ثلاثة أيام، قضاها الرئيس سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان فى قاهرة المعز، نهاية الأسبوع الماضى، على رأس وفد رفيع المستوى، ضم السيد توت جال واق مستشار الرئيس للشئون الأمنية، والسيد مييك دينق وزير شئون الرئاسة، وبول ميوم وزير التجارة والصناعة، ليصبح أول زعيم أفريقى يزور قصر الاتحادية، خلال عام 2019. ولم تكن هذه الزيارة هى الأولى ل«سلفاكير»، بل تعد الثالثة منذ أن تولى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة البلاد، فقد زار رئيس دولة الجنوب مصر فى 2014، بمشاركة وفد ضخم ضم أكثر من 11 وزيرًا، وكذلك فى العام 2017 جاء للقاء الرئيس، وبحث التعاون المشترك، ثم هذه الزيارة التى تعد الأهم خاصة فى التوقيت الحساس، عقب التوقيع على اتفاق السلام، التى جاءت بعد عدة جولات من المفاوضات فى أكثر من دولة، لبحث سلام نهائى بعد فشل عدة اتفاقيات منذ اندلاع الصراع فى جوبا منذ عام 2013، حتى جاءت المفاوضات، ودعمها عدد من الدول منها مصر وإثيوبيا وأوغندا والخرطوم، لوضع نهاية للتوتر ودعم استقرار الجنوب. لذا جاء الرئيس سلفاكير إلى بلده الثانى مصر لطلب المساعدة فى خطوات تنفيذ اتفاق السلام المنشط، ومساهمة مصر فى خطوات التنفيذ لمرحلة ما قبل الفترة الانتقالية، والتى ستنتهى فى مايو المقبل، وكذلك مساندة مصر للجنوب فى المرحلة الانتقالية من دعم مادى وفنى، خاصة بعد أن رفع عدد من الدول يدها عن مساندة الجنوب، وتنصلت من وعودها ورفضت الالتزام، ومنها الاتحاد الأفريقى والإيجاد وبعض دول الاتحاد الأوروبى. ولذلك لجأت دولة الجنوب إلى شقيقتها مصر، التى تعد عمقًا استراتيجيًا مهمًا للمساندة والدعم، والذى وعد به الرئيس السيسى، مؤكدًا أنه لن يترك أشقاءنا الجنوبيين فى شقاء مرة أخرى، وجاء «التعليم» كأول الملفات التى تمت مناقشتها على طاولة المباحثات، حيث طلبت جنوب السودان مساهمة مصر فى تدريب المعلمين وطباعة الكتب الدراسية للعام الدراسى الحالى، الذى سيبدأ فى فبراير المقبل، وكذلك تجهيز الثلاث مدارس المصرية التى سيتم افتتاحها فى جنوب السودان قريبًا، أما ملف الرى والزراعة والصحة، فقد شهد عددًا من المناقشات التى أثمرت على خطوات جادة لمشروعات بين البلدين. ولم تكن مصر بعيدة عن الجنوب، فهى تحظى بعلاقات تاريخية وأهمية خاصة، جعلتها أول من يعترف بها، ويفتح لها قنصلية مصرية فى جوبا بعد الاستقلال عام 2011، وعملت مصر على مدار علاقاتها مع دولة جنوب السودان على توفير الدعم الكامل من مشروعات أهدتها الحكومة للجنوب، فى مجال إنشاء محطات كهرباء بعدد من الولايات أو حفر آبار أيضًا، وتوفير الخدمات الصحية عبر إنشاء عيادة مصرية فى العاصمة جوبا، والتى حظيت بثقة الجنوبيين، وأيضًا فى مجالات أخرى عديدة كانت لمصر بصمة مميزة فى الجنوب، والأهم هو أن مصر تحتضن واحدة من أكبر الجاليات الجنوبية التى تتخطى ال 60 ألف جنوبى، يقيم ويدرس ويعيش هنا. وتأتى هذه الزيارة فى توقيت مهم، قبل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى الشهر المقبل، تكاملًا لدور مصر الريادى والداعم للدول الشقيقة فى القارة السمراء، والتى تعد دولة جنوب السودان واحدة منها، حيث حظيت بود ومساعدة مصر عبر سنوات وسنوات قبل الانفصال وحتى بعده، فالعلاقات المصرية الجنوبية لها تاريخ طويل لا يستطيع أحد إغفاله أو تهميشه، فنحن أبناء نيل واحد و قارة أفريقية واحدة.