هنري حبيب عيروط (1907 – 1969) كان إبن مهندس مصري من أصل شامي ومن الاثرياء ، نشأ عيروط بالقاهرة وتعلم بمدرسة العائلة المقدسة (الجيزويت) . تجول كثيراً في الريف وعايش هموم الفلاحين وتأثر جداً بفقرهم ، وكان دائماً يشعر أن الله يدعوه لخدمة هؤلاء.. لذلك انضم للرهبنة اليسوعية ، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة اللاهوت والفلسفة وعلم الإجتماع وحصل على دكتوراه من جامعة ليون بفرنسا عام 1938 ، كانت رسالته العلمية عن الفلاح المصري وتم نشرها بعد ذلك بعنوان “أعراف وعادات الفلاحين” وتم ترجمتها من الفرنسية إلى الإنجليزية والعربية. تلك الرسالة ناقشت تفصيلياً صراعات وكفاح الفلاح المصري الذي كان يعتبره الأب عيروط هو حجر الزاوية للمجتمع المصري. عند عودته للقاهرة عام 1939، تولى الأب عيروط مسئولية أكثر من مدرسة ذات الفصل الواحد بقرى الصعيد، ودعا النخبة من المجتمع المصري لمساعدته لتغيير حياة الفقراء ، وبدأ أولاً من خلال التعليم ثم توسع في نطاق خدمات أكثر وأنشطة للتنمية البشرية. في عام 1940 اسس جمعية الصعيد ، لم يكن الهدف الأكبر من الجمعية التعليم فقط ، فتعليم الجيل الصغير كان النواة التي من خلالها ظهرت أنشطة كثيرة لخدمة هذا المجتمع الفقير – مسلم ومسيحي سواء. فتم إنشاء مستوصفات لتوفير الرعاية الصحية ، وفصول غير رسمية للمتسربين من المدارس والأميين، ومحو أمية، وعمل تدريب مهني، وإنشاء مراكز إجتماعية، وبرامج تمكين الإناث، وعمل ورش عمل للتوعية البيئية، دمج المعاقين وأيضاً مراكز لإحياء التراث. تعمل المؤسسة في محافظات عديدة وهي القاهرة، الإسكندرية، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا والأقصر. وتدير 35 مدرسة رسمية بهم 12000 طالب، و18 مدرسة مساعدة (مراكز تعليم) و63 فصول محو أمية. وكذلك تدير 3 مستوصفات و21 مركز صحي لخدمة الأطفال والأمهات. أيضاً 10 مراكز للتدريب المهني و14 مكتبة عامة ، 5 وحدات قروض صغيرة. ومراكز لإحياء التراث منها مركز “حجازة” لصناعة الأخشاب ومركز “إخميم” للمنسوجات. واخميم بمحافظة سوهاج تبعد 450 كم عن القاهرة، مدينة تقع شرق النيل ، وكانت معروفة من العصور القديمة أنها مركز رئيسي لصناعة النسيج ، لكن عندما بدأت المصانع في استخدام الانوال الميكانيكية في كل أنحاء مصر، وحركة القطارات ازدهرت في البر الغربي من النيل، أدى ذلك إلى جذب حركة التجارة ناحية سوهاجالغربية وبذلك تم القضاء على العصور الذهبية لإخميم. ومن رحلة عيروط الي رحلة لولا لحام فنانة حقيقية وانسانة نبيلة وكاتبة رصينة ، تعمل بالصحافة في الاهرام وصحف اخري ، وحاصلة علي دبلوم الدراسات العليا في الفنون الشعبية من اكاديمية الفنون ، ولذلك فهي صاحبة قلم يتحول الي فرشاة ومدادها الوان حياة . وما بين روحانية عيروط وتماس لولا مع تلك الروحانية ، التي تعلماها من روحانية القديس اغناطيوس دليولا مؤسس الرهبنة اليسوعية ، تقدم لنا لولا رحلة الي اخميم ممزوجة بعطرحكاوي فتياتها وسيداتها ، وتلملم كما لملمت جدتها ايزيس اشلاء اوزوريس، وما بين الحكي والدراسة ولوحات الفنانات الاخميميات ، يفيض النهر ، نعيش حلم الحرية والفن في 144 صفحة من القطع الكبير المصقول في اربعة فصول تحوي حكاوي وذكريات ، وقراءة في تاريخ اخميم ،من فم "لست عزيزة " السيدة التقية التي يتبارك بها اهالي اخميم ، وهي ابنة الشيخ ذنون المصري العالم الجليل الذي عاش في القرون الوسطي ،وكأنها عادت من عالمها الي عالمنا تحكي وتقص علي لسان لولا ،لتقدم لنا مغامرة فنية متميزة مع عضوات المركز التابع لجمعية الصعيد للتربية والتنمية ، وكيف بدات تلك المغامرة بتقليد دقيق للمطرزات المصرية التقليدية من العصور الفرعونية والقبطية والاسلامية ،ونقلت لولا بفرشاة قلمها تطور جدل العلاقة الابداعية بين الابرة والخيط ، وعناصر البيئة المحلية ، لتشرق الشمس من طيات الطاقة الكامنة تلك اللوحات وكأنها تروي عبر الوانها بلسان راوي شعبي يروي الذاكرة الجمعية المعبرة عن الثقافة الفنية الموروثة عبر الاف السنين .
ويصاحب هذا التوثيق المرئي تسير موازيا له لولا بالتحليل الفني لتلك اللوحات ، مع حكاوي حية لبعض الفتيات والسيدات الاخميميات ، او بعض من فريق السيدات المؤسس للمشروع لما يجول بخاطرهم تجاة الفن والمركز والحياة ، لتأتي لنا كلمات تلك الحكاوي كومضات وان لم ترتبط مباشرة بالموضوع الا انها تصبغ لوحات الكلام بالوان ذات بعد انساني واجتماعي متفرد ، تحمل معانية ضوء ينير خلفية المغامرة بالدفء، وتفضح الطابع الذكوري الذي تعيشة نساء الصعيد من معاناة وقسوة . اما الخاتمة : تقول فيها لولا : (الان وقد شارفت صفحاتي علي الانتهاء ، فأن الاحساس الذي يراودني وبقوة انني قمت بتوثيق حلم جميل ،ربما ينتهي في السنوات القادمة . وهذا محزن للغاية وبالنسبة لي . وسألت نفسي هل اقوم بكتابة هذة المخاوف ام لا؟ هل اذكر ان العمل لايتجدد؟ هل اكتب ان الفنانات الكبار سوف يمتن بعد عشر او خمسة عشر سنة ؟ وان الجيل التالي من الفنانات ، في ظروف بلدنا القاسية ، يعمل من اجل المال وليس من اجل الفن ؟ هل اكتب انة لايوجد في اخميم فتيات صغيرات يتعلمن من اول السطر ويبدعن هذا الفن المبتكر من جديد ؟ هل اكتب ان خيال الفنانات لن يتجدد الا بالرحلات وبالمشاهدات الجديدة وبسماع قصص شعبية اصيلة ؟ هل نقدم لهن فرص تسويقية مناسبة تضمن بيع حد معقول من اللوحات يضمن استمرار المسيرة وتطورها ، هل نقوم بعرضها للجمهور في معارض كافية ليكتشفها العالم من حولنا ؟ ) وتنتهي لولا بالقول :(لن اشعر ان ضميري مستريح اذ لم أعبر عن مخاوي وتوجساتي لابد ان نقرر الان ان كنا ننوي تخطي هذة العقبات ام لا ؟) سؤال موجة لوزارة الثقافة والمؤسسات الفنية القاهرية ذات المبهرجات اسف "المهراجنات"، ذات الضوضاء والصخب المبهر القاتم بلا معني . سليمان شفيق