الإمام الأكبر قال إنه يجد نفسه مع المثقفين ويشعر بالاغتراب مع السلفيين الوهابيون يحُر فّون كتب العقائد الأشعرية عبر ورثة الناشرين القدامى ليس من مصلحة مصر اشتعال معركة أيديولوجية بين السعودية والأزهر عدد كبير من أساتذة الأزهر وهابيون..ومبادئهم تملأ مناهج مادة التوحيد والفقه هو الناقد الأدبى الأشهر فى مصر حاليًا، لكن حوار «الصباح» معه حول كتابه الأخير ذى الصفة السياسية «وثائق الأزهر»، الذى يكشف فيه الحوارات التى دارت بين المثقفين وبين شيخ الأزهر ومعاونيه، حول مدنية الدولة، عقب ثورة 25 يناير.. الكتاب يلقى الضوء على أسباب الانحراف الوهابى الذى أصاب الأزهر، نقلًا عن شيخ الأزهر نفسه، والعناصر الوهابية داخل مؤسسة الأزهر ومعاهده وجامعته، ومناهجه أيضًا، وأماكن تمركزهم، وكيفية ومعالم سيطرتهم.
* فى البداية نود التعرف على أبرز ما سردته فى كتاب «وثائق الأزهر»؟ - الكتاب موجود بالأسواق، فهو تجربة مهمة ومثيرة من خلاله أسرد ما دار خلال اجتماعات الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بمجموعة من المثقفين عقب ثورة 25 يناير المجيدة، أبرزهم المفكر الكبير الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وجمال الغيطانى ويوسف القعيد وجابر عصفور والعديد من الإعلاميين مثل نعم الباز وحلمى النمنم وعمرو عبد السميع، ودار حديث مفتوح عن الثورة والأزهر والتيارات الدينية المخيفة التى أطلت برأسها بعنف على الحياة السياسية، ولفت انتباهى بشدة أن الدكتور الطيب قد عبر عن سعادته الخاصة بهذا اللقاء مع المثقفين، وقال إنه يجد نفسه حقيقة بينهم، بينما يشعر بالاغتراب عندما يزوره أفواج السلفيين والجماعات الدينية، ثم تحدث طويلًا عما تعرض له الأزهر فى الفترة الماضية من اختراق، وكيف تسللت إليه بعض الدعوات الغريبة عن طابعه الوسطى المستنير، فحاول بعض أنصار التيارات السلفية الوهابية جذب بعض شيوخه وإغرائهم بالتدخل فى مناهجه عن طريق تحريف كتب العقائد الأشعرية لتتوافق مع مبادئهم بالتواطؤ مع ورثة الناشرين القدامى، وطرحت فكرتى كمثقف عن إصدار وثيقة مرجعية تحدد بوضوح علاقة الدولة بالدين، وتقطع الطريق على التعصب، ووافق الجميع على الفكرة فعكفت على إعدادها لمدة أسبوع حتى موعد الاجتماع الثانى، والكتاب يشرح كل ذلك بمزيد من التفاصيل.
* ما علاقة الأزهر بالسعودية.. وهل هناك توغل للتيار الوهابى داخل أكبر مؤسسة دينية فى العالم؟ - الوهابية اخترقت الأزهر عن طريق السعودية، فالفكر الوهابى معروف أنه فكر محمد بن عبدالوهاب الذى تحالف مع آل سعود، وقام بإنشاء الدولة الوهابية داخل السعودية، وهناك تكتلات للوهابية توغلت عبر سنوات طويلة فى مؤسسة الأزهر، كما علمنا فى جلسات المثقفين مع شيخ الأزهر، كما أن هناك بيانات فى العقود السابقة توضح أنه كان هناك العديد من علماء الأزهر المنتمين للفكر الوهابى المنتسب إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأن كثيرًا من أساتذة كلية الدعوة الإسلامية ينتمون إلى هذا الفكر، وهناك الكثير من الأموال التى تنفق من قبل السعودية لانتشار الوهابية داخل الأزهر، واستقطاب علماء الأزهر لتبنى هذا الفكر، وبلغ بهم الأمر إلى أنهم أرادوا ترويج بعض مبادئ الوهابية فى الكتب الأساسية لمادة التوحيد، والفقه، وهذا التغيير أدى إلى انتشار السلفية داخل الأزهر.. وبالطبع الإمام الأكبر يعلم ذلك، وأعلن سابقًا أنه قاوم انتشار الفكر الوهابى والسلفى داخل الأزهر، وحاول تطهير الأزهر من الأفكار المتشددة وأيضًا الفكر السلفى نال كثيرًا من الأزهر.
* ما الفرق بين السلفية الحقيقية والوهابية ؟ - أنا لا أريد أن أتطرق إلى هذا الأمر.
* أيهما أخطر الفكر الوهابى أم الفكر السلفى ؟ - طبعًا بكل تأكيد الفكر الوهابى أكثر خطرًا على الأمة من الأفكار السلفية التى تعد أيضًا منبعًا للأفكار المتشددة الرجعية.
* ما الفرق بين مفهوم المدنية ومفهوم العلمانية ؟ - مصطلح العلمانية تم إساءة استخدامه لغرض ما، فحاول الكثيرون تشويهه وطرحه على أنه إبعاد الدين عن الدولة، وهذا غير صحيح، فالمقصود بالعلمانية هى فصل الدين عن الحياة السياسية فقط بحيث لا تقوم أحزاب على أساس دينى، وهذا ما نص عليه الدستور المصرى، فالعلمانية تعنى الفصل الدستورى أو القانونى بين المؤسسات الدينية وبين الدولة أو الحكومة، وهذا أهون صيغ العلمانية وأقربها إلى المعنى الفلسفى الأساسى، وليس بينها وبين الفكر الإسلامى مشكلة كبيرة، وهذا الفصل الذى يعبر عنه الآن بالدولة المدنية، وإن كانت تلقى معارضة، ولكنها الدولة الديمقراطية البرلمانية.
* بما توصف مصر.. هل هى دولة مدنية أم دينية ؟ - مصر دولة مدنية وفقًا للدستور والقانون، ولا يستطيع أحد إنكار ذلك، وأعتقد أن مصر منذ عصور النهضة بدأت طريقها إلى اتباع النظم السياسية الحديثة فى الاقتصاد والتعليم والسياسة، وقد انخرطت النهضة العربية بالفكر والثقافة والإبداع، وفيها من الوعى الحضارى والتقاليد ما يجعلها نموذج للدولة المدنية التى تضع الدين من التقديس والاحترام فى موضعه الصحيح، ولا تفسد به طابعها الحضارى وأهدافه ومقاصده السامية.
* وما أهم التحديات التى تواجه الأزهر من قبل التكتلات الدينية؟ - لا أريد أن أتطرق إلى الحديث عن الأزهر الشريف فقط، فالأزهر جزء من المجتمع المصرى، والمجتمع ينضح على كل مؤسساته بمشكلاته، ومنها مؤسسة الأزهر، وبالتالى عزل الأزهر والحديث عنه فقط لا أعتقد أنه يؤدى بنا إلى تصور صحيح، فالأزهر فى نهاية الأمر مؤسسة تعليمية، والتعليم العام يعانى فى مصر قصورًا وتدهورًا شديدين، والتعليم الأزهرى يعانى أضعاف ذلك من القصور والتدهور، ولابد من الرقى بالتعليم واقتصار التعليم الدينى على الثقافة الفقهية الشرعية، وهناك خلل فى المنظومة التعليمية، والخلل يسرى على كل مؤسسات الدولة، فمصر فى أمس الحاجة إلى تطوير المنظومة التعليمية والثقافية حتى تلتقط الإيقاع الحضارى المناسب.
* سبق أن ذكرت أن هناك 200 كتيب داخل المشيخة تواجه الفكر الوهابى.. ما أبرزها ؟ - مثل هذه التفصيلات ليست بذات قيمة، فليس من مصلحة مصر الآن أن تشعل حروب أيديولوجية مع السعودية، فلابد أن يسود بيننا قدر من التوافق العربى وبالتأكيد هناك تحديات تواجه مصر وتحديات تواجه السعودية، فاجتزاء الكلام من سياقه والتركيز عليه كأننا نقصد إلى إحداث فتنة وإحداث حروب أيديولوجية بين الأزهر والسعودية، وهذا غير مناسب فى الوقت الحالى على الإطلاق، فلم أقل ذلك أن هناك 200 كتيب فى الأزهر طبعوا لمواجهة الفكر الوهابى، فهذا جزء من سياق عام تم اجتزاؤه بشكل غير مهنى، فلست من أنصار التركيز على المقاصد التى تثير الفتن والاحتقان بين الدول.
* ما طبيعة علاقتك بشيخ الأزهر ؟ - تربطنى بالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر علاقة صداقة قوية وأكن له كل التقدير الاحترام، وأعتبره من قمم الفكر والثقافة العالمية، وهو من أحسن ومن أفضل من تولوا كرسى المشيخة، فهو رجل وسطى معتدل وقامة علمية وفكرية لا يستهان بها، ويتسم بقدر من النبل العظيم والرقى والاعتدال المدهش، لكن الصعوبة فى طبيعة المؤسسة فهو يقوم مؤسسة حملها ثقيل ومسئوليتها كبيرة.
* كيف تستعيد مصر دورها الريادى على المستوى الثقافى؟ - هذا هو التحدى الحقيقى الذى يواجه المصريين الذين تخلفوا عن الإبداع العلمى والثقافى والفكرى فى العقود الماضية لثلاثة أسباب جوهرية، منها ضيق هامش الحرية فى المجتمع، وانخفاض سقفها على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية وتفاقم صوت الأصولية المصرية الدينية الرجعية الإسلامية والمسيحية وتخويفها للنخبة والطليعة المتحررة التى تقود عادة عملية الريادة، فرفع قضية واحدة على بساطتها، وإرهاب شخص يرهب ألف شخص والمتاجرة بالدين حتى فى أبسط القضايا ومحاربة المفكرين، كل ذلك أدى إلى انخفاض سقف الحريات وللأسف ما زال هذا قائمًا.. أما السبب الثانى الذى لا يقل خطورة عن السبب الأول فيتمثل فى انقطاع شرايين التواصل بين مؤسسات المجتمع المصرى والمؤسسات العالمية عن طريق إلغاء البعثات والتضييق على التبادلات العلمية وعدم الإنفاق على حركة البحث العلمى، وبالتالى أصبحنا تقليديين، بالإضافة إلى أن مؤسسات الدولة لا تدرك أهمية العلم والثقافة، ولا تعى أن الإنفاق عليها يعوض كل القصور فى الجوانب الأخرى، فالدولة لا تهتم بالتعليم والبحث العلمى، فالمسئولون يفزعون فزعًا حقيقيًا إذا تصوروا أن هناك عجزًا فى مقررات التموين أو الخبز ولا ينامون خوفًا من ثورة الشارع، لكن لا يدركون أن أفقر فقراء مصر ينفقون دم قلوبهم لتوفير دروس خصوصية لتعليم أبنائهم بشكل أفضل، فإذا أخذنا مليارات الدعم، ولم يتم إهدارها أو سرقتها ووجهناها لرفع مستوى التعليم والبحث العلمى، فسوف تستغنى الأسر المصرية عن إعطاء أبنائهم دروسًا خصوصية، لكن السياسيين لا يدركون ذلك ويؤدون أدوارهم بطريقة تقليدية ويخافون من الثورات، فالدولة الحديثة لا تستطيع أن تعيش فى نظام ديكتاتورى أو سلطوى فلابد أن نوفر الأسباب الحقيقية للتحول الديمقراطى، فلا ينبغى أن نقتل المعارضة ونشطب من مجلس النواب أى شخص معارض ونحارب التعددية السياسية، فمتى تدرك مصر أن المعارض يفيد وطنه أكثر من المصفق وأن من يبدى رأيه وينتقد السلطة هو الذى يستطيع أن يعتمد عليه الوطن.
* ما القرارات التى قد تتخذها إذا أصبحت وزيرًا للثقافة؟ - لا أريد أن أكون وزيرًا للثقافة، ولا يعنينى التفكير فى هذا الأمر، فأنا مواطن مصرى مهموم، ليس بالثقافة فقط، وإنما بمشاكل الوطن، فالمنظومة الصحية فى مصر مخزية ولا يوجد تأمين صحى يليق بالمصريين مثل باقى الدول العربية، فالفساد والمصالح الخاصة للأطباء والتجارة بالصحة وبالأعضاء وغباء الدولة وعدم كفاءة مؤسساتها، كل ذلك أدى إلى تراجع مصر وعدم تقدمها.
* ماذا عن مشروعاتك الأدبية المستقبلية؟ - أهتم بالفكر النقدى الذى يغذى بدوره كل الأجناس الأدبية الأخرى من شعر ورواية وقصة ومسرح، وبدأت حياتى بسلسلة من الكتب التى تتناول المناهج النقدية الحديثة ونظريات الأدب، وقمت بتأليف كتابين فى الأدب المقارن، ووصل عدد الروايات التى تناولت فيها نظريات الأدب والشعر والرواية إلى 40 رواية تمثل مشروعًا متكاملًا لتحليل وتجديد الفكر النقدى العربى كله، وآخر ما قمت بتأليفه كتاب «وثائق الأزهر ماظهر منها وما بطن».