يسعى التنين الصينى لفرض هيمنته الاقتصادية على القارة السمراء، كما يسعى للحد من نفوذ غريمتها الاقتصادية تايوان، والتى تسعى لكسب الاعتراف الدولى لها بعيدًا عن بكين، حيث اعترفت بهذه الجمهورية 22 دولة فقط بالأممالمتحدة، وبلغت نسبة الاعتراف الدولى بهذه الجمهورية 11فى المائة، وهى تعتبر نسبة قليلة، فتحولت الأنظار تجاه إفريقيا التى تمتلك 53 صوتًا فى الأممالمتحدة وقوة أخرى مماثلة فى عدد من الهيئات الدولية الأخرى، وبكسب الصين لتلك الأصوات تكون قد نجحت فى تضييق الخناق على تايوان المارقة عن الحكم الشيوعى الصينى. فى يناير الماضى، وانصياعًا واضحًا للضغوطات الصينية طلبت نيجيريا من تايوان نقل سفارتها غير الرسمية، الممثلة فى بعثة تجارية تايوانية، إلى خارج العاصمة أبوجا، وعن ذلك قالت نيجيريا: «إن تايوان التى تعتبرها بكين مقاطعة صينية منشقّة، ستتوقف عن تلقى الامتيازات الممنوحة للدول ذات السيادة». وجاءت تصريحات وزير الشئون الخارجية النيجيرى جيوفرى أونياما، عقب لقائه وزير الخارجية الصينى وانغ يى لتؤكد اعتراف نيجيريا بجمهورية الصين الشعبية ذات السيادة الصينية الواحدة، فى إشارة إلى مبدأ وجود صين واحدة فقط، وهى التى يمثلها الحزب الشيوعى الصينى فى بكين. وهو الأمر الذى ردت عليه تايوان على لسان وزير خارجيتها بقوله إن تايوان تدين بشدة التصرف غير المعقول للحكومة النيجيرية فى الامتثال لأهداف الصين السياسية، وعقبت عليه بعزمها إرسال مبعوث إلى نيجيريا لبحث هذه القضية. الإعلان النيجيرى بخصوص البعثة التجارية فى تايوان، سبقه وعد من وزير الخارجية الصينى وانغ باستثمار مبلغ 40 مليار دولار فى مشاريع لنيجيريا. من جانبه، قال البروفيسور تيموثى ريتش أستاذ العلوم السياسية فى جامعة ويسترن كنتاكى، وصاحب دراسة عن الوجود التايوانى فى إفريقيا: «إذا كانت الصين تخطط لفرض المزيد من القيود على المكاتب التجارية، فإن هذا قد يسبب مشاكل كبيرة لتايوان، فمن المرجح أن تكون هناك دول أخرى ستتخذ من نيجيريا مثالًا وتقرر عدم متابعة علاقاتها التجارية مع تايوان، وأن هذه المكاتب التجارية تساعد فى جزء كبير من هذه العلاقات غير الرسمية، وهى تعتبر شرايين الحياة الحقيقية لتايوان». المنافسة الصينية-التايوانية ليست وليدة اللحظة، لكنها بدأت خلال حقبة الحرب الباردة وما بعدها، وعقدت هدنة غير رسمية فى عام 2008، واتفقت «بكين» و«تايبيه» على عدم تصيد حلفاء بعضهما، وفى العام الماضى، استأنفت جامبيا علاقاتها مع الصين بعد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان. كما أثّرت الصين فى قرار السلطات الكينية حول قضية مجموعة من التايوانيين كانوا قد حوكموا وأدينوا بجرائم إنترنت فى نيروبى، وتسليمهم إلى الصين بدلاً من تايوان، وكان هذا رغم وجود اتفاقية بين الصين وتايبيه فى عام 2011 بعدم تسليم مواطنى كل منهما للآخر. وفى أواخر ديسمبر، ألغت الدولة الأفريقية لشعب سان تومى وبرينسيب الاعتراف الرسمى بتايوان، تاركة تايبيه مع شريكين دبلوماسيين اثنين فى القاره السمراء، هما سوازيلاند وبوركينا فاسو، و21 دولة أخرى فى العالم. كما قامت زامبيا بتجديد علاقتها ببكين واعترفت بسياسة الصين الواحدة خلال الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الصينى للبلاد. وتعتبر الخطوة الأخيرة التى اتخذتها نيجيريا، بداية مرحلة أخرى من تجدد المنافسة، وفى حين أن الصين لن تكون قادرة كليًا على منع الاعتراف الدبلوماسى بتايوان، فبكين تريد الحد من المساحة الدولية لتايوان، ولو حتى من خلال القنوات غير الرسمية مثل البعثات التجارية. هذه النقطة ليست هى محور الاهتمام السياسى الصينى بإفريقيا فقط، فبالإضافة إلى ذلك، تسعى الصين إلى استمالة الدول الإفريقية والحصول على دعمها فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمنع الانتقادات لسجل حقوق الإنسان فى الصين. المكسب السياسى ليس هو المطمع الوحيد للصين فى إفريقيا، فالصين كقوة اقتصادية كبرى تسعى هى الأخرى للحصول على موارد القارة الإفريقية الغنية بالموارد والفقيرة فى استغلالها، وفى هذا المسلك اشترت الصين حق السيطرة على منجمين رئيسيين من النحاس فى زامبيا، وسعت إلى النفط والمعادن والامتيازات أو الاتفاقات التجارية المتعلقة بالموارد فى جميع أنحاء القارة. كما امتلكت نحو 40 فى المائة من شركة النفط الكبرى فى السودان، وتستثمر فى خطوط الأنابيب وغيرها من أشكال الدعم لهذه الصناعة. وتعد الصين مستوردًا رئيسيًا للأخشاب الإفريقية، وهناك ما لا يقل عن 800 شركة صينية تعمل فى إفريقيا ما بين الاقتصاد، والزراعة، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والبناء، والسياحة، والصحة، وشراء أو تأجير الأراضى فى إفريقيا.