«ولاء» أصيبت بالمرض عن طريق العدوى.. وزوجها تحمل تكاليف علاجها «وفية» فى العناية المركزة.. ولم تجد من يعتنى بها بعد مرضها عزل المصابات ونقلهن لأعمال إدارية والوزارة تصرف لهن 15 جنيهاً شهرياً يسمونهم ملائكة الرحمة، ورغم ذلك لا تتعامل الحكومة معهن بأى رحمة، ليتركوا عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة فى ظل انعدام منظومة الوقاية من العدوى، وفجأة تحدث الكارثة، دون سابق إنذار، عندما يكشف تحليل يجرينه بالصدفة، عن إصابتهن بمرض ينهش أكبادهن، إنهن ممرضات مصر، اللاتى يصرفن 15 جنيهًا فقط كبدل للعدوى، رغم عملهن وسط الأمراض. ولاء.ط، ممرضة فى العقد الثالث من عمرها، كانت تعمل فى أحد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والسكان، وتحديدًا داخل وحدة الغسيل الكلوى، شهد لها الجميع بالدأب فى عملها، وحبها الشديد للمهنة، وبعد مرور 10 سنوات من العمل المتواصل اكتشفت إصابتها بفيروس سى. الممرضة المريضة روت ل«الصباح» رحلتها البائسة، مؤكدة أنها كانت تواصل الليل بالنهار فى نوبتجيات المستشفى، وتترك أطفالها فى المنزل برفقة والدتها، وتأخذ راحة ساعات محدودة، حتى داهمتها أعراض مرضية غريبة، منها إصفرار العين، والشعور دائمًا بالرغبة فى القىء، وحينما نصحتها زميلتها بإجراء تحاليل للكشف عن أسباب تلك الأعراض، فوجئت بالكارثة عندما أكدت التحاليل إصابتها بفيروس سى. وتابعت «ولاء» قائلة: «عندما علمت بالكارثة عدت منهارة إلى منزلى وأخبرت زوجى بأننى لن أستطيع العمل مرة أخرى بالمستشفى، وبعدها تخصصت فى الأعمال الإدارية بأحد المستشفيات الخاصة القريبة من منزلى، حتى أستطيع تدبير نفقات علاجى، التى أتحملها بمفردى». «ولاء» لم تكن الوحيدة التى أصيبت بالفيروس، حيث إن هناك ما يقرب من 1220 ممرضة مصابة بأمراض نتيجة العدوى، بينهم نسبة كبيرة مصابة بفيروس سى، يحصلن على إعانات من النقابة العامة للتمريض بواقع 2700 جنيه، منهن «وفية.ز» الممرضة بأحد المستشفيات الحكومية، التى أكدت أنها كانت تعمل فى وحدة العناية المركزة، وتستقبل المرضى فى حالات متأخرة جدًا، وتقدم لهم الرعاية الصحية، وبعد مرور 15 عامًا من العمل اكتشفت من خلال التحاليل الدورية التى يتم إجراؤها فى المستشفى أنها مصابة بفيروس سى، إلا أنها لم تيأس وتقدمت بطلب إلى وزارة الصحة لعلاجها على نفقة الدولة، وبعد يأسها من الحصول على قرار العلاج، قدمت استقالتها من المستشفى، وساعدها زوجها فى العلاج على نفقته الخاصة مع أحد أطباء الكبد. وأضافت «وفية» أن زوجها اضطر إلى العمل بمهنة أخرى من أجل الإنفاق على أولادهما الثلاثة، وتدبير تكاليف علاجها من المرض، مؤكدة رضاها بقدرها لكنها تتمنى أن يكون حال الممرضات أفضل من هذا الواقع المرير، قائلة: «لابد من نظر وزارة المالية لهن، لزيادة بدل العدوى، فلا تكفى 15 شهريًا للعلاج من الأمراض الخطيرة التى يواجهونها فى العمل». أما الممرضة «صفاء.س»، فأكدت أنها عملت فى مهنة التمريض لسنوات طويلة، وتحديدًا فى وحدات الغسيل الكلوى، حتى اكتشفت عام 2009 إصابتها بفيروس سى، ووقتها استغاثت بالمسئولين فى النقابة العامة للتمريض ووزارة الصحة، وبالفعل وفرت لها النقابة إعانة قيمتها 2500 جنيه، وتابعت مع أحد الاطباء المتخصصين فى علاج الكبد، إلا أنها تخصصت بالأعمال الإدارية، حتى لا تعرض زملاءها لخطر العدوى. من جانبه، أوضح هشام مبروك عضو النقابة العامة للتمريض، أن العدد الفعلى المقيد بنقابة التمريض يصل إلى 207 آلاف ممرض وممرضة، من خريجى الجامعات والدبلومات والمعاهد الفنية للتمريض، يعملون بوزارة الصحة، فى المستشفيات التابعة للأمانة العامة، وهيئة التأمين الصحى، والجامعات، ويعانون من مشاكل عديدة، أهمها إصرار وزارة المالية على عدم زيادة بدل العدوى المقرر بواقع 15 جنيها، فضلًا عن عدم ثبات حافز الطوارئ، حيث يصرف بحسب رؤية المديرين الماليين. وأضاف «مبروك» أن المالية تصرف بدل «النوبتيجة» بمعدل 15 جنيهًا، أو بواقع 1.25 جنيه فى الساعة الواحدة، رغم أن نفس البدل يصل فى المستشفيات الخاصة إلى 250 جنيهًا، مشيرًا إلى أن عدد الممرضين المصابين بفيروس سى يقترب من 1220 ممرضًا وممرضة على مستوى الجمهورية، وتقوم النقابة بصرف منح علاجية لهم تبلغ قيمتها 2700 جنيه للمريض، وذلك لمرة واحدة، حيث يتم صرفها على دفعات بواقع 300 جنيه كل 3 شهور. وأوضح أن الممرضات اللاتى يكتشف إصابتهن بالفيروس، يتم نقلهن لأعمال إدارية فى نفس المستشفى حتى يكن بمعزل عن المرضى، ويتحملن العلاج على نفقتهن الخاصة، مضيفًا: «هناك مشاكل أخرى تحاصر مهنة التمريض، منها الاعتداء على الممرضات من أهالى المرضى أثناء استقبالهن فى المستشفيات، فضلًا عن عدم توافر تأمين خاص بالممرضين فى المستشفيات، وسبق أن ناشدت النقابة الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء ووزير الداخلية لتوفير قوات أمن داخلى بالمستشفيات، لحماية العاملين فى المنظومة الصحية حتى لا تتكرر تلك الاعتداءات». فيما أكدت د. كوثر محمود نقيب النقابة العامة للتمريض، أن المهنة تعتبر من المهن الطاردة، بسبب خطورتها فضلًا عن تجاهل الدولة للعاملين بها، قائلة: «الممرضة تذهب للمستشفى وتترك أبناءها فى المنزل سواء مع والدتها أو زوجها، من أجل خدمة المريض، لتصبح معرضة للعديد من الأمراض، وفى النهاية نجد الدولة لا توفر لها بدل عدوى مناسبًا، مما يدفع بعض الممرضات إلى ترك مستشفيات وزارة الصحة، والعمل فى المستشفيات الخاصة». وتابعت: «هناك ممرضون وممرضات مصابون بفيروس سى، بسبب مخالطتهم المرضى، وفى النهاية تقوم الصحة بصرف 15 جنيهًا شهريًا كبدل عدوى، فى حين أن هناك فئات أخرى من العاملين فى الدولة يحصلون على 3 آلاف جنيه عن ذات البدل، مما دفع النقابة لصرف إعانات علاجية للمصابين، لكن الموارد المالية ضعيفة، ونحتاج إلى دعم الدولة، خاصة أن هناك ما يقرب من 1220 مصابًا بفيروس سى من هيئة التمريض فى المستشفيات الحكومية». أما د. محمد عز العرب رئيس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد، فأكد أن فيروس سى ينتقل من شخص لآخر عن طريق الدم، سواء عن طريق نقل الدم كاملًا أو أحد مشتقاته مثل البلازما أو كرات الدم الحمراء المكدسة أو صفائح الدم، وكذلك تنتقل العدوى عن طريق الأدوات الملوثة بدم المصاب مثل الآلات الجراحية وأدوات أطباء الأسنان، وأيضًا الإبر الصينية وأدوات الحجامة. وأضاف «عز العرب» أن مهنة التمريض من المهن الصعبة جدًا، لأن الممرضة تكون أول من يتعامل مع المريض بشكل أساسى، وبالتالى فهن أكثر عرضة للعدوى، خاصة لو كنّ يعملن فى وحدات العناية المركزية والاستقبال والأسنان، ووحدات الغسيل الكلوى.