لا وجود للثوابت فى عالم السياسة، فلا صداقة تستمر ولا عداء يدوم، الثابت فى عالم السياسة فقط هى المصالح، ومن المنتظر خلال الأسابيع المقبلة أن تبدأ كل من مصر وتركيا خطوات إعادة العلاقات بين البلدين بعد فترة من الجفاء والعداء استمرت منذ ثورة 30 يونيو 2013، وبعد عقود من قطع حبال الود بين البلدين منذ ثورة الخمينى فى 1979 فمن المتوقع بشكل كبير حدوث تقارب بين مصر وإيران. البداية من تركيا والتى تشهد تحولًا كبيرًا فى مجمل سياساتها وعلاقاتها الخارجية فى الآونة الأخيرة، وليس هناك من مفاجأة أكبر من زيارة أردوغان للعاصمة موسكو، والتى شهدت كثيرًا من التفاهمات المعلنة والسرية بين البلدين، وخلال الأيام الماضية خرجت أكثر من رسالة من أنقرة ذات مضامين إيجابية واضحة فى اتجاه القاهرة، ربما أوضحها ما أكده بن على يلدريم رئيس الوزراء التركى فى 20 أغسطس أن بلاده تريد تحسين علاقاتها مع مصر والتى وصلت لأسوأ مستوياتها. يلدريم قال: «نعتقد أننا بحاجة لتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية مع مصر كبلدين يقعان على ضفتى المتوسط» مُلمحًا إلى أن هذا الأمر سيستغرق وقتًا حتى تعود العلاقات طبيعية بين الدولتين مضيفًا «نعتقد أنه علينا أن نبدأ من نقطة ما». رئيس وزراء تركيا نفسه سبق وأعلن أنه يأمل فى تطبيع العلاقات مع القاهرة حين أكد فى يونيو الماضى أنه لا يريد «عداءً دائمًا» مع دول مثل مصر. مسلسل الغزل التركى بدأ منذ فترة، وقبل تصريح بن على يلدريم، قال وزير الجمارك والتجارة التركى بولنت تفنكجى، إن بلاده تتطلع إلى تحسين علاقاتها مع مصر، والأخذ فى الاعتبار المصالح المشتركة بين البلدين. تصريح بولنت فى 16 أغسطس الماضى كان جريئًا حين أوضح أن بلاده ستتخذ الخطوات المبادرة فى هذا السياق دون الحاجة إلى وسيط ثالث، وأن بلاده ستسعى لتطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية مع مصر، كما ستطلق عددًا من المبادرات لرفع الحظر وإزالة العوائق بين البلدين. وحسب مصادر مطلعة فإن القاهرة استجابت بالفعل للمبادرات التركية بشروط ذكرها أحمد أبوزيد الناطق الرسمى باسم الخارجية المصرية، وفى مقدمتها احترام إرادة الشعب المصرى، وهو الأمر الذى يتضمن اعتراف أنقرة بثورة ال30 من يونيو، وهو ما يعنى توقف تركيا عن مساندة جماعة الإخوان المسلمون، واعتبر أبوزيد أن العلاقات الراهنة المتدهورة بين مصر وتركيا تعد خروجًا عن المسار التاريخى الإيجابى للعلاقات بين البلدين. الرسائل التركية الإيجابية التى أعقبت تصريحات أبوزيد، والتى أشرنا إليها من تصريحات لرئيس وزراء تركيا ووزير الجمارك والتجارة التركى أضيف إليها رسالة إيجابية جديدة من أنقرة للقاهرة، نقلها على رضا جوناى القائم بأعمال السفارة التركية فى القاهرة، بقوله إن الشعار الذى رفعه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عقب فشل الانقلاب التركى، ليس المقصود به إشارة رابعة أو استفزاز مشاعر المصريين كما أشيع إنما هى شعار تمثيلى للدولة التركية التى تقوم على 4 دعائم وهى علم واحد، أمة واحدة، بلد واحد، حكومة واحدة. المصادر، أكدت أن القاهرةوأنقرة فى طريقهما لعودة العلاقات التجارية بين البلدين فى القريب، وأن جهود الوساطة الروسية آتت أكلها سريعًا، على العكس من الجهود السعودية والتى منيت بالفشل فى جميع خطواتها لتقريب وجهات النظر بين الجانبين التركى والمصرى. أما عن إيران فالمبادرة بدأت من القاهرة والتى بثت رسالة واضحة للتقارب مع طهران، خلال لقاء عقده السفير خالد عمارة رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية فى طهران، مع المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامى للشئون الدولية حسين أمير عبداللهيان فى 16 أغسطس الماضى، وقال عمارة: «إن القاهرة تأمل فى تعزيز العلاقات والتعاون بين إيران ومصر فى كل المجالات» مشيرًا إلى أهمية مكانة إيران فى المنطقة بقوله «إن زيادة التشاور بين مسئولى البلدين تسهم فى تحسين وضع المنطقة معربًا عن أمله فى تعزيز العلاقات بين برلمانى البلدين». عبد اللهيان من جهته قال «إن إيران ومصر بإمكانهما المساهمة فى خفض التوترات بالمنطقة من خلال التعاون الإقليمى المشترك». السعودية أيضًا كانت كلمة السر فى مبادرة القاهرة للتقارب مع طهران، فحسب آخر تقديرات للموقف فى منطقة الشرق الأوسط قدمت لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، باراك أوباما، فإن العلاقات بين القاهرة والرياض تمر بحالة من البرود والجفاء رغم محاولات مسئولى البلدين إنكار ذلك أو السكوت عنه، وأن مصر تشعر بالاستياء من السعودية التى كانت تميل لصالح تركيا فى أزمتها مع مصر محاولة الضغط مرارًا وتكرارًا على القاهرة للتقارب مع أنقرة رغم الإساءات التركية المتكررة حينذاك ومعظمها كانت إساءات على لسان أردوغان نفسه. هذه التحولات فى مواقف مصر الخارجية تأتى ضمن موجة ضخمة من التغيرات فى المواقف والعلاقات يمر بها الشرق الأوسط، فتركيا والتى انتهى بها 2016 فى عداء سافر مع روسيا تحولت بوصلتها خلال الأيام الماضية لتصبح الحليف الأقرب لها، وسعى أنقرة الحثيث نحو أوروبا والغرب انقلب ليصبح رغبة فى إنشاء تحالف إقليمى وعدم اكتراث للناتو والاتحاد الأوروبى. وبينما تمر العلاقات الأمريكية فى المنطقة بمرحلة من الضعف والوهن، تستغل موسكو ذلك بتثبيت موطئ أقدامها فى الشرق الأوسط، وبثت الحياة من جديد فى نظام الأسد فى سوريا، مع انحسار الموجة الداعشية من العراقوسوريا، بينما كانت السعودية ومن خلال عدد من الخطوات الواضحة أخذت مواقف إيجابية فى اتجاه علاقاتها مع إسرائيل، وبعد سنوات وحين يأتى الحديث عن الشرق الأوسط سيقولون قبل وبعد 2016 عام التحولات الكبرى.