«عبد الحميد»: المشهد الحالى يسيطر عليه الارتباك.. والنخبة أصيبت بالصدمة بعد صعود الإخوان «عيسى»: النظام لا يقبل بالتعددية.. وعدم التمكين تسبب فى ظهور رموز زائفة "مكاوى":تساقط الرموز الحالية يؤكد أنهم وصلوا مكانة لا يستحقونها «حفنى»: الرموز تربوا فى نظام ديكتاتورى.. والشارع يعيد فرزهم من جديد «ماذا أصاب النخبة المصرية؟».. سؤال بات يشغل بال الكثيرين سواء كانوا من المحسوبين على نفس هذه النخبة، أو من المهتمين بالشأن العام أو المواطن العادى، ويومًا بعد آخر يصدم الرأى العام بتفاصيل وملاسنات تصل إلى درجة السب والقذف بين عدد من الرموز أو المشاهير، وتشتعل حروب تكسير العظام بين رئيس النادى وإعلامى على إحدى الفضائيات، بينما ينشغل نائب برلمانى بسب رجل أعمال واتهامه بالقوادة، وفى خضم المعركة الدائرة، يبدو رجل الشارع مشتتًا بين كل هؤلاء، وغالبًا ما يخرج بنتيجة مفادهًا أن «النخبة سقطت»، غير أن الأمر يحتاج إلى تحليل أعمق من الخبراء والمتخصصين بشأن ما أصاب النخبة.. «الصباح» استطلعت آراء عدد من المثقفين والكتاب وأساتذة الاجتماع عن أسباب مستقبل ظاهرة «سقوط النخبة». المشهد الراهن وصفه الدكتور أحمد مجدى حجازى، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة، بأنه يعبر عن «اللامعيارية»، موضحًا أن هناك فرقًا كبيرًا بين النخب الثقافية والنخب المهنية أو الوظيفية، التى دائمًا ما تبحث عن الشهرة، وأكد أن تحليل خطابات توفيق عكاشة على سبيل المثال يثبت أنه باحث عن الشهرة، ويقوم بأفعال صدامية من أجل تسليط الضوء عليه حتى يصبح حديث المجتمع. ويضيف: «الأمر ذاته فيما يتعلق بمرتضى منصور، الذى يعد رمزًا نخبويًا مهنيًا لا مجتمعيًا أو ثقافيًا، وتحليل تصرفاته يؤكد أنه يسير على نفس طريقة توفيق عكاشة، ودائمًا يقوم بكل ما يمثل صدمة للمجتمع أو لأوساط بعينها حتى لا تنصرف عنه أضواء الإعلام وتتحقق غايته النفسية من ذلك». وتابع مجدى أن بعض الرموز التى تتساقط أيضًا لم تكن بمثابة نخبة ثقافية أو سياسية أساسية فى المجتمع وإنما هى نخب مهنية أيضًا معرضة للسقوط بسرعة أكبر من النخب الثقافية أو الركائز الأساسية للمجتمعات التى تصنع التاريخ والحضارة والعقل. مضيفًا أن الأزمة تتعلق بأن المجتمع المصرى يشهد منذ فترة كبيرة، عملية انهيار بين الشرائح المختلفة، خاصة أن الباحثين رصدوا تآكل الطبقة الوسطى التى تلعب دورًا هامًا فى المجتمعات البشرية، ودائمًا ما تكون صاحبة عملية التوازنات، ومع انهيار هذه الطبقة أدى الأمر إلى فقدان جزء من الأخلاقيات التى تربط بين شرائح المختلفة، وتعالت نبرات الصراع بين من يسمونهم بالنخب المهنية، خاصة فى ظل البحث عن الأهداف الشخصية، على عكس أهداف الرئيس. وأكد «مجدى» على أن غياب الهدف الموحد للمجتمعات دائمًا ما يؤدى إلى نشوب صراعات على أهداف خاصة وشخصية، فالمجتمع المصرى الآن يشهد هذه الحالة التى ينقسم فيها التوجه بشكل كبير، حيث تبحث الرأسمالية عن أهداف فى المجتمع فى الوقت الذى تعزف فيه عن المشاركة فى عملية التنمية، وتبحث طبقة أخرى من أنصار النظام السابق عن طرق عودتها للمشهد بكل الطرق الممكنة، يقابلها مشهد صراع من يرون أنهم أصحاب الثورة، وأنه لابد من إقصاء أنصار النظام السابق ورموزه، وهو الأمر الذى يشعل الصراع بين الفئات الثلاثة فضلًا عن فئة تعمل بشكل آخر، وتحاول تحويل المشهد إلى الفوضى والعنف. وتابع «مجدى» أن الرئيس السيسى يسعى إلى تنفيذ المشروعات العملاقة وتوطيد العلاقات الخارجية بما يسمح باستعادة دور ومكانة مصر اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، لكن العقليات التى تعمل تحت قيادته لا تزال تعانى بشكل كبير من العمل بشكل منفرد، لتحقيق مصالح خاصة، وتغيب عنها الرؤية الموحدة، الأمر الذى أدى بشكل كبير إلى حدوث انقسام حتى على مستوى رؤى النخبة السياسية، وعدم اتفاقها على رؤى واحدة تضمن توحيد كل الجهود نحو هدف قومى واحد يمكن من خلاله توحيد الجهود الشعبية أيضًا. من جانبه، قال الكاتب الصحفى صلاح عيسى، إن المشهد الحالى لا يعد انهيارًا ثقافيًا بمعنى الكلمة، وإنما يمكن توصيفه بأنه تراجع فى الدور الذى يجب أن تقوم به النخبة. وأضاف أن الأزمة تتعلق بمفهوم النخبة، حيث يفترض البعض أنها المجموعة التى تتفق على رؤى واحدة تتماشى مع الدولة أو ضدها، وهو أمر خاطئ، حيث أن هناك نخبًا عديدة ذات رؤى متباينة، منها النخبة الليبرالية واليسارية، وكذلك النخبة التى تساند الجماعات المتشددة، وهى نخبة تسعى لإشاعة الفوضى وتقليص دور الدولة فى مقابل سيناريو لن يقبل به المجتمع. وفيما يتعلق بآلية عمل النخب فى مراحل التغيرات السياسية، أوضح «عيسى» أن الأزمة تتعلق بالنظام الذى لم يقبل بالتعددية على مستوى الرؤى واختلاف الأهداف والمساعى، ويرى ضرورة التفاف النخبة وراء رؤية واحدة وسياسات واحدة، وهو أمر لم ولن يكون صحيحًا، خاصة أن التوافق يمكن أن يكون فى الرؤى الوطنية المشتركة التى تتعلق بوحدة الوطن وأمنه والحفاظ على سيادته، أما فيما يتعلق بالأمور الفكرية والسياسية والحقوقية، فإنه يجب على النظام أن يعيد النظر، ويتقبل تلك الرؤى المختلفة، لأنها مكونات المجتمع المصرى، وتعبر عن تيارات مجتمعية مختلفة، ويجب أن تشعر بأنها مشاركة برؤاها وسياساتها فى مستقبل الوطن، فعدم تمكين النخب الحقيقية أدى لظهور رموز زائفة. وقال الدكتور عبدالحميد زيد، رئيس قسم الاجتماع بجامعة الفيوم، إن الرموز التى ينظر لها البعض حاليًا على أنها تساقطت لم تكن بنخبة، بل استغلت حالة الحراك السياسى، وحاولت تمكين دعائمها عبر وسائل الإعلام والمال السياسى، واصفها إياها بأنها «صعدت ساقطة». وأوضح «زيد» أن الأزمة تتعلق بالمعايير المجتمعية ذاتها، والتى تدافع عن الحيز المكانى، أى الشخصى المنتمى لنفس المكان، حتى وإن لم يكن على قدر المسئولية، كما أن تحكم المال السياسى أضاع دور النخب الحقيقية، وأدى إلى ظهور مجموعة لم تكن تستحق هذا الظهور إلا أنها صنعت لنفسها مكانة غير حقيقية، معتمدة على آليات دائمًا ما يستغلها الوصوليون فى فترات التغير السياسى. وأكد أن المفارقة بين الفترة الراهنة والماضية فيما يتعلق بتعامل النخبة مع قضايا المجتمع، تتمثل فى أن السلطة والمجتمع كانا يقيمان النخب ويصنعان الرموز بطريقة صحيحة، وبمعايير حقيقية لا مزيفة، وهو ما كان يجعل النخبة مؤثرة بشكل حقيقى فى المجتمع، لا تسقط بهذا الشكل، أو تعكس صورة سيئة تسىء إلى الكوادر الحقيقية، التى لم يوسع لها المجال كى تمارس دورها الثقافى والتنويرى والسياسى الحقيقى. وأكد «زيد» على أن تحكم طبقة بعينها فى وسائل الإعلام وتحديد المرغوب فيه والمبتعد عنه أدى إلى توجيه فئة كبيرة من المجتمع ونفور فئة أخرى، وهو المشهد الذى انعكس على النخب أيضًا، فأصبحت متنافرة إلى حد كبير فى الرؤى والعمل، ما أدى إلى سقوط الواهمين والصاعدين على سلم الكذب والغش والخداع. من جانبه، قال الدكتور عماد حسن مكاوى، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة السابق، إن بعض الرموز التى كانت متواجدة على الساحة لم تكن تستحق المكانة التى حازتها، وأن تساقطهم واحد تلو الآخر يؤكد أنهم لن يعودوا مجددًا إلى المكانة القديمة، وأكد على أن مراحل التغيرات السياسية أو الصراعات دائمًا ما تكشف حقيقة النخب والرموز، وتلقى بالرموز الوهمية خلف الأضواء بعد افتضاح أمرهم وظهور حقيقتهم. وفيما يتعلق بمشهد البرلمان الحالى، الذى عكس الكثير من الصور الذهنية السلبية لبعض الرموز، أوضح «مكاوى» أن الأمر يعد طبيعيًا فى بعض حالاته، خاصة فى النسبة التى ما زالت تتحسس طريق السياسة، وهى التى ما زالت متخبطة إلى حد ما، وبعض الرموز الذين وصفهم ب«مثيرى الشغب»، لم يكونوا سواء أكثر وضوحًا على حقيقتهم التى لن تتغير داخل البرلمان أو خارجه، إلا أن موقع المسئولية جعلهم أكثر وضوحًا. وأكد «مكاوى» أن تحكم رأس المال فى الإعلام فى هذه الفترة ساعد على صعود بعض الأشخاص وخلق هالة إعلامية حولهم، غير أن هذه الحالة سرعان ما تساقطت عندما بدأ كل طرف يتعمق فى البحث عن الأهداف والمصالح الشخصية التى زادت من حالة الصراع، حيث أصبحت وسائل الإعلام ذاتها هى السكينة التى ذبح بها من استخدموها للوصول إلى المكانة الحالية. وشهدت الفترة التى تلت ثورة 25 يناير عمليات صعود وتراجع للنخبة الثقافية، خاصة أن شريحة كبيرة من المثقفين كانوا مشاركين فاعلين، بل ومحركين بشكل كبير عبر التراكمات التى سبقت قيام الثورة، وخلال الأحداث التى وقعت فى يناير، كانوا فى الصفوف الأولى، وبعد تولى الإخوان، استطاعوا أن يقودوا حركة التمرد مجددًا، من خلال اعتصامهم بوزارة الثقافة، لكن المشهد الذى تلا 30 يونيو شهد تراجعًا لدور النخبة الثقافية، وربما عزوفًا من الكثيرين عن المشاركة فى الأحداث، حتى عادوا للتحرك مجددًا بعد قضيتى إسلام بحيرى، وفاطمة ناعوت، ومؤخرًا أحمد ناجى. فى هذا الصدد، يقول الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، إن المشهد الحالى تسيطر عليه الحيرة والارتباك، خاصة من قبل النخبة الثقافية، بسبب العديد من التغيرات التى حدثت بعد الثورة، ومنها صعود الإخوان عقب الحراك الثورى فى يناير، ما مثل صدمة للمثقفين، وأدى إلى عزوف بعضهم عن المشاركة على الأرض، وتراجع دور البعض الآخر، وجاءت موجة 30 يونيو، فعادت معها شريحة كبيرة من المثقفين لتصدر المشهد، لكن ما تلا ذلك من استمرار بعض رجال نظام مبارك، أصابهم بما يسمى التوقعات المحبطة، والتى أدت إلى غياب البعض عن المشهد، وانقسامهم بين من يرون ضرورة مواصلة العمل، ومن يرون أن المناخ غير جيد، بعد تمكن رجال المال السياسى من السيطرة على المشهد من جديد. وتابع «عبد الحميد» أنه خلال الفترة الحالية، أدرك رجال الثقافة خطورة عزوفهم أو تراجعهم عن المشاركة فى العمل العام، وبدأوا فى الالتفاف مجددًا، خاصة أن قضايا حبس المثقفين أدت فعليًا إلى تحمس كل التيارات الثقافية لعودة دور المثقف إلى الساحة. وأكد أن الرئيس عبد الفتاح السيسى مهتم بالثقافة وبدور المثقفين، لكن الترشيحات التى تتم من بعض المثقفين تهمل التعددية والتنوع، الأمر الذى أدى إلى تصدير صورة للرأى العام، بأن الرئيس غير مهتم بالثقافة أو المثقفين، رغم أن الأمر عكس ذلك. من جانبه، قال الدكتور قدرى حفنى، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، إن الأزمة تتعلق بأن النخب الحالية تربت فى ظل نظم ديكتاتورية، الأمر الذى ينعكس على سلوكياتهم وتصرفاتهم، فالأحداث التى مرت بالبلاد خلال الفترة الحالية هى التى تفرز النخب، والشعب يعيد عملية إفراز نخبته، خاصة أنه لا توجد نخبة معبرة عن الشعب ككل، وهو أمر طبيعى فى ظل التغيرات التى طرأت على كل شرائح المجتمع. مشيرًا إلى أن الفجوة بين الشعب والنخبة دائمًا ما تؤدى إلى سقوط بعض الرموز أو إعادة إفراز رموز جديدة.