تصاريح حكومية لتسهيل مرور النفط الإيرانى عبر قناة السويس وخط «سوميد» وفد عراقى يزور القاهرة لإتمام اتفاقية تشمل تسهيلات أردنية برعاية موسكو السناوى: الفاتورة السياسية لبدائل النفط أكبر من إمكانيات دبلوماسيتنا منذ علقت شركة «أرامكو» السعودية إمداداتها النفطية المتعاقد عليها مع مصر، فى أعقاب موقف القاهرة المناوئ للرياض فى مجلس الأمن، وتبحث الحكومة عن بدائل لاستيراد احتياجات البلاد من البترول، حتى تتجنب التعامل مع السوق العالمية الفورية التى تتطلب سدادًا مباشرًا للثمن، وهو ما أعلنه بشكل واضح المهندس طارق الملا وزير البترول، الذى زار العراق الشهر الماضى، وتواصل مع أكثر من دولة فى إطار هذه المساعى، قبل أن تتزايد الأنباء عن الاتجاه إلى التعاون مع إيران، الخصم الرئيسى فى الشرق الأوسط للمملكة العربية السعودية التى تسببت بقرار التعليق فى هذه الأزمة، فى خطوة انتقامية وغير مدروسة، يبدو وفقًا لمؤشرات عديدة أنها تؤدى بالرياض إلى فقدان القاهرة كأهم حليف فى المنطقة العربية. ولأن إمدادات البترول تقوم بالأساس على العلاقات الدولية والمصالح السياسية، فإن مصر ستكون مطالبة بالدخول فى تحالفات سياسية جديدة، كثمن مبدئى للحصول على حاجتها من النفط من دول أخرى، يبدو أن إيران ستكون منها، فى ظل علاقات مصر التى تتنامى مع روسيا، الحليف العالمى الأول والرئيسى لإيران، التى هى بدورها أهم حلفاء الحكومة العراقية التى تواصل معها الوزير الملا، الذى قيل إنه طلب من بغداد التوسط لدى طهران، لإمداد مصر بالبترول. وتستهلك مصر نحو 75 مليون طن منتجات بترولية وغاز طبيعى، 35فى المائة منها مستورد من الخارج، بفاتورة شهرية تبلغ 800 مليون دولار، فيما كانت إمدادات «أرامكو» السعودية تمثل نحو 40فى المائة من المنتجات البترولية المستوردة، بموجب اتفاق كان يقضى بتوريد 700 ألف طن بترول شهريًا لمدة 5 سنوات مقابل 23 مليار دولار، وهو ثمن من الصعب على الحكومة المصرية أن تجد مثيلا له فى السوق العالمية. وبعد الأزمة مع السعودية، سارعت الحكومة للإعلان عن مناقصات لسد احتياجات السوق المحلية من النفط،، وتكبدت 700 مليون دولار قيمة المناقصات التى طرحتها فى ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار، وأصبح البحث عن بدائل قبل حلول فصل الشتاء ضرورة ملحة، وبالفعل توجد أمام مصر العديد من البدائل لتأمين احتياجاتها من النفط، تتمثل فى دول مثل فنزويلاوالعراقوالأردن والكويت والجزائر وليبيا، فضلًا عن إيران التى تملك رابع احتياطى للنفط فى العالم بعد فنزويلا والسعودية وكندا على الترتيب. وفى رحلة البحث عن البدائل تأتى إيران على رأس الدول المصدرة للبترول، التى تعد أول دولة أنتجت البترول فى الشرق الأوسط، ودولة بترولية رئيسية فى العالم، وتسعى للعودة تدريجيًا لاستعادة حصتها فى الأسواق العالمية، بعد رفع العقوبات عنها عقب توقيع الاتفاق النووى مع الغرب فى يوليو 2015. ويبدو أن حكومات كلا البلدين تريد عودة العلاقات الدبلوماسية، وتسعى لسرعة الإعلان عنها، ففى مصر أصدرت الحكومة فى مايو الماضى تراخيص رسمية لتمكين إيران من تصدير نفطها الخام إلى أوروبا، بشكل أسرع عبر استخدام قناة السويس وخط أنابيب سوميد، سرعان ما تبعها إعلان استعداد الشركات الإيرانية لتزويد مصر ودول شمال إفريقيا بالنفط ومشتقاته، قبل أن يعلن طارق الملا أن «مصر ليس لديها مانع من استيراد النفط الخام من إيران». وعلى صعيد الحكومة الإيرانية، فقد صرح مساعد وزير البترول «أمير حسين زمانى» بأنه يتمنى تطوير التجارة النفطية التى تؤدى إلى تحسين العلاقات السياسية بين مصر وإيران، فإيران أصبحت معنية بالشأن المصرى عقب الأزمة الأخيرة مع السعودية، ويبدو أن أمنية مساعد وزير النفط الإيرانى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التحقق، وأصبح البترول هو كلمة السر فى عودة العلاقات التجارية والدبلوماسية بين البلدين. ولا يمكن الحديث عن إيران دون الحديث عن العراقوروسيا، إذ تمثل الدول الثلاث حلقة لا تنفك، فأكدت وكالة «سبوتنك» الروسية أن وزير البترول المصرى سيقوم بزيارة روسيا خلال الأسابيع المقبلة للتعاقد والاتفاق على توريد شحنات، على أن يكون السداد بعملة روسيا «الروبل». الوكالة نفسها كشفت أن وفدًا عراقيًا رفيع المستوى من شركات البترول سيزور مصر للاتفاق على الإجراءات النهائية لتصدير البترول لمصر، وهو اتفاق جاء بوساطة روسية، ويقضى برفع الكمية التى تحصل عليها القاهرة من بغداد شهريًّا (200 ألف برميل) إلى مليون برميل. وقبل زيارة الملا الأخيرة إلى العراق، أكدت وكالات الأنباء الإيرانية أن وزير البترول المصرى كان قد زار الأردن لإبرام اتفاقيات استيراد غاز، فضلًا عن تسهيل استقبال النفط العراقى عبر ناقلات بحرية من مدينة العقبة الأردنية التى تصل إليها أنابيب النفط من جنوبالعراق. وبدورها سارعت ليبيا بعرض لتقديم المساعدات التى تحتاجها مصر، فور إعلان شركة أرامكو وقف إمداد مصر بالنفط، وقدمت الحكومة الليبية تسهيلات سداد بالجنيه المصرى. الفاتورة السياسية غير أن البدائل النفطية التى تبحث عنها مصر سيكون لها، بحسب المحللين، فاتورة سياسية، وسيكون ثمن البدائل هو تحالفات سياسية جديدة. فبحسب وكالة «سبوتنك» الروسية فإن العراق سيوافق على رفع حصة مصر من النفط مقابل إعلان مصر موقفًا صريحًا ضد تدخلات تركيا فى الشأن العراقى، أما عرض ليبيا لتعويض حصة شركة أرامكو فكان ردًا لجميل نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مساندة «قوات حفتر» ضد الجماعات المسلحة فى ليبيا، وأما التوجه إلى إيران فستكون خطورته خسارة دول الخليج ودعمها المادى والبترولى. الكاتب الصحفى عبدالله السناوى، علق على الثمن السياسى للبدائل النفطية، بأن من حق مصر تأمين احتياجاتها من النفط ويمكنها ذلك وفق علاقاتها الدولية. وأكد أن «توجه مصر لإيران غير مستبعد لكن لن يحدث الآن حتى حسم موقف توتر العلاقات المصرية السعودية»، مشددًا على ضرورة وجود حوار سياسى قوى وعلاقات دبلوماسية متقدمة مع دولة إيران، وأشار فى هذا السياق إلى أن دول الخليج بما فيها السعودية نفسها لم تتوقف لحظة عن الحوار مع إيران. السناوى أضاف أيضًا أن «التوجه إلى إيران سيقوى من موقف مصر السياسى، فالدولة الإيرانية أصبحت لاعبًا قويًا ومحوريًا فى المنطقة وعلينا استيعاب ذلك»، وفى الوقت ذاته أكد أن الدفاع عن الخليج ومصالحه «فرض على مصر»، منوها بأن التحالفات السياسية فى المنطقة التى ستجبر مصر على الدخول فيها من أجل البترول، لا يجب أن تقوم على القطيعة المطلقة مع دول أخرى، لكنه أبدى تخوفه من أن الدولة المصرية لا تمتلك إدارة دبلوماسية يمكنها تحقيق التوازنات السياسية. من جانبه، قال الدكتور مدحت نافع أستاذ التمويل بجامعة القاهرة، إن البدائل المنطقية التى يجب أن تضعها الدولة المصرية فى عين الاعتبار، هى إبرام عقود مستقبلية للنفط، عن طريق التوجه لبورصات النفط العالمية مثل شيكاغو، ولا يجب تفويت الفرصة الآن، لأن مصر يمكنها أن تحصل على نفط بأسعار مناسبة من البورصة، لكن ذلك يتطلب أن تمتلك مصر خبراء فى البورصة العالمية، لمساعدتها فى إبرام العقود بأقل التكلفة. نافع أشار إلى أن البديل لبورصات النفط العالمية، يتطلب التوجه إلى الدول المصنعة للنفط، وذلك يعتمد على العلاقات الدولية والتى سيكون لها ثمن سياسى، ولذلك يجب أن تتوجه مصر إلى الدول التى تحتاج أن تبيع البترول دون استخدامه فى المواقف السياسية، مثل فنزويلا التى تعانى من الانهيار الاقتصادى، وسيعتبر لجوء مصر إليها على سبيل المساعدة، كما أنه لا بد من تنويع المصادر حتى لا يتكرر سيناريو «أرامكو» مرة أخرى، وأشار إلى أن الدول التى يمكن أن تلجأ إليها مصر كثيرة، منها قبرصوالعراق والكويت وليبيا والجزائر. أما بخصوص إيران، فشدد على أن الدولة الفارسية هى التى تحتاج إلى مصر لأكثر من سبب، فهى تعانى من عجز فى الموازنة العامة للدولة نتيجة دعم بشار الأسد، وتحتاج إلى خلق سوق نفطية جديدة، وتحتاج إلى قناة السويس، وتحتاج إلى قناة سوميد، وكل ذلك ستوفره لها مصر، وبالتالى ستكون الدولة المصرية فى موقف مساوٍ لإيران.