نقل المسافرين يتم عبر ثلاثة مراكب مختلفة.. ومركب رشيد كان المرحلة الوسطى الأرياف والقرى الساحلية أماكن عملنا الرئيسية.. ونطرق أبواب العائلات لإقناعهم تسجيل المراكب بأسماء وسطاء وهميين وزوجات وأخوات المهربين السماسرة: رحلة الموت قد تستغرق 8 أيام ونشرب ماء البحر للنجاة من العطش هشام: شاركت فى عمليات تهريب مقابل تسفير أخى إلى إيطاليا محمد: شاهدت أبًا يرهن أحد أبنائه لدى سمسار مقابل تهريب ابنه الثانى مركب التهريب يباع للصياد ب800 ألف جنيه وللمهرب ب 1.2 مليون جنيه لم يجد «هشام. م»، 30 عامًا، وسيلة لتدبير طريقة لتهريب شقيقه سعيد (17عامًا) من مصر بطريقة غير شرعية، خاصة بعد اتهام الثانى فى قضية سلاح تم تبرئته منها بحكم المحكمة، سوى العمل فى تهريب البشر عبر أحد مراكب الهجرة غير الشرعية لكى يسدد ثمن سفر أخيه الثانى إلى إيطاليا لكى يستقبله شقيقهما الثالث، المتواجد فى روما منذ ما يزيد على 10 سنوات، وتحقق له ما أراد. حالة هشام واحدة ضمن حالات كثيرة لمصريين عملوا كسماسرة تهريب للبشر من مصر، أعلن العشرات بينهم توبتهم، بينما لايزال آخرون يمارسون تلك المهنة، «الصباح» التقت بعض هؤلاء التائبين الذين قرروا الإفصاح والاعتراف عن الطرق الخفية لتهريب البشر من مصر، وكيف تبدأ الرحلة وتنتهى عبر تجارة سوداء فى عرض البحر. على عبد الرحمن، (اسم مستعار) صياد فى الثلاثينيات من عمره، متزوج ويعول طفلين، حصل على مؤهل متوسط، عمل مع المهربين والسماسرة لمدة تقرب من العام، كما سافر أيضًا على مركب للهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا وعاد إلى الإسكندرية مرة أخرى، ثم ترك المهنة وتاب، يؤكد أن ما دفعه إلى الخوض فى تلك اللعبة هو حب الفضول والمال. يقول عبدالرحمن، إن البداية تأتى بتجميع المهاجرين من خلال السماسرة بالقرى والمحافظات وخصوصًا فى الأرياف القريبة من البحر المتوسط مباشرة، والسماسرة يكونون رجالًا ذوى ثقة من أهل قريتهم، وهم من يدورون على منازل أهل القرية والجيران ويطرقون أبوابهم لإقناعهم بالهجرة والنعيم الذى ينتظرهم هم وأبناؤهم فى بلاد الغرب. ويلفت عبدالرحمن، إلى أن هناك نوعًا آخر من السماسرة المعروفين أيضًا بالقرى لكنهم يجلسون على المقاهى ينتظرون زبائنهم الذين يريدون تسفير عائلاتهم، ويكشف أن هناك تخصصات فى عالم السمسرة، وأن هناك من يعمل مع المصريين وآخرين مع الأفارقة، والأخير يكون من دولة إفريقية غير مصر، لكى يطمئن المهاجرون الأفارقه إليه، ويتم تجميع المال منهم بالدولار، ويقدر بنحو 1200 دولار تقريبًا، ويكون للسمسار نسبة من المال المدفوع للهجرة، بينما يحصد المهرب أو «الرأس الكبير» - على حد تسميتهم- على النسبة الأكبر. طرق الدفع والرهان «المهاجرون الهاربون لا يدفعون المال كله دفعة واحدة، إما خوفًا من النصب عليهم أو لأنهم ليس لديهم المال الكافى لذلك»، هكذا قال «أحمد. ت» صياد سمك، 50 عامًا من الإسكندرية، كاشفًا عن أنه اتفق على تسفير ابنه من خلال التوقيع على وصلات أمانة و«كمبيالات» على نفسه للمهربين، فدفع 5 آلاف جنيه للسمسار، واتفقا على تسديد باقى المبلغ بعد أن يصل نجله ويعمل فى أوروبا. أشرف محمد (اسم مستعار) شاب فى أواخر العشرينيات، وهو أمى لم يحصل على أى شهادة دراسية ويعمل صيادًا، كان أحد العاملين فى تهريب البشر بشكل غير شرعى لكنه توقف عن العمل. ويشرح محمد أن عمله كان يقتصر على البر فقط، يقول ل«الصباح» إن هناك طرقًا كثيرة لتجميع أموال الهجرة، وأيضًا طرق الدفع، وأصعبها على الإطلاق أن يكون للأب ولدين، فكان يتفق أنه سيُسفر ابنه عبر مركب للهجرة، ويأخذ الابن الثانى كرهينة حتى يدفع كل المبلغ المتبقى عليه. ويستكمل: «هناك من لا يدفع أية أموال على الإطلاق، ويكتب إيصالات أمانة على أمل أن يعمل ابنه فى أوروبا، ويبعث له المال ليسدد ديونه، وأما الفلاحون ففى الغالب يرهنون أبقارهم أو أراضيهم وأحيانًا منازلهم التى يعيشون فيها، لكى يتمكنوا من تهريب أولادهم. السمسار التائب، يشير إلى أن المهاجرين أنواع، فمنهم من يبحثون عن العمل أو هاربون من الفقر والجوع، ومنهم أشخاص يملكون قدرًا كافيًا من المال ليعيشوا به ولكنهم يقارنون أنفسهم بجيرانهم الذين هربوا وأصبحوا من الأغنياء». ويشرح محمد أن بعض المهاجرين يهربون من أحكام بالسجن أو الإعدام، ويكشف أن أسرًا ثرية جدًا تهرب بأموالها وثروتها التى جمعتها، وتحجز مركبًا خاصًا بهم ليهاجروا عليه وحدهم، مبديًا ملاحظته أن تهريب الأسر كان يشمل الأسر السورية أو الإفريقية، لكنه أضيف إليهم مؤخرًا هجرة الأسر المصرية، معترفًا بأنه شاهد وشارك فى تهجير عدد كبير من الأسر المصرية. ويكشف «على. ف» وهو أحد السماسرة التائبين، أن عملية التهريب بشكل عام تعتمد على شبكة أشبه بالمافيا أكبرها المهرب(الرأس الكبير)، والذى لا يظهر فى الصورة ولا يعرض نفسه للخطر ويحرك العملية من خلف الستار، وأكد أن هؤلاء المهربين لا يعملون بمفردهم ولكنهم مدعومون ممن هم أكبر منهم. ويشرح على أن المهربين يلجأون لشراء مركب من إحدى ورش صناعة المراكب سواء بأبو قير أو المعدية بالإسكندرية، أو أماكن أخرى بالبحيرة مثل رشيد وبرج مغيزل بكفر الشيخ، ويتم شراء المركب وتسجيله بطرق ملتوية، فإما أن يأتى بصياد فقير لا يملك شيئًا يطلقون عليه «الكَحُول» وهو الشخص الذى يُشترى المراكب باسمه ولا يمتلكها مقابل قبض ربع ثمن المركب. وأكد «على» أن شيخ صيادين سابقًا بالإسكندرية - تحتفظ «الصباح» باسمه - وهو أشهر «كَحُول» بالمحافظة، حيث كان الوسيط الأشهر لشراء المراكب للمهربين، بينما توجد طريقة الثانية لعملية شراء المراكب وتسجيلها بطرق ملتوية، عبر تسجيل المركب باسم زوجات وشقيقات المهربين لإبعاد الشبهات عنهم، فإذا تم ضبط المركب فتكون مسجلة باسم سيدة وبالتالى تبتعد الشبهات عنها، منوهًا إلى أنه لا يوجد مركب بالبحر غير مسجلة. ويكشف على طريقة تسليم المركب للمهرب والتى تجرى على بعد أميال من شاطئ البحر، وقبل سفر المركب يتم عمل محضر بسرقة المركب من قبل مجهولين، فإذا تم ضبط المركب أثناء التهريب فيكون هناك محضر بسرقته، موضحًا أن عملية التهريب بأكملها تكلف المهربين نحو ثلاثة ملايين جنيه. ويقول «هانى.ا» أحد العاملين بورش تصنيع المراكب، إن المركب الذى يتم استخدامه للهجرة يكون مصنوعًا من الحديد أو الخشب وطوله 18 مترًا وعرضه 24 مترًا، ويباع للصياد ب 800 ألف جنيه، بينما يتم بيعه للمهرب بمبلغ 1.2 مليون جنيه، ويرجع فارق السعر إلى طرق التسليم داخل البحر وسرعة تسليم المركب للمهرب، مشيرًا إلى أن خفر السواحل بالإسكندرية ضبطوا أربعة مراكب كان على متنها العشرات من الشباب المهربين للخارج بطريقة غير شرعية على شاطئ أبو قير منذ بضعة أسابيع قبل حادث رشيد، مؤكدًا أنه وبعد حادث رشيد توقفت جميع رحلات الهجرة غير الشرعية وهرب معظم المهاجرين، وأنه فى الغالب لن تتم أى رحة خلال هذا الصيف، ومن المرجح أنهم سيرجعون الصيف المقبل لأنه فى الغالب لا توجد هجرة خلال الشتاء. تفاصيل بحسب روايات عدد من السماسرة التائبين لتفاصيل بدء الهجرة غير الشرعية، فإن السمسارة يجمعون المهاجرين فى مخازن كبيرة حتى موعد ركوب المركب، كما يتواجد سماسرة يعملون فقط فى توفير تلك المخازن للمهربين، وتكون لهم نسبة من مقابل السفر، فيتم تجميع عدد كبير من المهاجرين حوالى 600 أو 700 شخص، ويتم تقسيمهم على المراكب المختلفة ونقلهم فى ساعة الصفر، وقد تستغرق مدة اختبائهم فى المخزن بضعة أيام. ساعة الصفر فى الظلام عند منتصف الليل تكون ساعة الصفر، حيث يتم تجميع المهاجرين من المخزن على إحدى نقاط التهريب، والتى تكون أمام نقطة مهجورة بعيدة عن الأعين أو بالاتفاق مع الأمن - حسبما قال أحد السماسرة فى لقاء مسجل مع «الصباح» - أو من أحد الكافتيريات على أحد الشواطئ، وتكون الرحلة على ثلاث مراحل فيتم تجميعهم على أفواج على زوارق صغيرة ثم مركب متوسط ثم المركب المسافر، لافتًا إلى أن مركب رشيد الغارق لم يكن هو المركب المسافر بل المركب الوسيط بين الزورق الصغير والمركب الكبير، ويؤكد على أن أشهر أماكن تهريب الزوارق فى الإسكندرية كافتيريا بجوار مطعم لافيستا، وشاليه قرب شاطئ البرنس. رحلة الموت يقول «أشرف» السمسار، أن الرحلة تتراوح ما بين 8:7 أيام، ويتولى الرحلة فريق التهريب بداية من رئيس المركب، والذى يتولى القيادة حتى تصل إلى الشواطئ الأوروبية وخصوصا إيطاليًا، ويكون نصيبه من 70: 100 ألف جنيه، ويوجد «البَحَرى» وهم مساعدون لرئيس المركب، و«البحرى» يكون عمله الأساسى صياد ويكون نصيبه 20 ألف جنيه للرحلة الواحدة. وأضاف أنه يبدأ الانطلاق بأمر المهرب الكبير من خلال الهاتف، والذى يظهر دوره جليًا فى الجزء الأخير من الرحلة، والتى تكون الأهم على الإطلاق، حيث يتابعون الطريق من خلال أجهزة «gps»، فمثلًا يصل رئيس المركب إلى إحداثية محددة، وهى علامة مميزة فى البحر لكى يعرف الصيادون والمراكب طريقهم فى عرض البحر، فيتصل «الريس» لإعلامه بالإحداثيات، ليرشده عن الطريق. ويؤكد أشرف أن شروط اللعبة صعبة، فهم يعانون البرد القارس حتى أنه فى بعض الأحيان يجتمع ثلاثة وأربعة مهاجرين يلتفون ببعضهم للتدفئة، لعدم وجود أغطية تحميهم من البرد، كما أنه فى أغلب الأحيان لا يوجد طعام ولا ماء كافٍ فيكمل المهاجرون بقية الرحلة دون أكل أو ماء، وأحيانا يشربون من ماء البحر المالح، كما أن من يموت لا دفنة له ولا عزاء، فمصيره أنه وجبة هنية للأسماك والقروش، وأشار أنه حين يصل المركب ويقرب على الشواطئ الأوروبية فإنه لا يقترب منها لكى لا يطلق عليهم حرس الحدود البحرية النار بل يعطى إشارة لحرس الحدود أن المركب يغرق فيأتى الصليب الأحمر لإنقاذ المركب وتقديم المساعدات لهم.