وجه شاب آخر انضم مؤخرًا إلى قائمة رؤساء القارة السمراء، ليعطى شعاع أمل نحو التغيير للأفضل، ولكى تجرى دماء شبابية جديدة فى سدة حكم دول إفريقية أهلكتها الشيخوخة، وها هو الرئيس الجديد لزيمبابوى مثال حى على ذلك، فقد فاز نيلسون شاميسا الذى يبلغ من العمر الأربعين عامًا -زعيم المعارضة فى بلاده- بأغلب الأصوات خلال الانتخابات، ضد نظيره الذى يبلغ عمره 75 عامًا. الانتخابات الرئاسية فى زيمبابوى، خطوة جادة وجريئة، حيث نافس شاب على رئاسة دولة إفريقية عريقة، مما يبعث على التفاؤل حول وجود مستقبل مشرق، مخالف للأعراف والتقاليد القبلية لأغلب دول القارة السمراء، التى يموت أغلب حكامها على كراسيهم بعد الوصول للشيخوخة، أو حتى الاستمرار بأعمار كبيرة دون تغيير الدماء وتجديد سياسات الحكم، وهكذا حال أغلب الدول الإفريقية كأوغندا والسودان والكونغو وغيرها، والتى تتجاوز فيها فترات الحكم الرئاسية الثلاثين عامًا دون تغيير، وهذه أحد أهم الأسباب لانهيار الدول وسقوطها دون وجود بديل، ولكن أعطت بعض التغييرات التى تحدث فى القارة الآن مؤشرات إيجابية على إمكانية إتاحة الفرصة للشباب والأفكار الجديدة للمساهمة فى الحكم. وهذا ما حدث أيضًا فى إثيوبيا منذ بضعة أشهر، عندما تولى آبى أحمد رئاسة وزراء دولة إثيوبيا بعد فترة من عدم الاستقرار، أثارت الفوضى فى البلاد، وكادت تشعل ثورة قبلية بين قبائل إثيوبيا، ولكن جاء آبى أحمد البالغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، والمنحدر من قبيلة الأورومو أحد أبرز وأشهر القبائل هناك، ليغير واجهة إثيوبيا ويصنع المعجزات، كما يقولون، ويستطيع توحيد القبائل على قلب رجل واحد، وهو حب الوطن والوقوف بجانبه نحو التنمية والنهضة، ورغم فترة حكمه القصيرة إلا أنه استطاع إنجاز عدد من الأعمال لم يستطع غيره القيام بها منذ عقود، أهمها الصلح التاريخى الذى بادر به لاسترجاع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، بعد قطيعة دامت أكثر من عشرين عامًا، وكذلك مبادرات فك الأسرى التى يجول بها العالم، من السعودية ومصر وأمريكا وفرنسا وغيرها، لمحاولة لم شمل الإثيوبيين، بل والسماح لمن تم منعهم من السياسيين بالعودة مرة أخرى للبلاد، والكثير من الإصلاحات ومحاولة التنمية لإعمار البلاد بمختلف ولاياتها شمالًا وجنوبًا، حتى أن البعض من الشخصيات العامة والسياسيين رشحه لجائزة نوبل للسلام، فهو رجل رغم قوة شخصيته وذكائه، إلا أنه بسيط ومتواضع أجمع على حبه كل فئات الشعب، ليس فقط الإثيوبيين بل أصبح من الشخصيات الدولية المؤثرة فى المنطقة. وقد توقع المحللون أن يصبح آبى أحمد زعيم زعماء القارة ليملأ الفراغ الإفريقى، ومثال على ذلك قيامه بوساطة ومبادرة المصالحة بين أطراف النزاع بدولة جنوب السودان المعارض رياك مشار، بعد فترة من الإقامة الجبرية له فى جنوب إفريقيا، ومن المتوقع أن يحضر آبى أحمد الأسبوع الجارى حفل التوقيع التاريخى على اتفاقية السلام لدولة جنوب السودان، والتى تستضيفها دولة السودان بحضور عدد من رؤساء الدول منها أوغندا ومصر. ويا ليت هذه الوجوه المشرقة تكون عبرة ومثالًا تحتذى به أغلب الدول الإفريقية الغارقة فى العنصرية والفساد، حتى تحذو حذو التنمية دون الانشغال بتقاسم السلطة والثروة وإلغاء القبلية، والتى تشعل فتن الحروب لتدمر دولاً بالكامل، مثلما حدث فى جنوب السودان الدولة الوحيدة التى كانت تصعد بسرعة الصاروخ إلى القمة والتنمية حتى عام 2013، عندما اشتعلت المناوشات بين الرئيس ونائبه إلى أن أصبحت حرب قبلية ضارية أهلكت الدولة وطرحت اقتصادها أرضًا، ولم تستطع حتى الآن أن تتعافى. ومن الدول المُشرّفة أيضًا، والتى استطاعت استغلال روح الشباب فى التنمية والتقدم، ليس فقط الشباب بل المرأة، هى دولة رواندا التى تعافت من أكبر مذبحة بشرية عرفتها القارة السمراء عام 1994، بين قبيلتى الهوتو والتوتسى حيث أودت بحياة أكثر من مليون ومائتى ألف شخص فى أقل من مائة يوم، ولكن مع ذلك تكاتف الشعب واستعان بالشباب والمرأة حتى أصبحت رواندا أكثر دول العالم تنمية وفق منظمة الكوميسا، وباتت قبلة القارة فى السياحة والاستثمار والرقى، يضرب بها العالم مثالًا نحو الإصرار والمثابرة حتى النجاح بمقومات شابة، وحكم رشيد غير فاسد، فقد نجحت رواندا فى مكافحة الفساد بنسبة تقدر بنحو 90فى المائة، مستعينة بالعنصر البشرى الأقوى دائمًا وهى المرأة، حتى وصلت نسبة تمثيل المرأة فى الوزارات والبرلمان أكثر من 40فى المائة، وهذا خلافًا للأعراف الإفريقية والموروثات القبلية. هذه الأحداث وغيرها تدل على أن القارة السمراء تتغير وتعطى فكرًا جديدًا للعالم، ويدفعنا للتساؤل: لماذا لا تكون إفريقيا قارة التقدم والتنمية تلهث وراءها كل الدول الكبرى؟ مثلما يفعل العالم مع الغرب، فقد حباها الله بثروات طبيعية لا حصر لها، يمكن أن تؤهلها لتكون قبلة العالم فى التنمية، ومخزون غذاء العالم كما درسنا منذ الصغر، ولكن هناك العديد من الخطوات والتغيرات التى لابد أن تفعلها مثل هذه الدول حتى تصبح ما تتمنى، فإلغاء الفكر القبلى يأتى أولوية أولى، حتى تتساوى الشعوب وتنظر حول هدف واحد وأعمق، وهو مصلحة الدولة وليست مصلحة القبيلة، وكذلك لابد من التغيرات الجذرية بأغلب الحكومات، خاصة التى تعانى من الشيخوخة والوهن والأفكار العقيمة، واستبدالها بروح الشباب والنشاط والحيوية والانشغال بالبناء وليس الخراب على حساب النفس، والقضاء على الرشوة والفساد المنتشر فى القارة باستشراء، نحو تقاسم الثروة والسلطة، مثلما تنشغل أغلب الدول القديمة مثل جنوب السودان والكونغو وغيرها، ولكن لابد أن يتكاتف الشعب نحو هدف واحد، وهو التنمية لمستقبل أفضل للأجيال القادمة، التى سوف تنعم برخاء واستقرار تزرعه هذه الأجيال بالعلم والاستقرار والأمان، الذى توفره للقارة السمراء الواعدة.