تأجير دور العبادة لتقديم دروس فى الفقه والشريعة بعيدًا عن إشراف مؤسسات الدولة لا يزال الخطاب الدينى يمثل الأزمة الأهم والتحدى الأكبر، الذى يأتى ضمن أولويات الدولة، ورغم كل الجهود المبذولة لمواجهة تلك الأزمة التى باتت تهدد أجياًل كاملة، تظل هناك ثغرات يتسلل منها المتطرفون بعيدًا عن أعين المؤسسات الرسمية وينشرون من خلالها أفكارهم ومناهجهم. تأتى فى مقدمة تلك الثغرات، الدروس الدينية التى تتم بالمساجد والزوايا، والتى تنتشر بكثرة فى المناطق الشعبية والريفية، وهى الدروس التى تتم بعيدًا عن المؤسسات الرسمية للدولة، داخل مساجد بعضها تابع لوزارة الأوقاف، ومن أبرز ملامح تلك الظاهرة، الدروس الدينية للنساء، والتى تتم على يد بعض السيدات غير المتخصصات فى المجال الدعوى، أو الحاملات لإيجازات غير موثقة والتى باتت تتفوق على الدروس الدينية للرجال. تبدأ قصة الدروس الدينية من خلال «اتفاق » بين سيدة تملك «إيجازة » من أى جمعية، أو شيخ حتى ولو كان مغمورًا، ما يضمن عدم مساءلتها قانونيًا، حيث تقوم بالاتفاق مع مشرف المسجد سواء كان تابعًا لوزارة الأوقاف أو لا، على منحها بضع ساعات بالمسجد، لإعطاء دروس دينية للنساء والأطفال، مقابل تقديم مساعدات مالية للمسجد وفقًا لعدد المشتركين بالدروس. ثم تأتى مرحلة إعطاء الدرس، حيث يمنحها مشرف المسجد ما بين ثلاث إلى أربع ساعات فى اليوم، على مدار أربعة أيام أسبوعيًا، وتكون عادة عقب صلاة العصر وحتى صلاة المغرب، وتقدم «المُعلمة الكبيرة »، وهى أكبر المدرسات والمسئولة عن المجموعات، الصورة التى سيتم على أساسها تقديم الدرس، وتعاونها عادة معلمة أو اثنتان على أقصى تقدير ووفقًا لعدد المشتركين بالدرس، ويتم تدريس العقيدة والفقه والسيرة النبوية هذا بخلاف تحفيظ القرآن. المثير فى الأمر، وفقًا لما أكدته إحدى المعلمات ل «الصباح » بعد الادعاء أنها حاصلة على دبلوم تجارة وتبحث عن عمل، أن الكتب التى تتم الاستعانة بها، تحددها المعلمة، وهى المسئولة عنها، ولا تتم مراجعتها من مشرف المسجد، الذى يكتفى بالحصول على اسم «المُعلمة الكبيرة »، والاطمئنان على قانونية وضعها، عدا ذلك هى المسئولة عن جميع المادة التى يتم تدريسها، والتى تكون فى آخر الأمر تبعًا للشيخ الذى تنتمى إليه «المُعلمة » سواء أكان أزهريًا أو سلفيًا أو ينتمى لأى فصيل آخر. وعن الاستفادة التى تعود على المسجد، قالت إن المشرف يحصل على بعض المساعدات للمسجد، منها عمليات الصيانة، أو مساعدات مالية شهرية من المفترض أنها تقدم للبسطاء، كما يشاركون فى أى نشاط يقوم به المسجد، ويتم تحديد نسبة المسجد بعد حصر الدخل من المشتركات، الأمر الذى يتم دون الحصول على إيصالات دفع. وحول أسعار الاشتراك، أكدت «المُعلمة » أنها مبالغ زهيدة تكون من 10 إلى 30 جنيهًا شهريًا، ما يضمن اشتراك أكبر عدد وتقديم الاستفادة لهن، فيما يتم عمل رحلات وأنشطة للنساء المشاركات فى الدروس الدينية لتوطيد العلاقات بينهن وبين المعلمات. وعن الرقابة من الأوقاف أو الأزهر، أوضحت أن هذا الأمر يتم مع مشرف المسجد، فهو الذى يقدم لهم الإفادة حول الدروس الدينية التى تعطى بالمسجد، ويكون على علم بموعد التفتيش أو المرور على المسجد، ولم يحدث أن جاءت أى حملات تفتيش خلال إعطاء الدروس. أما الإيجازة، فتكون من شيخ مصرح له بالعمل الدعوى، وتفيد بالحصول على العلوم الشرعية التى تؤهله للعمل الدعوى، كما يمكن الحصول عليها من الجمعيات الأهلية، ويحصل الدارس على شهادة إيجازة مختومة من الشيخ أو الجمعية، ومن ثم يبدأ فى العمل الدعوى، ويمكنه أيضًا منح الشهادات الموثقة بختم للدارسين تحت إشرافه.