دقت الثانية عشرة، الملك ووزرائه موجودين في مبنى النواب بالقرب من التحرير، اكتشفت اخيرا حيلة مجموعة من الضباط يسعون للانقلاب على نظام الحكم.. وتلقي جمال عبد الناصر، أخبار تفيد بإن القصر ينوي القبض على 13 من الضباط المنتمين للتنظيم والاتجاه لتعيين حسين سري وزيرا للحربية فاجتمع مجلس قيادة حركة الجيش او ثورة الثالث والعشرين من يوليو كما سميت فيما بعد لاقرار الخطة التي وضعها زكريا محي الدين بتكليف من جمال عبد الناصر ومعاونه عبد الحكيم عامر حيث تقوم الكتيبة 13 بقيادة احمد شوقي المكلف بالسيطرة على قيادة القوات المسلحة في سرية كاملة وقرروا ان تكون ساعة الصفر –الساعة الواحدة -ليلة الاربعاء 23 يوليو 1952واتفق الضباط ايضا على ان يكون مركز نشوب الثورة في منطقة ثكنات الجيش من نهاية شارع العباسية الى مصر الجديدة واتفقوا على الترتيبات الاخيرة. جمال- احنا لازم نتحرك حيدر عرف كل حاجة ومستحيل يطلع علينا نهار - اتصل بالسادات وبلغ الناس تتحرك بسرعة - السادات مش موجود عبدالحكيم اتصل بيه مش موجود محمد نجيب في منزله حتى لا يحرك إليه الانظار، بعد واقعة انتخابات نادي الضباط، عبد الناصر قرر ان يكون كبش الفداء "اضربوا المبني باللي فيه لو حكمت.. البلد لازم تتحرر". الساعات الاولى من الصباح، حيدر باشا يتصل على اللواء محمد نجيب -عيب اللي بتعملوا دا يانجيب ميصحش -معرفش سياتك بتتكلم على ايه هتافات تعبر عن تضامن الشعب مع الجيش، وبيان رقم واحد بصوت أنور السادات. "جمال عبد الناصر" يروي تفصيل ليلة الثورة : لم يتم تبليغ جميع الظابط... وعددنا كان قليل للغاية ،بهذه العبارات يروي جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية انذاك تفصيل رواية ثورة غيرت مجري التاريخ المعاصر وفتحت الأبواب على مصرعية للحرية والكرامة وكانت زيادة اعداد لأجانب هي السمة الرئيسية فى البلاد ، ومن أجل حمايتهم دائماً ما كان يتدخل الاحتلال البرطاني فى الشؤون المصرية لحماية مصالح هؤلاء الأجانب مع وجود نظام ملكي ضعيف وهاش لا يستطيع أن يفعل شيئ ومنذ بداية عام 1952 تدهورت الحياة السياسية ولم تعد وزارة الوفد التى شكلها مصطفى النحاس باشا والذى استقال أكثر من اعتراضا على الاوضاع ، ولم تكن الحكومة قادرة على مواجهة الأحداث بعد إلغاء معاهدة 1936 م وما يترتب على ذلك من قيام القوات الإنجليزية بأعمال وحشية ضد المدنيين العزل فى البلاد. وتوالت على مصر أربع وزارات فى فترة لا تتجاوز ستة شهور، مما يدل على مقدار ما تعانيه البلاد من اضطراب سياسي واقتصادى وعجز هذه الوزارات عن مواجهة هذا الموقف ولم يكن ضباط الجيش ببعدين عن تلك الأحداث خاصة فى القاهرةوالإسكندرية وفى ما تعانيه البلاد من فساد ولم يجد هؤلاء الضباط سوى الاعتماد على النفس والرهان على الشعب المصري . وتقرر عنه تشكيل خلاية تسمي الضباط الأحرار من القوات المسلحة بمختلف فروعها ، فضلاً عن تشكيل مجموعات من المدنين. ليلة تحقيق حلم الثورة: وفى تمام الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الاربعاء 23 يوليو 1952 وبعد ان نجحوا فى السيطرة على القاهرة اعلنوا بيان الثورة الأول وعمت الفرحة أرجاء البلاد وكانت جامعة الإسكندرية اولى الهيئات التى أرسلت تأييدها للثورة فأثبتت الاسكندرية انها كانت سباقة الى مناصرة كل الحركات التحريرية. وفى ذلك الوقت كان الملك والوزارة والقائد العام للقوات المسلحة بالإسكندرية لايدرون شيئا عما يحدث فى القاهرة، وفؤجى الملك بقيام الثورة وبهذا التأييد العارم من إجماع الشعب وفى 24 يوليو أرغم الملك على تكليف على ماهر بتشكيل الوزارة الجديدة . وشهدت الاسكندرية رحيل فاروق اخر من حكم مصر من سلالة الأسرة العلوية كما شاهدت مجئ محمد على قبل ذلك بقرن ونصف من الزمان كجندى فى الجيش العثمانى وبذلك تكون الإ سكندرية نقطة البداية والنهاية. "عمل وطني " لاينتمى لأحزاب وكان تشكيل الضباط الاحرار ذا طبيعة خاصة لا تنفرد باتجاه معين ولا تنتمي لحزب سياسي واحد فلقد كانوا من مختلف الاتجاهات السياسية. اكتساب الثورة تأييد شعبي جارف من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة. لتخاذ قرار حل الاحزاب والغاء دستور 1923 بعد ستة اشهر من قيام الحركة والالتزام بفترة انتقال محددة هي ثلاث سنوات يقوم بعدها نظام جمهوري جديد.
تميزت الثورة بالمرونة وعدم الجمود في سياستها الداخلية لصالح الدولة حيث لم تجمد سياسة الثورة الخارجية في مواجهة الاستعمار بعد رفض امريكا امدادها بالسلاح وسحب عرضها في بناء السد العالي واتجهت الثورة الى اطراف اخرى من اجل تنفيذ المشروعات القومية. وفي المجال السياسي تبنت الثورة فكرة القومية العربية ، وسعت إلى مساندة الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار ، وحققت الوحدة مع سوريا واليمن ، كما سعت إلى محاربة الاستعمار بكافة صوره وأشكاله في أفريقيا وآسيا ، وكان لمصر دور رائد في تأسيس جماعة دول عدم الانحياز. الإسكندارية تودع الملك الفاروق : وفى يوم السبت 26 يوليو 1952 توجه القائد العام وبرفقته أنور السادات الى مقر الوزارة بالاسكندرية وقابل رئيس الوزارء واتفقا معه على ان يقوم بتقديم إنذار للملك فاروق بالتنازل عن العرش. وقام الملك فاروق بتوقيع وثيقة التنازل فى 26 يوليو 1952 وفى الموعد المحدد توجه الملك فاروق الى رصيف الميناء وبرفقته سفير الولاياتالمتحدة ليكون فى حمايته وقبل السادسة مساء استقل الملك فاروق لنشا الى اليخت المحروسة .