تعد قبيلة الدينكا من أبرز القبائل التى تقطن جنوب السودان وتمتد فى العديد من الدول الافريقية الأخرى والتى لعبت دورًا بارزًا فى تاريخ الدولة، ويرجع علماء الأنساب الدينكا إلى مجموعة القبائل النيلية التى تقطن الجنوب فى مناطق أعالى النيل وبحر الغزال والاستوائية. وجاءت الدينكا من سفوح الهضبة الأثيوبية واستقرت فى هذه المناطق واستوطنت حول مناطق البيبور فى ولاية جونقلى بجنوب السودان ثم خاضت حروبًا مع بعض القبائل المحلية إلى أن اكتملت لهم السيادة على المنطقة. و تنقسم قبيلة الدينكا إلى فروع كثيرة منها دينكا كوى، والكوى بلغتهم تعنى الصقر الكاسر سريع الانقضاض، وينظرون له باعتباره جدهم الأكبر الذى يمجدونه ولهم فى ذلك أسطورة تقول إن كوى قد ولد مع هطول الأمطار بعد فترة من الجفاف، وينقسم الكوى إلى ثلاثة أقسام كبيرة تربط بينها كثير من العادات المشتركة وهى دينكا ريك، ودينكا قوقريال، ودينكا ملوال. وللدينكا عادات وتقاليد كثيرة مميزة قلما تجد مثلها فى الدول الأفريقية وعلى سبيل المثال عندما يولد لديهم مولود جديد لا يقرب والده أمه، إلا بعد فترة طويلة جدًا، وبعد أن يشب الولد عن الطوق يقومون بختانه -ليس ختانًا عاديًا- وإنما بعمل جروح على مقدمة جبهته إلى مؤخر جمجمته إضافة إلى كسر سنتين من أسنانه السفلى الأمامية وتتم هذه العملية على مرأى ومشهد جميع أهل القرية، وويل له إن رمش له طرف أو صدر منه صوت تأوه فهذا دليل على جبنه وهذا الجبن عار يلازمه طيلة حياته ولا يستطيع الزواج من بنات القبيلة حيث ترفضه جميع الفتيات بسبب جبنه. وتتميز قبيلة الدينكا بصفات مكنت لهم السيادة على عموم قبائل جنوب السودان فهم كرماء ويحرصون على صيانة عرضهم وشرف بنات القبيلة، كما أنهم لا يزنون، وعلى الرغم من التعرى والاختلاط بين الجنسين عند الدينكا؛ إلا أنه لم تسجل عندهم أى حالة اغتصاب. ونسبة لحجم قبيلة الدينكا، فإنه لا توجد قيادة مركزية فلكل عشيرة رأس كبيرة تسمى بالبنج يساعده كبار السن فى إدارة شئون العشيرة للحسم فى كل النزاعات التى تنشأ بينهم خاصة فى مسائل الرعى والزواج. ونظرًا لأن الدينكا رعاة وأصحاب ماشية، فإن عادات الزواج مرتبطة بالبقر ومهر الزواج يتحدد بعدد الأبقار، وبعض الزيجات يكون مهرها عبارة عن خمسة آلاف بقرة، وذلك تبعًا لمكانة العروس، ولاتذبح الدينكا الأبقار إلا نادرًا وفى حالة موت البقرة فإنهم يقومون بطهى اللحم وتجفيف الباقى وتخزينه، كما يُستخدم الجلد فى صناعة المفارش والطبول أما القرون والعظام فتستخدم فى صناعة التماثيل. وعلى الرغم من تمكن العادات فى وجدان الدينكا إلا أنها فى طريقها للتناقص بسبب الحرب الدائرة فى جنوب السودان، وأجبرت العديد منهم على النزوح إلى مناطق الشمال ودول الجوار الأفريقى مما أفقدهم ثرواتهم الأساسية التى يعتزون بها كثيرًا وهى الماشية. ويوجد فى ثقافة الدينكا نظام تعدد الزوجات اللانهائى، حيث يمكن أن تجد أحدهم متزوجًا بأكثر من عشرين امرأة، ويمكن أن ينسب سبعمائة ابن لأب واحد. وتعيش قبائل الدينكا الرعوية فى منطقة السافانا الغنية الممتدة فى جنوب السودان، وفى موسم الأمطار يقطنون منازل مبنية بالقش والطين تسمى (قطية) أما فى موسم الجفاف فيذهب الجميع إلى شواطىء الأنهار مع قطعان الماشية ولا يرجعون إلى منازلهم إلا مع بدء موسم الأمطار. القرابة عند الدينكا لها أهمية عظمى لذلك فإن تقسيم المراعى عند موسم الصيف يتم على أساس عائلى، ويتعصب أفراد كل قبيلة لبعضهم ويقدمون لهم النصرة ظالمين أو مظلومين ويمتد هذا التعصب ليشمل كافة أفراد القبيلة ضد القبائل الأخرى. قبيلة النوير وتعتبر قبيلة «النوير» ثانى أكبر قبائل جنوب السودان وتعيش فى أواسط شرقى أفريقيا بالمراعى العشبية ومستنقعات أعالى النيل فى جنوبى السودان وغرب إثيوبيا، ويتحدثون لغة النوير التى تنتمى إلى العائلة النيلية من اللغات الأفريقية، وينتمى أهالى النوير إلى مجموعة من الأفارقة السود تدعى النيليون، وهم يتصلون بقرابة وثيقة لقبيلة الدينكا بجنوب السودان. تؤدى الأبقار دورًا مهمًا فى حياة النوير الاجتماعية والدينية فمثلًا يعطى العريس هدية من الأبقار لعائلة العروس، ويقوم النوير بالتضحية بالأبقار، أما الحليب ومنتجات الأبقار فهى مهمة فى غذائهم. ويسوق أهالى النوير قطعانهم إلى مراع بجانب النيل وروافده أثناء موسم الجفاف من يناير إلى مايو، أما موسم الأمطار من مايو إلى ديسمبر فيغمر النيل واديهم وينتقلون الرى إلى أراض أعلى وهناك يقومون بزراعة الفول السودانى وحبوب الدخن والمحاصيل الأخرى ويبنى الأهالى منازلهم من الطين المجفف ويسقفونها بالقش. يدخل صبية النوير فى مرحلة الرجولة عندما يكونون بين 12 و16 عامًا وأثناء مراسم الانضمام يقوم أحد كبار القبيلة بجرح كل شاب من هؤلاء الشباب ستة جروح تسمى (شلوخ) عميقة بعرض الجبهة دلالة على النضج ولكن هذه العادات بدأت فى التراجع. أحدثت اتفاقية عام 1899 بين مصر وبريطانيا (الحكم الثنائى) بشأن السودان تغييرات كثيرة فى النوير، وبدأ بعدها الأهالى فى تعيين زعماء لهم ومع ذلك ظلوا يرعون الأبقار ويمارسون ديانتهم التقليدية. والنوير تعد ثانى أكبر قبيلة بعد الدينكا ثم يليهم الشلك وذلك من حيث التعداد السكانى وأساطير النوير شبه المقدسة تحكى أن جدهم الأكبر (لانجور) عبر النيل الأبيض عن منطقة منشودة ثم سار بهم إلى شرق ملكال حيث استقر بهم المقام هناك وهم ينحدرون أصلًا من الجد (ابينونيق) شقيق دينج وهو جد الدينكا. للنوير طقوس عديدة فلكل قبيلة من القبائل الرئيسية زعيم روحى مقدس فقبيلة (نوير بل) زعيمهم الروحى هو (دينق كوز) موجود فى منطقة ميوم وقبائل حبقى وأدوك زعيمهم الروحى هو ناكو لانق وهو فى الواقع امرأة تزعمت فى الزمن البعيد. و من عادات وتقاليد النوير التى يحافظون عليها أن الزواج يجب ألا يكون فى قبيلة واحدة تنغلق على نفسها لذلك يحرم النوير زواج الأقارب أو زواج الأسر سيئة السمعة وسط القبيلة أو ذات العيوب الخلقية أو ذات الأمراض الوارثية وهم لا يختنون ذكروهم أو أبناءهم. أما إذا مات فرد من القبيلة فإنهم يغسلون الميت ويحلقون شعره ثم يلف بثوب ويصلى عليه حسب العرف والتقاليد ويدفن بالقرب من بيته وتصلى المرأة الحداد على زوجها خمسة وأربعين يومًا بعدها تقسم ملابس الميت على فقراء القبيلة. وللنوير ستة شلوخ على شكل دائرى أفقى على الجبهة تبدأ من الأذن وتنتهى عند الأخرى كما يخلعون ست أسنان للدلالة على انتقال الصبى، الذى لابد له من التجرؤ على عادة التشليخ وإلا تم قتله، ولكن هذه العادات بدأت فى التلاشى. ومن أغرب العادات أن الابن الأكبر عندما يموت أبوه يعتبر كل زوجات أبيه له إلا أمه ومن ينجبه من أولاد لقاء تلك الزيجات فهم إخوة وليسوا أبناء. وعلى الرغم من تاريخ القبيلتين واتحادهما سويا طيلة الحرب التى دامت أكثر من عشرين عامًا ضد حكومة شمال السودان وحتى الانفصال عام 2011 وقيام دولة جديدة تضم تنوعًا ثقافيًا وقبليًا إلا أن الصراع دب بينهما عام 2013، وبدأ سياسيًا وسرعان ما تحول قبليًا ليخلف بعده تهاوى الاقتصاد والاستثمار، حتى تم الاتفاق فى أغسطس العام الماضى بإحلال الهدوء بين الطرفين عبر اتفاق سلام جديد، إلا أنه كان اتفاقاً هشًا وسرعان ما اندلعت الاشتباكات مجددًا الأسبوع الماضى، ولكن هذه المرة من الممكن أن تؤدى إلى عودة البلاد إلى نقطه الصفر.