وسط أصوات كثيرة تنادى بخروج الاستثمارات الإيرانية من مصر، خاصة أنها تشتمل فى بعضها على مساهمات فى شركات حكومية يستفيد منها الإيرانيون دون مكاسب للحكومة المصرية التى تدعمها بملايين الجنيهات سنويًا، بالإضافة إلى الأجواء السياسية المضطربة فى المنطقة العربية التى لا تبشر بأى مستقبل واضح للتلاقى الاقتصادى بين مصر وإيران. وتعتبر الاستثمارات الإيرانية وفقًا لتقارير حكومية رسمية -حصلت عليها «الصباح»- بأنها الأضعف على الإطلاق فى السوق المصرى، مقارنة باستثمارات الدول الأخرى العربية والأجنبية، بسبب الضعف والتوتر الشديد فى العلاقات بين البلدين، على مدار 40 سنة مضت. وتكشفت «الصباح» -خلال السطور المقبلة- خطة إيران للتوغل فى السوق الاقتصادى المصرى خلال السنوات الخمس المقبلة، للوصول بحجم استثماراتها إلى نحو 20 مليار جنيه، أى بنحو أكثر من مليار دولار. وقالت مصادر بالهيئة العامة للاستثمار إن مصر شهدت استثمارات إيرانية خلال الفترة من 1970 حتى نهاية عام 2011، فى 12 شركة فقط، وأغلبها مساهمات فى شركات مصرية، بإجمالى استثمارات 2.4 مليار جنيه، أى 136 مليون دولار، وهى استثمارات ضعيفة مقارنة بطول الفترة الزمنية. وتتركز تلك الاستثمارات فى قطاعى التمويلية والصناعية بنسب 61فى المائة، و38فى المائة على التوالى، كما لم يتم تأسيس أى شركات إيرانية جديدة منذ عام 2011، وكانت آخر شركة جديدة مستثمرة داخل السوق المصرى قد قامت بالتأسيس فى نوفمبر2010. وتابع المصدر «تتركز الاستثمارات الإيرانية فى قطاعى التمويل بنحو 38 فى المائة، والصناعة خاصة الغزل والنسيج بنسبة 61فى المائة، حيث تتمثل فى شركات للغزل والنسيج فى المنطقة الصناعية بشمال خليج السويس بتكلفة 400 مليون جنيه، ومصنع مشترك لإنتاج الأسمنت فى محافظة بنى سويف بطاقة 1.3 مليون طن واستثمارات تتجاوز 226 مليون دولار، يساهم الجانب الإيرانى فيها بنحو 50 بالمائة. أما فيما يخص بيانات الاستثمار الأجنبى المباشر لإيران داخل مصر، فأكد المصدر أنه لا توجد بيانات متوافرة، وذلك لضعف الاستثمارات الإيرانية المستقلة، كما لا توجد نية لدى الحكومة للسماح بتوسع الاستثمارات الإيرانية المشتركة فى مصر حاليًا.
وعلمت «الصباح» بأن إيران تخطط لزيادة استثماراتها المباشرة وغير المباشرة فى مصر إلى نحو 20 مليار جنيه من خلال مجموعة استحواذات غير مباشرة على شركات محلية بالبورصة المصرية، إضافة إلى إقامة مشروعات صناعية وزراعية فى مصر خلال الخمس سنوات المقبلة، لتعويض تجميد علاقاتها الاقتصادية، خلال السنوات الماضية. وتخطط إيران لضخ مزيد من الأموال بالسوق المصرى، وتطمح فى الحصول على حقوق امتياز للتنقيب والكشف عن الغاز والبترول فى الصحراء الغربية وإنشاء معمل للتكرير، بالإضافة إلى سعى شركة إيرانية لإنشاء مصنع لتعبئة أسطوانات البوتاجاز فى بنى سويف، وخطة لإنشاء مصنع آخر لتجميع وتجميد وحفظ اللحوم السودانية، وكذا استثمارات أخرى فى قطاع النقل والسكك الحديدية. وكان عدد من المستثمرين الإيرانيين طالبوا مطلع عام 2016 الجارى، بتخصيص قطعة أرض بإحدى المناطق الصناعية لتجميع السيارة الإيرانية «سمند» فى مصر، بالاتفاق مع الشركة صاحبة العلامة التجارية «إيران خضرو» لصناعة السيارات، بتكلفة استثمارية تبلغ نحو 80 مليون دولار، إلا أن جمود العلاقات المصرية الإيرانية أدت إلى توقف تراخيص وموافقات المشروع، حتى الآن. وقال أحمد خزيم الخبير الاقتصادى: إن الاستثمارات الإيرانية فى مصر تحكمها العلاقات السياسية التى لم تخل من التوتر خلال ال 30 سنة الماضية، مؤكدًا أن أموال إيران فى مصر اقتصاد سياسى وليست استثمارًا. وأشار إلى أن هناك العديد من المشروعات الاستثمارية التى تعمل فى مصر بالشراكة بين الحكومة المصرية والحكومة الإيرانية؛ مثل شركة مصر إيران للغزل والنسيج وبنك مصر إيران، إلى جانب استثمارات مملوكة لأفراد -وليست الحكومة- مثل شركات «الكحال» و«كازارونى»، التى تعتبر من أكبر مستوردى السجاد الإيرانى فى مصر. فيما اعتبر عبد الحميد كمال عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب أن أغلب الشركات التى تساهم إ يران بحصة فيها، أصبحت خاسرة، وليست إيران فقط هى المسئولة عن ذلك، فالإدارة السيئة من جانب الشريك الأساسى المصرى كانت عاملًا من عوامل الخسارات الفادحة، بالإضافة إلى أن وضع الاقتصاد فى الفترات الأخيرة عقب ثورة 25 يناير مقلق ومتدهور، وهو من الأسباب الرئيسية فى انهيار بعض الصناعات. ويطالب البعض بتصفية الشريك الإيرانى فى مصنع «مصر _ إيران» للغزل والنسيج، حيث يرى الدكتور أحمد مصطفى رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج أن الشريك الإيرانى من الأسباب الرئيسية فى الخسائر التى تتعرض لها شركة مصر إيران للنسيج، مشيرًا إلى أنه يستفيد من الدعم الذى تقدمه الدولة للشركة والأموال التى تضخها بالملايين، فيما لا يقدم هو أى دعم على الإطلاق. وفى المقابل، يتساءل الخبير الاقتصادى الدكتور رشاد عبده «مصر تقوم بالتطبيع مع إسرائيل واليهود، فلمَ لا تتعامل اقتصاديًا وتجاريًا مع إيران؟ خاصة أن إيران قوة دولية لا يستهان بها، ويمكن الاستفادة منها اقتصاديًا. وشدد عبده على أهمية وضع الضوابط والمعايير والقوانين بين الدولة والمستثمرين الإيرانيين نظرًا لحالة الخوف التى تنتاب الشارع المصرى. وتساهم إيران فى عدد من القطاعات الاقتصادية أبرزها مجال السيارات، فتشارك فى شركة سوزوكى إيجبت المصرية، وشركتى سايبا وخودروا الإيرانيتين، ومشروع مصرى إيرانى سعودى مشترك باستثمارات تتجاوز 200 مليون دولار فى مجال إنتاج البتروكيماويات. كما تعد شركة ميراتكس مصر إيران للغزل والنسيج هى النواة الاقتصادية الإيرانية التى زرعت فى السوق المصرى، ويمتلك الجانب الإيرانى فيها نسبة 49 بالمائة، وتضم الشركة العربية للصناعة والاستثمار والتجارة مصر إحدى الشركات التى تأسست مؤخرًا برأسمال إيرانى 100 مليون دولار، ويليها بعد ذلك بنك مصر إيران، الذى يعتبر من أكبر الاستثمارات المشتركة بين البلدين برأسمال يصل إلى 100 مليون دولار، وتبلغ حصة الجانب الإيرانى فيه نحو 20 بالمائة. وارتفع حجم التبادل التجارى بين البلدين حوالى 1.5 مليون جنيه مصرى بما يقدر بنحو 86108 ألف دولار مقابل 66942 ألف دولار العام الماضى، كما بلغت حجم الصادرات المصرية لإيران، وفقًا لآخر بيانات متاحة حصلت عليها «الصباح» من تقارير رسمية لوزارة الصناعة والتجارة، حوالى 21805 آلاف دولار للعام الماضى، مقارنة بالعام السابق والذى بلغ 30589، بينما بلغت حجم الواردات الإيرانية لمصر ما يُقدر بنحو 64303 آلاف دولار مقابل 36353 ألف دولار للعام السابق.