لا يزال الجميع يحلف بحياته و مصر فى عهده، لايزال الجميع يتمناه لو دام لوقت أطول، لايزال الجميع يشهد بجم أعماله ورجولته و حفاظه على الكرامة المصرية والعربية، تغنت بانجازاته الكثير من الأغانى " بالأحضان"، " صورة"، " حكاية شعب"، و غيرها الكثير من الأغانى التى تعزف أنشودة الوطنية على أوتار قلوبنا، مفجر ثورة 23 يوليو 1952، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ولد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى 15 يناير 1918 بحى باكوس بالاسكندرية، و لكنه لم يخل من العرق الصعيدى، فكان والده من قرية بنى مر محافظة أسيوط، و لكنه نشأ و تعلم و قضى فترة كبيرة من حياته فى الاسكندرية قبل انتقاله إلى القاهرة تبعا لعمل والده. بدأ عبد الناصر عمله السياسى عام 1930 بمحض الصدفة، إذ وجد مظاهرة تسير فى ميدان المنشية بالاسكندرية متزامنة مع موعد انصرافة من مدرسته –رأس التين-فانضم إليها دون علمه بمطالبها، و علم بعدها أن منظمها هو حزب مصر الفتاة، للتنديد بالاستعمار الانجليزى فى مصر، و حبس عبد الناصر على إثر هذه المظاهرة ليلة واحدة ثم أخرجه والده. انتقل عبد الناصر مع والده إلى القاهرة عام 1933 و كان حينها ملتحقا بمدرسة النهضة الثانوية بحى الظاهر فى القاهرة، و فى عام 1935 قاد الزعيم الراحل أول مظاهرة فى حياته السياسية ضد الحكم البريطانى،على إثر قرار وزير الخارجية آنذاك صمويل هور بعدم عودة الحياة الدستورية إلى مصر، و أصيب عبد الناصر فى هذه المظاهرة فى جبينه تسببت فيه رصاصة ضابط إنجليزى. تقدم عبد الناصر فى عام 1935 للإلتحاق بالكلية الحربية و قد نجح فى الكشف الطبى و لكنه فشل فى كشف الهيئة ؛ نظرا لأن والده فلاح بسيط، ولا يمتلك واسطة، إضافة إلى مشاركته فى مظاهرات ضد الحكومة، و لكن هذا لم يعرقل طريقه، تقدم فى أكتوبر 1936 للالتحاق بكلية الحقوق جامعة القاهرة، و بعد ستة أشهر عقدت معاهدة 1936 و أعلن الجيش المصرى عن طلبه دفعات جديدة لدخول الخيش بغض النظر عن طبقتهم أو مستواهم الاجتماعى، فقرر عبد الناصر التقدم مرة أخرى للكلية الحربية، و استطاع مقابلة وكيل وزارة الحربية آنذاك اللواء إبراهيم خيرى الذى أعجب بطموحه و إصراره على التواجد داخل صفوف الجيش المصرى فتم قبوله ضمن الدفعات الجديد و هكذا شرع الزعيم الراحل فى أولى خطواته لتحقيق حلمه فى تحرير مصر و الارتقاء بمعيشة شعبها. كان هدف عبد الناصر فى الكلية الحربية أن يكون ضابطا ذا كفاءة عالية، و قد كان، فقد ترقى و أصبح رئيس فريق، و فى عام 1938 أسندت إليه مهمة تأهيل الطلبة المستجدين و الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر، و طوال فترة تواجد عبد الناصر فى الكلية الحربية لم يوقع عليه أية عقوبات، بل ترقى إلى رتبة أومباشى طالب. التحق عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاه، و انتقل إلى الصعيد، و أتاح له هذا النظر إلى أحوال صعيد مصر و الطبقى الكادحة من الفلاحين مما زاده إصرار على تحسين أوضاع البلاد، و فى عام 1939 طلب جمال الانتقال إلى السودان، و خدم فى الخرطوم و فى جبل الأولياء، و كان قد التقى هناك بعبد الحكيم عامر و زكريا محى الدين، و فى مايو 1940 تمت ترقيته إلى رتبة الملازم أول. و ترقى عبد الناصر إلى رتبة يوزباشى ( نقيب) فى 9 سبتمبر 1942، و فى 7 فبراير 1943 عين عبد الناصر مدرسا بالكلية الحربية، و فى هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد عدته للالتحاق بكلية أركان حرب. و فى عام 1945 بدأ عبد الناصر فى تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، و كان يقع اختياره على كل من يجده متحمسا وطنيا يحمل نفس أفكاره و بنفس القوة، و لديه الرغبة فى تحرير مصر بنفس درجة رغبة ناصر فيها، و فى عام 1948 عقد عبد الناصر اجتماعا لمن وقع اختياره عليهم و اتفقوا على ضرورة أن يكون لمصر دور فى حرب فلسطين، و أن هذا هو الوقت الذى لابد أن تثبت فيه مصر أنها حامية للعروبة، و سافر عبد الناصر إلى فلسطين فى مايو 1948 بعد أن حصل ترقية فى بداية العام إلى رتبة رائد، و أصيب عبد الناصر فى حرب فلسطين مرتين، و نظرا لجهوده و تميزه خلال فترة الحرب قد منح نيشان العسكرية فى عام 1949. عاد عبد الناصر من حرب فلسطين عاقدا النية على ضرورة تصحيح الأوضاع فى مصر، بعد أن رأى الملك فاروق يتاجر بدماء الجنود و يشترى الأسلحة الفاسدة لتفتك بهم، و لكنه لم يتوصل إلى الخطة النهائية لتنفيذها، و لكنه كان ينتوى قيام الثورة فى 1955 و لكن الأحداث السياسية المتلاحقة فى مصر آنذاك جعلته يقرر تنفيذها فى 1952، و مع بداية عام 1952 قرر تنظيم الضباط الأحرار اتباع أسلوب الإغتيالات السياسية، و كان أول من وقع ضحيتها هو اللواء حسين سرى عامر الذى ثبت تورطه فى أعمال لصالح القصر، و لكنها كانت المرة الأولى و الأخيرة من هذا النوع التى يشارك عبد الناصر فيها، و قرر بعدها ضرورة و جود تغيير ثورى إيجابى بدلا عن الإغتيالات. و مع بداية التعبئة الثورية ظهرت منشورات الضباط الأحرار التى كانت توزع و تنشر و سرا، و التى كانت تحث على إعادة بناء الجيش و تدريبه و تسليحه، إضافة إلى دعوة الحكام بتوجيه ثرواتهم إلى الفقراء للرفع من مستوى معيشتهم. ثم جاءت أهم الأسباب التى عجلت بمعاد الثورة من 1955 إلى 1952، و التى أشعل فتيلها حرب فلسطين، ثم فى يناير 1952 جاء حريق القاهرة بقيام المظاهرات فى جميع أرجاء مصر احتجاجا على مذبحة البوليس بالإسماعيلية، و إشعال الحرائق فى القاهرة دون أدنى تحرك من قبل السلطات، لتزيد نار الحرائق من رغبة الضباط الأحرار من سرعة تنفيذ مطلبهم و الإطاحة بهذا النظام الحاكم المستبد، ثم جاءت القشة التى قسمت ظهر البعير، انتخابات ناجى ضباط الشرطة و التى رشح الملك فاروق فيها اللواء حسين سرى عامر المكروه من الجيش ليكون رئيسا للنادى، و قام الضباط الأحرار بترشيح اللواء محمد نجيب للرئاسة، و حصل على أغلبية الأصوات بالرغم من منع الملك حينها وجود انتخابات، و لكن عبد النصر قصد من هذا التأكد من أن الجيش كله يؤيد فكره، و حينها قرر الزعيم جمال عبد الناصر تقديم موعد الثورة من 1955 إلى 23 يوليو 1952، لينطلق بيان الثورة صباح 23 يوليو يعلن انتهاء عهد الملك فاروق و انتهاء عهد الاستبداد و الاستغلال لتدخل مصر فى حقبة جديدة من الحرية و الديموقراطية. و من أبرز النتائج التى ترتبت على ثورة يوليو 1952 اتفاقية الجلاء التى نصت على انتهاء الاحتلال البريطانى فى مصر، و قوانين الإصلاح الزراعى و إلغاء النظام الإقطاعى. وفى 18 يونيه 1953 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ 7 سبتمبر 1952، أما جمال عبد الناصر فقد تولى أول منصباً عاماً كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء. وفى 17 أبريل 1954 تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في 14نوفمبر 1954 إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر. و بعد هذا الحادث لم يبق فى مصر زعيما سوى جمال عبد الناصر، فأخذ يخطب فى العديد من المدن و المحافظات ليروج لنفسه و لينشر بين الناس التيار الليبرالى، و زار عبد الناصر العديد من الدول مثل الهند و باكستان و أفغانستان و بورما، ليكون من أهم ممثلى الدول العربية فى مؤتمر الباندونج بأندونسيا فى أواخر إبريل 1956، ليصبح جمال عبد الناصر ثانى رؤساء جمهورية مصر العربية بداية من23 يونيه 1956. كان عهد جمال عبد الناصر عهد الكرامة العربية، فكان يقولها صراحة فى خطبه "ظز فى أمريكا"، كان لا يعرقل مساره أى معوقات تضعها الدول الأوروبية فى طريقه، فعندما رفض البنك الدولى تمويل مشروع السد العالى كان رده عنيفا فأمم قناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية كما جاء فى الخطاب التاريخى فى 26 يوليو 1956، ليخلد اسم عبد الناصر على بحيرة السد العالى أكبر بحيرة صناعية فى مصر باسم بحيرة ناصر، كما قام بتأميم كافة البنوك المصرية الحكومية و الخاصة، و على الصعيد التكنولوجى عرف المصريون التلفاز فى عهد عبد الناصر عام 1960، و كان عبد الناصر هو السبب فى إدخال مجانية التعليم إلى مصر لينشر العلم و يمنح الفقراء الفرصة ليكتبوا بيدهم مستقبل جديد و مشرق لهم و لبلادهم، و أنشأ عبد الناصر استاد القاهرة الرياضى، و شيد فى عهده أحد أهم المعالم الأثرية فى مصر" برج القاهرة" ، و لكن تأتى أهم انجازات جمال عبد الناصر متمثلة فى خطوة حقيقة نحو تحقيق حلم القومية العربية الذى ظل يراوده طيلة حياته، فوحد مصر مع سوريا عام 1958 تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة ليكون عبد الناصر رئيسها، و لكنها لم تدم طويلا نظرا لوقوع انقلاب فى الإقليم السورى مما أدى إلى الإنفصال. و يتجلى مدى عشق الشعب المصرى لزعيمه الوطنى جمال عبد الناصر فى مشهد تنحيه عقب نكسة يونيو 1967، و التى خرج فيها الرئيس الراحل على الجمهور بخطاب التنحى فى حالة من الإحباط و خيبة الأمل و العشور بأنه لم يكن على قدر المسئولية، و لكن الشعب تمسك به و خرجت طوائف الشعب متمسكة ببقائه كدرع واق لمصر و للعروبة كلها، ليستعيد عبد الناصر عرشه فى مصر مكللا بحب المصريين. ودع جمال عبد الناصر الأمة العربية يوم 28 سبتمبر 1970،على إثر أزمة قلبية حادة لتخيم حالة من الحزن و الأسى على الشعب المصرى، و يكون الأسود هو اللون السائد فى البلاد ،و الدموع هى المظهر المعتاد فى شتى أنحاء مصر، لتفقد الأمة العربية بأسرها رجلا من أشجع الرجال كما جاء فى خطاب أنور السادات ليذيع على الناس نبأ وفاة زعيمهم، و باتت النغمة التى يرددها الشعب هى "الوداع يا جمال". انتهى عصر جمال عبد الناصر فى حكم مصر و لكن يظل الشعب يأمل بشبيه له فى الوطنية يخرج مصر من كبوتها، و سيذكر التاريخ دوما أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فقيد الأمة العربية هو الرئيس الوحيد الذى كان يسير على أقدامه بدون حراسة، و الذى حمله الشعب بسيارته على أيديهم حبا فيه و تقديرا له.