طرحت القمة الألمانية لمجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا، التى أقيمت بالعاصمة برلين، الأسبوع الماضى، تحت شعار «الاستثمار فى مستقبل مشترك» العديد من التساؤلات حول دور هذه القمم والمؤتمرات وأثرها على انتعاش الاقتصاد والاستثمار فى القارة السمراء، إذ إن كثيرًا منها تعقد فى عديد من الدول الأوروبية، وهناك بعض الاهتمام العربى بها لكن على استحياء، لكن هناك تساؤلات حول مدى استفادة القارة من هذه المؤتمرات، وهل ستساعد فى جذب استثمارات لبلدان إفريقيا التى تعانى من انتشار الفساد والفقر والجهل، علاوة على وجود أعمال عنف وقتال فى بعض الدول. وجاءت نتائج قمة ألمانيا حول الاستثمار بالقارة السمراء مبشرة، حيث دعت إلى المساهمة فى تمويل المشروعات الجادة، بالتعاون مع الحكومات الإفريقية، إذ إن القارة السمراء لديها مقومات التنمية والنمو الاقتصادى، لكن ينقصها التمويل الذى يتيح لها تحقيق طفرة تنموية على جميع الأصعدة، إذا توفر هذا التمويل، حيث دعت هذه القمة للاستثمار فى البنية التحتية فى الدول الإفريقية لتطويرها وتحديثها، بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، إذ إنها بحاجة إلى آليات جديدة، وغير تقليدية لتمويل بنيتها التحتية لإنشاء شبكة طرق وسكك حديدية تربط أرجاء القارة بعضها البعض. هذه المشروعات يمكن أن تحدث نقلة كبيرة فى إفريقيا، وتساعد على تحقيق التنمية بتمويل من مؤسسات التمويل الدولية والدول المتقدمة، وبالتعاون مع الحكومات الإفريقية لتقديم القروض اللازمة لذلك. وتسعى الكثير من الدول المتقدمة الأوروبية وأمريكا إلى اقتناص الفرص لاستثمار الخيرات غير المستغلة حتى الآن بالقارة السمراء. الحكومة الألمانية خلال قمة مجموعة العشرين التى عقدت للترويج لتنمية القارة الإفريقية من خلال استضافتها عدد كبير من قادة القارة السمراء لتشجيع الاستثمار، والحد من الهجرة خارج إفريقيا، والسفر إلى أوروبا وأمريكا حيث ترغب الكثير من الدول المتقدمة ومنها ألمانيا وبريطانيا بتنمية القارة السمراء، حيث شارك فى القمم السابقة عدد من زعماء الدول الإفريقية المهتمة بهذا الشأن منها غينياوغانا وإثيوبيا وساحل العاج والسنغال والنيجر ومالى ورواندا، وقد خصصت ألمانيا حاليًا مساعدات إضافية بقيمه 300 مليون يورو لدعم الدول الإفريقية الراغبة فى إجراء إصلاحات اقتصادية جادة ومحاربة الفساد ودعم الشفافية وتطبيق حقوق الإنسان، كذلك مساعدة الدول الفقيرة، والمتعثرة اقتصاديًا بعدما تم إطلاق شراكة بين دول مجموعة العشرين وبعض الدول الإفريقية أطلق عليها «كومباكت ويذ إفريكا» منها ساحل العاج والمغرب ورواندا وتونس. أما جنوب إفريقيا هى الدولة الإفريقية الوحيدة العضو فى مجموعة العشرين التى لم يسبق أن أدرجت النمو الاقتصادى فى إفريقيا على جدول أعمال قمم المجموعة التى عقدت حتى الآن. اهتمت ألمانيا بمنح أولويات كبرى لإفريقيا لتكوين فرصة لاجتذاب الاستثمارات، وخلق الوظائف بدلًا من أن تمنحها مساعدات مالية مؤقتة، وهذا يمكن أن يحد بشكل كبير من الهجرة خارج إفريقيا خاصة إلى أوروبا، إذ إنها بدأت تزداد بشكل غير طبيعى خلال الفترة الماضية، وكانت ألمانيا قد استضافت أكثر من مليون لاجئ فى السنوات الأخيرة خاصة من سوريا والعراق وأفغانستان وبعض الدول ذات الصراعات القبلية فى إفريقيا. قمة الشراكة الأخيرة دعت إلى التفاؤل وطرح الأمل لعدد من الدول الإفريقية للالتحاق بركاب التنمية، مع إعلان ألمانيا برنامج لتنمية إفريقيا والذى يشبه مشروع «مارشال» الذى أعاد إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وسيبدأ البرنامج بدول رواندا والسنغال والمغرب وتونس، لكنه مفتوح لكل الدول الإفريقية حيث ستقدم الدول الغنية والمتقدمة مساعدات تنموية تبلغ نسبتها 7. فى المائة من الناتج المحلى لكل دولة، ما يساعد على تشجيع التنمية وتوفير فرص العمل والوظائف للحد من الهجرة غير الشرعية، خاصة من دول جنوب الصحراء حيث يعبرون إلى السواحل الإيطالية من خلال ليبيا بسبب الانفلات الأمنى والسياسى، فلو تم معالجة أسباب الهجرة ستفتح آفاق جديدة وأمل جديد لشعوب هذه الدول، إذ إن تأمين آفاق مستقبلية للشباب يتطلب من دول إفريقيا إجراء إصلاحات، مع العلم أن عدد الشباب فى إفريقيا خلال 50 عامًا سيصبح أكثر من عدد الشباب فى كل دول مجموعة العشرين. وفى إطار التنمية والاستثمار فقد بلغ ثلث البلدان الإفريقية مستويات تنمية متوسطة أو مرتفعة فى مجالات الصحة والتعليم ومستوى الحياة، علاوة على أن 18 دولة إفريقية من أصل 54 فى القارة السمراء ارتفع متوسط مستوى التنمية، رغم أن مستوى التنمية البشرية مازال بطيئًا، إذ يصل إلى أعلى المعدلات فى شمال إفريقيا فيقترب من المتوسط العالمى، لكن رغم ذلك فإن 544 مليون إفريقى من إجمالى عدد سكان البالغ 1.2 مليار نسمة، مازالوا يعيشون تحت خط الفقر. وسجلت رواندا تليها غانا وليبيريا أكبر تقدم على صعيد مكافحة الفقر منذ عام 2005، وأعدت رواندا برنامج تأمين صحى جماعى يتيح فرصًا لكل تسعة من أصل عشرة مواطنين للحصول على ضمان صحى، وفى شمال إفريقيا أيضًا تطبق مصر وتونس هذا النظام، وعلى الرغم من أن كثيرًا من بلدان القارة السمراء سجلت تراجعًا حادًا فى نموها الاقتصادى، إلا أن البعض الآخر كإثيوبيا ورواندا وتنزانيا استمروا فى تحقيق معدلات نمو سنوية تزيد فى المتوسط على 6 فى المائة، وهناك بضعة بلدان منها كوت ديفوار والسنغال من أفضل البلدان من حيث الأداء الاقتصادى، ومن المتوقع ارتفاع إجمالى الناتج المحلى الحقيقى فى إفريقيا خاصة فى جنوب الصحراء بنسبة 2،9 فى المائة فى 2017 ويرتفع ليصل إلى 3،6فى المائة فى عام 2018. وسيظل الأداء الاقتصادى حتى نهاية عام 2017 متوازنًا بين البلدان، وكان لاتفاق مجموعة العشرين مع إفريقيا صداه الكبير حيث يتيح هذا الاتفاق لبلدان إفريقيا تحسين ظروف الاستثمار، بما فى ذلك الهياكل الأساسية مع تطوير والتنسيق لخفض مستوى المخاطر بالنسبة لاستثمار الخاصة من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية وتعزيز المؤسسات، ومع مرور الوقت فإن الزيادة الناتجة فى الاستثمار ستعزز النمو الاقتصادى والإنتاجية، وتحقق فرص العمل وترفع مستويات المعيشة على النحو المتصور فى برنامج الاتحاد الإفريقى لعام 2063، إذ إنها مبادرة طويلة الأجل يحركها الطلب، ومفتوحة لجميع البلدان الإفريقية المهتمة بتحسين بيئتها الاستثمارية على أساس مستدام مع التعاون فى صناع القرار للبلدان الإفريقية الذين سيحددون ما يريدون التعاون، وبأى شكل فلن تكون هذه المبادرة ناجحة إلا إذا امتلكتها البلدان الإفريقية حيث إنه حتى الآن انضمت خمس بلدان فقط لهذه المبادرة وهى كوت ديفوار والمغرب ورواندا والسنغال وتونس وستنضم غانا وإثيوبيا هذا الشهر. ليكون ناتج اجتماع مجموعة العشرين حول إفريقيا مثمرًا فعليًا، فعلينا معرفة من هى أفضل الدول الإفريقية التى تملك مناخًا جيدًا للاستثمار والاستقرار وفرص العمل والإنتاج، إذ إن العديد من المستثمرين ورجال الأعمال وخبراء الاقتصاد يؤمنون بأن إفريقيا هى قارة المستقبل حيث تتوافر العديد من الفرص الاستثمارية المتميزة، وفيها يسهل ممارسة الأعمال التجارية والأنشطة الاستثمارية، علاوة على انخفاض التكاليف مقارنة بمختلف دول العالم، وكذلك ضعف المنافسة، ما يضمن لأى نشاط استثمارى النجاح. وتأتى على رأس أفضل الدول الإفريقية صاحبة المناخ الاستثمارى الجيد موريشيوس حيث يقوم اقتصادها على السياحة تليها رواندا الثانية إفريقيًا، حيث استطاعت النهوض بعد الحرب الأهلية والإبادة، وتأتى ثالثًا بوتسوانا التى كانت أفقر دول العالم حتى استقلالها عام 1966 وقد حلت جنوب إفريقيا بالمرتبة الرابعة لإجراء إصلاحات اقتصادية وتشجيع الاستثمار وجاءت كينيا بالترتيب الخامس لأعلى اقتصاديات فى إفريقيا وجذبًا للاستثمارات فى العالم، يليها سيشل التى تعتبر مجموعة من الجزر وبعدها زامبيا ثم غانا وجاءت فى آخر القائمة ناميبيا المستقرة اقتصاديًا وسياسيًا.