لا معنى لوجود وزارة للثقافة فى دولة تدعى أنها«رأسمالية » لا نسمع من النظام ورجاله إلا حديثًا عن الأمل والصبر رغم تدهور الحياة يوميًا أول جائزة حصلت عليها 3 جنيهات.. ولا أكتب إلا ليلًا فى غرفتى برفقة الموسيقى والضوء الأبيض حذر الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد من إمكانية انتهاء شهر العسل بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والمصريين بسبب ما تعيشه البلاد حاليًا من أزمات، مشيرًا إلى أن الإجراءات الاقتصادية الحالية موالية بشكل كبير لرجال الأعمال، لافتًا إلى أنه رغم أن شعوب العالم تختار أنظمتها لتحسين أحوالهم إلا أنه فى مصر فقط تتخبط الأنظمة ويتحمل الشعب المسئولية. وتحدث «عبدالمجيد» خلال حوار مع «الصباح» فى الأدب والسياسة عن أول جائزة حصل عليها، والتى كانت قيمتها 3 جنيهات، مؤكدًا أن الرواية المصرية لا تزال قلب الرواية العربية.. وإلى نص الحوار: * ما الدوافع التى قادتك إلى كتابة الرواية؟ - فى البداية كانت الدوافع هى الموهبة وطاعتى لانفجاراتها فى الروح.. ظلت هذه الطاعة لكن مع فهم أكبر للحياة ورغبة فى البحث عن عالم أجمل حولى.. الإبداع عمل جميل، بل فى قلب الجمال إن لم يكن الجمال ذاته حتى لو كان عن الشر والأشرار. * لماذا تطالب دائمًا بإلغاء وزارة الثقافة؟ - نحن فى بلد تدعى أنها تتبع النظام الرأسمالى مع أن البلاد الرأسمالية لا تكون الثقافة فيها «مركزية» ولا أى شىء يكون مركزيًا.. المجتمع الأهلى ينتج صناعته وزراعته وثقافته، ويكون دور وزارة الثقافة هو الدعم المالى لهيئات المجتمع المدنى مثل دور النشر والفرق المسرحية والموسيقية وغيرها، والمعيار الوحيد هو الجودة لا الانتماء السياسى.. لا معنى لمركزية الثقافة.. ودائمًا ما أتساءل «كم يبلغ إنتاج الوزارة قياسًا على إنتاج القطاع الخاص؟» وأجد أنه لا يصل إلى 5 فى المائة. *السياسة كانت دائمًا جزءًا من حياتك الأدبية.. ما دور السياسة فى حياة الأديب؟ - السياسة فتحت لى أبواب القراءة فى التاريخ والاقتصاد وغيره، لكن الإبداع شىء آخر. مؤكد أفادتنى هذه القراءات. رغم عملى السياسى فى الحزب الشيوعى المصرى، وهو حزب سرى فى السبعينيات إلا أننى تركته بعد 5 سنوات تقريبًا بعد أن وجدت السياسة ستؤثر على طريقتى فى الكتابة. العمل السياسى يحتاج إلى نظام ودقة لا تتوافر عند المبدع، لكن مؤكد أننى التقيت شخصيات رائعة عظيمة فى الحياة السياسية والفكرية والأدبية، رحل بعضهم ولايزال الآخرون.. وخلال هذه الفترة أنتجت رواية «هنا القاهرة» وفيها أحلام الأدباء وسط العمل السياسى. * كيف تنظر للجوائز وأهميتها للكاتب العربى؟ وهل تشكل حافزًا قويًا للقارئ العربى يؤدى لانتشار العمل؟ - طبعًا تشكل الجوائز حافزًا لقراءة الكتب.. وتضمنها مبالغ مالية توسع على الأدباء الحياة عدة أيام أو أسابيع شىء مهم، لكن لا يجب أن تشغل الكاتب. حصلت على أول جائزة فى سن الثالثة والعشرين، وكانت الجائزة الأولى على مستوى الجمهورية فى نادى القصة بالإسكندرية عام 1969، وكانت قيمتها 3 جنيهات مع كأس فضية وشهادة تقدير، لكن أهميتها كان نشر القصة على صفحة كاملة بجريدة أخبار اليوم، مع مقدمة للعظيم الراحل «محمود تيمور» عنوانها «هذا قصاص موهوب» ثم اشتريت بالثلاثة جنيهات نسخًا من هذا العدد وزعتها على الناس، وكنت فى غاية السعادة بالنشر فى «أخبار اليوم» بالعدد الأسبوعى، وقررت من يومها مغادرة الإسكندرية إلى القاهرة. تأخر ذلك حتى عام 1974. لم أحصل على جائزة من حينها حتى 1996 حين حصلت على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية وفتحت لى كل أبواب الشهرة والترجمة، كنت فى الخمسين من عمرى، وأنجزت عدة روايات مهمة منها «البلدة الأخرى، المسافات، الصياد واليمام، بيت الياسمين، لا أحد ينام فى الإسكندرية، ليلة العشق والدم». لم أفكر أبدًا فى الجوائز فى السنوات ما بين الجائزتين، كنت أكتب، وصارت الجوائز تأتى بعدها. * كنت وما زلت تكتب المقالات، هل يمكن أن يكون لكتابة المقال أثر على لغة وأسلوب كاتب الرواية؟ - طبعًا يمكن أن تؤثر كتابة المقالات على الرواية، وكان هذا سبب عدم عملى فى الصحافة بداية حياتى. خفت من ذلك. مقالاتى التى أكتبها لا تؤثر على عملى الأدبى لأننى أكتبها بروح الأديب، وأستطيع أن أفصل بينها وبين ما أكتب. أكتب المقالات نهارًا وفى أى مكان، لكن الرواية والقصة ليلًا، وفى غرفتى ومعى الموسيقى والضوء الأبيض بعد أن ينام الجميع، أشعر أننى وحدى فى العالم خلقنى الله الآن، لا أنيس معى غير شخصيات أعمالى وصوت الموسيقى. * هل الكتابة فعل يغير الواقع؟ بمعنى أدق هل الروايات يمكن أن تثير ثورات أو تتنبأ بالمستقبل؟ - تغيير الواقع عمل سياسى بالدرجة الأولى، لكن الرواية والفن عمومًا يرقى بروح وعقل المتلقى، ومن ثم يدرك الشر والخير حوله، ويصبح شخصية سوية أكثر، ومن هنا قد تأتى ثورته، لكن تظل الثورات عملًا سياسيًا. أما النبوءات فهذا صحيح، لكن الكاتب لا يدركها إلا بعد أن تحدث، النبوءات لا تكون بالقصد، ولقد كتبت عن ذلك فى كتابى «ما وراء الكتابة». أكثر من نبوءة حدثت، ولم أكن أقصدها أو أدركها وقت الكتابة، فمثلا روايتى «فى كل أسبوع يوم جمعة»، وهى عن موقع إلكترونى به شخصيات عديدة، ويوم الجمعة هو يوم البدايات والنهايات لكل الأحداث والتحولات بين الشخصيات وحولها، نشرت عام 2009، وفى ثورة يناير الأحداث المهمة كانت أسبوعيًا كل جمعة، بل صار يوم الجمعة عنوانًا للحياة. * تقييمك لواقع الرواية المصرية فى اللحظة الراهنة، وما مكانها من الخريطة الجديدة للرواية العربية؟ - مؤكد هناك تشكيل جديد فى واقع الرواية العربية، ومؤكد أن مصر فى القلب منه، لكن التقييم ليس مهمتى. الروايات كثيرة جدًا، ووقتى مهما أعطيته لها لا يتسع لأننى أيضًا أكتب وتأخذ الكتابة كثيرًا من وقتى، ومن ثم أترك ذلك للنقاد. لكن على الإجمال الرواية تحقق حضورًا بهيًا رائعًا. * وتقييمك للمشهد السياسى بعد مرور 3 سنوات على 30 يونيو؟ - شهر العسل بين الرئيس السيسى والمصريين والنخبة للأسف مهدد جدًا بسبب ما تعيشه البلاد، فالنظام على سبيل المثال قدم قانونين تصور أن بهما ستنعم البلاد بالاستقرار، وهما «التظاهر» و«الحبس الاحتياطى المفتوح»، إلا أن ذلك تسبب فى امتلاء السجون بالشباب والحياة لم تستقر، بل على العكس المشكلات الاقتصادية تتضخم يوميًا حتى وصل سعر الدولار إلى 20 جنيهًا، وهو أمر لا يسعد أحدًا.. الخطر كل الخطر من السياسة الاقتصادية التى تذكر الناس بغيرها من أخطاء سياسية. والإرهاب كذلك لم ينته فى سيناء، وأحيانًا يظهر فى القاهرة بشكل بشع كما حدث حين اغتيل العميد الشهيد عادل رجائى أمام بيته. السياسة الاقتصادية موالية لكبار رجال المال حتى أن كثيرًا جدًا من المشروعات الصغيرة والمتوسطة تغلق أبوابها الآن والإعلام ورجال الدولة فى كل أحاديثهم يُحمّلون الشعب المسئولية والشعب انتخبهم أو اختارهم لإدارة حياته لا لتعكير حياته، وهذا هو عمل أنظمة الحكم فى كل الدنيا إلا فى مصر تتخبط الأنظمة ويتحمل الشعب المسئولية، ويتم إرجاء إصلاح التعليم، وهو باب النهضة الحقيقى، ولا نسمع من النظام ورجاله إلا حديث عن الأمل والصبر رغم أن الحياة تتدهور يوميًا، ووصل الأمر إلى ارتفاع سعر الأدوية يعنى «جوع وموت»، ولو بحثنا عن كل صناعة على حدة سنجد أنها تتدهور أو ترتفع أسعار منتجاتها بجنون. * لماذا انشغل المثقفون عن ملف الحريات بالأزمات العامة رغم وجود أكثر من حالة سجن صاحب رأى؟ - المثقفون فى حالة يأس خاصة أنهم تكلموا كثيرًا ولا فائدة وكتبوا كثيرًا ولا فائدة ولا استجابة لما يكتبون. نعيش مرحلة تجاوزت فيها الغرائب كل خيال ممكن، ومن ثم يمكن أن تصيب المثقف بالصمت،. لكن هناك من يظل يكتب، فأنا مثلًا لا أتوقف عن الكتابة عن المحبوسين والمعتقلين لكن هل هناك نتيجة؟ * إلى أى درجة يشكل المكان حافزًا للتأمل والكتابة فى رواياتك ؟ - المكان هو صانع زمان الرواية وآلياته وحركة الشخوص، ففى الرواية الكلاسيكية قديمًا كان الأبطال يرون المكان وفقًا لحالتهم النفسية فهو طيب جميل إذا كانوا سعداء والعكس، ثم جاءت الواقعية الجديدة فى أوروبا فى الستينيات لتجعل للمكان حضورًا مستقلًا فهو البطل، لكننى أرى المكان صانع الأبطال وصانع اللغة، فلغة من يهبط السلم تختلف عمن يصعده، والمكان الواسع قد يصنع لغة من الصمت، وقد يجعل الزمان مترهلًا لا يصل إلى شىء وهكذا. * لماذا جهلت الثورة فى «بلد أسطورى» خلال روايتك الجديدة «قطط العام الفائت»؟ - هذه مسألة فنية.. الثورات الكبرى تحتاج إلى وقت للتأمل، وبعد أن مضت 6 سنوات على ثورة يناير لا نزال نعيش تداعياتها التى يمكن أن نلخصها فى المؤامرة عليها، لذا اخترت بلدًا أسطوريًا لأقيم ثورة أخرى ولأمتع القارئ فنيًا وإنسانيًا وأذكره بالثورة فى لغة تميل إلى الضحك والسخرية من أعدائها، ليس بالحديث المباشر لكن بالأفعال الطائشة للنظام الحاكم الذى يستطيع حاكمه أن يلقى بالناس إلى أزمنة بعيدة فألقى بملايين الثوار إلى العام الفائت، ولم يدر أنهم سيعيدون كل ما فعلوه من مقدمات الثورة لتحدث الثورة من جديد، وليذهب هو إلى زمن سحيق عاريًا إلا من ورقة التوت.