبنك الشركة العربية المصرفية وبنك فيصل الاسلامى وبنك الاستثمار القومى وشركة مصرللتأمين والبنك العربى البريطانى، وغيرها » وتم تعيين «فاروق العقدة »عضوا منتدبا للشركة. الشاذلى صاحب البلاغ أوضح القصة أكثر قائلا: إن « العقدة» وباعتباره عضوا منتدبا للشركة قام بابرام عقد مع شركة «أوف شور» البريطانية، وتلك الشركة ملك له وهو مؤسسها وصاحبها، وخلال عام 2008 قام الجهاز المركزى للمحاسبات بمراجعة دفاتر شركة «أنكوليس» واكتشف أن الشركة البريطانية «أوف شور» المملوكة للعقدة تحصل على نسبة كبيرة من الأرباح من دون وجه حق ومن دون أن تقدم أية خبرة ملموسة أو مهمة إدارية فعلية حسب ما أورده الجهاز المركزى للمحاسبات فى تقريره، ولم يتوقف الأمر على تقارير المركزى بل إن الاعتراضات على ممارسات الشركة المملوكة لفاروق العقدة قد تم تصعيدها من خلال «عبدالحميد أبو موسى» محافظ بنك فيصل الذى أثبت فى محاضر اجتماع مجلس إدارة شركة «أنكوليس» اعتراضه على ممارسات الشركة الأخرى المملوكة لفاروق العقدة، ووسط كل هذه الاعتراضات وهذا التصعيد والكشف عن ممارسات تفوح منها روائح الفساد اضطر السيد فاروق العقدة إلى إلغاء عقد الإدارة بين «أوف شور» و«أنكوليس»، غير أنه لم يقم برد ما سبق أن حصل عليه دون وجه حق حسب البلاغ المقدم من «الشاذلى». وحسب الشاذلى فإن «فاروق العقدة» قام بإبرام عقد مع بنك مصر ممثلا لشركة «أنكوليس» فى 15/9/2002 حصلت الشركة بموجبه على قرض بدون أية ضمانات من بنك مصر قيمته 337 مليون جنيه، يسدد على دفعات ربع سنوية قيمة كل دفعة 10ملايين و758 ألفا و375 جنيها ولمدة 25 سنة تبدأ من تاريخ العقد السالف ذكره وتنتهى فى 15/9/2027، وبعائد إنفاقى شاملا كل العمولات والضرائب والمصروفات بنسبة 12.125% سنويا وذلك لتمويل شراء قطعة أرض مساحتها 445 فدانا و18 قيراطا و10 أسهم مملوكة لشركة مصر العامرية للغزل والنسيج ومقام عليها أصولها، مع العلم أن الشركة مملوكة بنسبة 99.9% لبنك مصر وكانت مدينة له فى 30/6/2003 بمبلغ 376 مليونا و600 ألف جنيه وقد قام البنك بتأجيرأصولها إلى مجموعة «شور الأمريكية» لمدة 20 سنة مع حق شراء خلال ال 5 سنوات الأولى بمبلغ 170 مليون جنيه و160 مليون دولار. وفى نفس التاريخ أبرم «العقدة» عقدا آخر بين كل من شركة أنكوليس وبنك مصر أستأجر بموجبه البنك قطعة الأرض السالف ذكرها من شركة «أنكوليس» لمدة 25 سنة «نفس مدة القرض المقدم من نفس البنك» مقابل قيمة ايجارية ربع سنوية قدرها 11 مليونا و40 ألف جنيه وتم منح حق استغلال قطعة الأرض إلى شركة مصر العامرية للغزل والنسيج مقابل 10 ملايين جنيه سنويا ولمدة 25 سنة. وتبين من عقد القرض أنه تضمن فى البند 6 قيداً على بنك مصر مؤداه أن إخلاله بالتزامه فى عقد تأجير الأرض تأجيرا تمويليا يترتب عليه انقضاء كل التزامات شركة أنكوليس وليس لبنك مصر فى هذه الحالة حق الرجوع إلى شركة أنكوليس بأية مطالبات. وتلتزم شركة أنكوليس أيضا فى هذه الحالة بإعادة بيع نفس قطعة الأرض إلى بنك مصر بمقابل يساوى الالتزامات المالية المستحقة عليها ويعد ذلك بمثابة سداد كامل ونهائى لكل التزاماتها !! وتابع الشاذلى : بمجمل تلك الاتفاقيات وفضلاً عن تملك شركة أنكوليس لقطعة الأرض المشار إليها بعد 25 سنة فقد حققت الشركة من دون وجه حق عائدا سنويا بلغ قدره مليونا و128 ألف جنيه، بإجمالى يصل إلى 28 مليونا و200 ألف جنيه فى نهاية ال 25 سنة وتلك المبالغ يتحملها بنك مصر على مدار ال25 سنة بالإضافة إلى تحمل بنك مصر أيضا فروق فوائد تسوية مديونية شركة مصر العامرية للغزل والنسيج بقيمة قطعة الأرض المذكورة وبمبلغ سنوى قدره 12 مليون جنيه بإجمالى يصل إلى 300 مليون جنيه على مدار ال 25 سنة. وقال الشاذلى: «ان العقدة يملك شركة «أوف شور» والتى كانت تتقاضى عمولة إدارة على صافى رقم عمليات شركة أنكوليس ومن ثم فقد تحقق له ربح «نفع» خاص من زيادة أرباح شركة أنكوليس الناتجة عن حدوث جرائم الفساد السابقة حسب وصفه، مشيراً إلى أن بنك مصر من مؤسسى شركة أنكوليس وممثلا فى مجلس إدارتها ومالكا لشركة مصر العامرية للغزل والنسيج ولدى القائمين عليه كل السلطات والصلاحيات والمعلومات والمستندات اللازمة لاتمام الجرائم السابقة». ونوه الشاذلى إلى أن كل الاجراءات «عقد القرض من بنك مصر لشراء ارض شركة العامرية وعقد تأجيرها تأجيرا تمويليا لبنك مصر مرة أخرى تمت كلها فى تاريخ واحد، مما يقطع بسوء القصد والنية المبيتة فى ارتكاب الجرائم سالفة البيان وهو ما يشكل جرائم جنائية تستوجب التحقيق بمعرفة النيابة العامة لتحديد كل المسئولين عنها ومساءلتهم عن سوء تصرفاتهم وفقا للقانون».