نواصل فى هذا المقال رصد السباق بين الأمريكان والسوفييت فى تكنولوجيا الفضاء، إذ اتخذ مسارًا متصاعدًا ودعائيًا لافتًا. اتخذ السباق بين الدولتين شكلًا آخر، وهو إرسال الحيوانات المختلفة إلى الفضاء، إذ أرسل الاتحاد السوفيتى الكلبة «لايكا» إلى الفضاء عام 1957، لكنها ماتت بسبب الإجهاد وزيادة تسخين بعد وصولها إلى الفضاء بفترة وجيزة، ثم أرسلوا المزيد من الكلاب التى عادت بسلام. فى المقابل، جلب برنامج الفضاء الأمريكى قردًا من نوع شمبانزى من إفريقيا، وأرسلوا على الأقل ثلاثة إلى الفضاء قبل إطلاق أول رائد فضاء أمريكى. بينما أرسل السوفييت عام 1968 سلاحف، لتصبح أول حيوان يطير حول القمر. لكن تبقى تجربة الولاياتالمتحدة إرسال ذباب الفاكهة إلى الفضاء فى 19 يوليو عام 1947، هى الأولى لإرسال كائن حى إلى الفضاء بواسطة الصاروخ الألمانى V-2. ثم تطور السباق بين الدولتين ليأخذ منحى آخر، إذ أرسل السوفييت رائد الفضاء «يورى جاجارين» على متن مركبة الفضاء «فوستيك-1» فى ال12 من أبريل عام 1961، ليكون أول إنسان يصل إلى الفضاء، ويصبح هذا التاريخ هو يوم الفضاء العالمى، الذى تحتفل به كل من روسيا والعديد من دول العالم. وبطبيعة الحال، لا يفوت الأمريكيون فرصة أو تجربة سبقهم إليها السوفييت إلا وقاموا بمثلها، إذ انطلق رائد الفضاء الأمريكى «آلن شيبارد» إلى الفضاء ليقوم بدوران فرعى حول الأرض بعد 23 يومًا فقط من تجربة السوفيتى «يورى جاجارين». وتبعت هذه المحاولة محاولة أخرى للأمريكى «جون جلين» عام 1962، ليصبح أول أمريكى يدور حول الأرض، وعلى الجهة المقابلة أرسل السوفييت «فلينتينا تيريشكوفا» عام 1963، لتكون أول امرأة تصل إلى الفضاء، بينما كان رائد الفضاء السوفيتى «أليكسى ليونوف» هو أول إنسان يمشى فى الفضاء عام 1965، وهى الرحلة التى كادت تنتهى بكارثة عندما فشل فى العودة تقريبًا إلى الكبسولة. لا شك أن كلتا الدولتين نجحت فى سباق الفضاء، ووقفتا على قدم المساواة، ليبدأ تفكير المسئولين عن البرنامج الفضائى فى كلتا الدولتين الاتجاه للتفكير بشكل أكثر واقعية، وهو محاولة استكشاف القمر أولاً بالتصوير الفوتوغرافى، ثم الوصول لآلية للهبوط بسلام على سطحه. فإذا كان السوفييت أول من وضع قمرًا صناعيًا فى المدار، فإن الأمريكيين ركزوا جهودهم على إرسال مسبار فضائى إلى القمر. والمسبار هو مركبة فضائية آلية من دون طاقم ولا تدور حول الأرض، بل الهدف منها هو استكشاف الأجرام السماوية بأنواعها، ويكون وزنها وحجمها أكبر لما تشمل من أدوات مثل الكاميرات المتطورة وأجهزة مقياس الطاقة الإشعاعية والمغناطيسية إلى آخره، كما أنها تمكن العلماء من جمع البيانات فى موقع ما وإرسالها إلى الأرض فيما بعد. ومن الميزات التى تميز المسبار أو المركبات الفضائية هى طول المسافة بين المشغلين على الأرض والآلة، بخلاف تعقيد المهام ودقة نظام الملاحة والحمل فى ظروف غير مواتية مثل ضعف الطاقة الشمسية أو التعرض للأشعة الكونية وتحمل درجات الحرارة القصوى بخلاق طول مدة البعثة. وعلى كلٍ، فقد نجح السوفييت فى إرسال أول مسبار يصل إلى الوجه الآخر من القمر، وكذلك أول مسبار يهبط على سطح القمر عام 1959، فى الوقت نفسه كانت البرامج الأمريكية ناجحة فى إرسال المركبات وتحديد مواقع مناسبة لهبوط مركبات «أبولو» القمرية. فى عهد الرئيس الأمريكى جون كيندى ظهر مقترح التعاون والشراكة بين كل من الأمريكان والسوفييت فى تطوير الأقمار الصناعية لمراقبة الطقس وإنزال رواد الفضاء من البلدين معًا على القمر، لكن هذا المقترح قوبل بالرفض من السوفييت خشية سرقة التكنولوجيا المتفوقة الخاصة بهم. حينها، كان «كووليف» الرجل الأول فى وكالة الفضاء السوفيتية بدأ بتطوير تقنية مركبات فوستيك، فى حين بدأ فريق آخر فى بناء صواريخ جديدة، إذ كان «كوروليف» حصل على الإذن بالوصول والهبوط على سطح القمر، لكن وفاته وفشل رحلة «سيوز الأولى عام 1967، كان مؤشرًا إلى أن الأمر لن يتحقق فى المدى الزمنى القريب. فى حين تمكن الأمريكان من ذلك، ليكون «نيل أرمسترونج» أو إنسان يضع قدمه على القمر ففى الحادى والعشرين من يوليو عام 1969، وقد تابع هذا الحدث أكثر من خمسمائة مليون شخص من سكان الكرة الأرضية. ثم توالت الرحلات بعد ذلك إلى سطح القمر لتصل إلى خمس رحلات، ليتجه الأمريكان إلى بناء المحطة الفضائية «Sky Lab» لجمع بيانات، وكذلك وبرنامج المكوك الفضائى. وعليه، تراجعت حدة المنافسة والسباق، ليبدأ عصر جديد من المهام المشتركة بين علماء الدولتين، أولها هى المهمة «أبولو سيوز» عام 1975، إذ التحمت المركبة الفضائية السوفيتية «سيوز 19» مع المركبة الفضائية الأمريكية «أبولو»، ليتمكن رواد الفضاء الروس والأمريكان من العبور إلى مركبات بعضهم البعض وإجراء تجارب مشتركة. فى حين لا يسهل ذلك على الأرض، لتكتب هذه الرحلة نهاية السباق الذى بدأ منتصف القرن الماضى، واستمر لما يقرب من ربع قرن.