طفايات حريق وكابلات كهربائية مغشوشة تصعق المصريين وتنتشر فى شارع الجمهورية تختلف الأسباب والنهاية واحدة، شرارة أولى تهرول فى عجل باحثة بكل شراسة عمن يحتضنها لتتحول إلى حريق ضخم يلتهم كل ما يقابله من أثاث، أوراق، أجهزة وغيره، فتأكل ولا تشبع عازمة ألا تترك شيئًا حتى تحيله إلى رماد، تقاومها صرخات الأطفال وكل من يقوده القدر إلى التواجد فى طريق ذلك الوحش الكاسر حتى كبار السن، فلا تفرق بين شاب وشائب، ولا يطمئنهم إلا تحرك أحد ما نحو «طفاية حريق» مثبتة بأحد أركان المكان، فيعلوا صوت القلوب بدقات أمل جديدة تؤذى مسامع هذا الوحش الكبير المسمى «بالنار». هذا مشهد قد ينتهى بضغطة من يد حامل طفاية الحريق إما بخير أو خيبة أمل كبرى، فمع تلك الضغطة من المنتظر أن تنطلق مادة الإطفاء، وهو ما قد يسعف القدر به أو تكون النهاية المؤسفة بانطلاق مادة أخرى مغشوشة، أو عدم انطلاق أى مادة من الأساس، فحتى طوق النجاة المسمى بطفاية الحريق وصلت يد الفساد لتجعل منه الصالح والفاسد، ومع كثرة اشتعال الحرائق فى مصر، وآخرها حريق الموسكى، قمنا بتتبع هذا الخيط لكشف تفاصيل أسباب الحرائق فى مصر. «شارع الجمهورية» المعروف باسم شارع «الطفايات»، هو أحد أهم قلاع التجارة فى طفايات الحريق، ففى الشارع الواقع فى حى الموسكى والممتد بين ميدان رمسيس وحتى ميدان عابدين، توجد أحد أهم مناطق بيع مهمات الأمن الصناعى، ومنها بالطبع طفايات الحريق. «الصباح» ذهبت إلى هناك وقامت بجولة أجرت خلالها عددًا من المقابلات مع التجار وأصحاب المحال للوقوف على أهم الشركات فى هذا المجال والأسعار وكيفية التأكد من صلاحيتها وسلامتها، والفرق بين السليمة والمغشوشة من تلك الطفايات. شارع كبير تملأه التقاطعات وتتجاور المحال الصغيرة جنبًا إلى جنب بجوار التوكيلات الكبيرة، ومعهم مئات الأكشاك والسيارات الصغيرة التى تعرض على أبوابها كل ما يتعلق بأجهزة مكافحة الحرائق والسلامة المهنية من زى وبدل وأحذية وقبعات. فى تقاطع شارع الريحانى كان الحاج محمد جالسًا أمام محله، وقال: إن هناك حارة تسمى حارة «تبارك» بجوار مسجد المنطقة، وهناك يتم «ضرب الطفايات»، وانتقل التجار إلى تلك الحارة منذ ما يقارب السبع سنوات. بينما قال «أسامة بهاء الدين» نائب مدير فرع «بافاريا»: إن هناك مواد يتم إضافتها وملئ الطفايات القديمة بها، وهى مادة ال«سبيداج» أو كسر البلاط بديلًا للبودرة الأصلية، وبذلك تصبح الطفاية فى حكم العدم. وركز فى شرحه للعلامات التى يمكن للمشترى أخذها فى باب الاحتياط عند شرائه لطفاية جديدة على عدد من النقاط، وهى عدم انتظام وصحة الكلمات المكتوبة على جسم الطفاية، وتحريف الاسم الأصلى للعبوة، بالإضافة إلى رداءة ألوانها. وأكد أن الشركة الأصلية تقوم كل فترة بعملية تحديث لمواصفات وعلامات الأمان على العبوة، ولكن رغم هذا فبعضهم بارع فى تقليد تلك العلامات بشكل كبير، لافتًا إلى أنه من المستحيل أن تكتب الشركة الأصلية بطريقة إملائية خاطئة، متسائلًا: «طيب اللى مش عارف يكتب كلمتين صح.. هايعمل مادة تطفى حريقة إزاى بس؟ ماتسترخصوش يا جماعة». كابلات مغشوشة ليست الطفايات وحدها السبب لكن هناك فاعل خفى يظهر دائمًا مع كل حريق، ويتردد على مسامع الناس بأنه السبب الرئيسى، ألا وهو «الماس الكهربائى»، وينتج غالبًا جراء التحميل الزائد على الأسلاك وزيادة الأحمال ومع فصل الصيف وارتفاع الحرارة تزداد خطورته خاصة بعد معرفة انتشار أسلاك رديئة الصنع يتجه إليها العديد من المشترين نظرًا لانخفاض سعرها، وهو ما يعتبرونه توفيرًا ولا يدركون الجانب الكارثى منه. «باسوس» بالقليوبية صاحبة السمعة الأشهر فى مجال صناعة الكابلات المضروبة، يكفيك الذهاب فقط إلى «منطقة المصانع»، لترى بعينك كيف تتم عملية صناعة تلك الأسلاك والكابلات بأرخص الخامات. الدكتور حافظ سلماوى، رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء السابق، قال فى تصريحات صحفية: إن هناك الكثير من الأسباب التى تؤدى إلى حدوث ماس كهربائى، أهمها عدم الاهتمام بصيانة الكابلات فى موعدها، بالإضافة إلى عدم مناسبة الكابلات فى التوصيلات الكهربائية. 20 ألف حريق سنويًا يسفر عن ضحايا تجاوز عددها 225 قتيلًا و750 مصابًا، خسائر مادية حوالى 30 مليون جنيه، كان بطلها عدم وجود إجراءات الأمان المناسبة أو وجود طفايات حريق غير مطابقة للمواصفات، وهو ما أثبتته الدراسات، كان القطاع العام وشهرا مايو ويونيو هم أبطال الفيلم كل عام بانتشار الحرائق بهم والهدف المعروف هو إخفاء السرقات قبل الجرد السنوى للمخازن. بينما قدر المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية فى آخر دراسة له حجم الخسائر المالية الناتجة عن الحرائق ما يقارب 28 مليون جنيه. وفى تصريحات ل«الصباح» قال اللواء محمد أبو شادى، الخبير الأمنى: إن أحد أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار الحرائق فى عشرات المصانع هذا العام يرجع إلى ارتفاع درجات الحرارة، والذى يؤدى إلى تنشيط الحرائق فضلًا على أن عددًا كبيرًا من تلك المصانع تحتوى على مذيبات عضوية تتفاعل مع الحرارة العالية وتؤدى فى أغلب الأحيان إلى انفجارات. وأضاف أبوشادى أن السبب الرئيسى والذى يتجاهله الكثير هو جشع أصحاب تلك المصانع وتعمد الإهمال فى وسائل الدفاع المدنى وغياب أنظمة الأمن والسلامة والصحة المهنية، والذى يتعمد أصحاب تلك المصانع تجاهلها وعدم النظر إليها نظرًا لارتفاع تكاليفها فيلجأ الكثير منهم إلى خفض ميزانية ذلك البند من أجل توفير النفقات وتحقيق مكاسب هائلة. ونصح الجهات الحكومية المنوط بها منح تراخيص تلك المصانع أو تجديدها بوضع عدد من الشروط التى تلزم أصحاب تلك المصانع بالاهتمام بإدارة السلامة والصحة المدنية بالإضافة إلى ضرورة إقامة مصانع بعيدًا عن المناطق ذات الكثافة السكانية حتى لا تتسبب فى كارثة، فضلًا عن تخزين المواد القابلة للاشتعال فى مكان منعزل بعيدًا عن أشعة الشمس أو أى مصدر للشرارة الكهربائية، موضحًا أنه يجب تزويد المنشأة بعدد كاف من السلالم المتنقلة وضرورة تدريب جميع العاملين على كيفية التعامل مع الحرائق والتصدى لها مع تواجد أجهزة إنذارات لتنبيه العاملين حال حدوث حرائق لسرعة التصرف فى مواجهتها.