تخترق إحدى مزارع الدواجن التى تحولت لمخزن للبشر قبل رحلات الموت خفير المزرعة: شخص يأتى كل أسبوعين بشباب وأطفال ليحتجزهم ليومين أو ثلاثة.. ويأخذهم منتصف الليل فى سيارة نقل أمجد الخلفاوى: السمسار وضعنا فى مزرعة 4 أيام وقالنا «ماليش دعوة بأكلكم» فأكلنا الفراخ الميتة أشرف حجازى: انتظرنا داخل مزرعة ببلطيم أسبوعًا تحت تهديد الضرب بالنار خفر سواحل دمياط ضبطت مركبًا عليه 40 شخصًا بينهم سودانيان وعرب.. و60 محاولة هجرة أحبطها أمن كفر الشيخ خلال 2015 "أجساد متراكمة.. أنفاس تفوح منها الرعب والخوف.. عيون دامعة.. ووجوه وأمعاء اكفهرت من الجوع"، هذه المشاهد ليست من فيلم رعب، لكنه كان الوضع داخل أحد الأماكن الذى يتم بها تخزين الشباب المصريين الذين باعوا كل ما ملكت أيديهم ليرحلوا بحثًا عن عمل أو هربًا من ملاحقة، ليعيشوا الموت فى كل مرة وكل دقيقة يعيشون فيها خلال التجهيز لرحلة ربما تكون بلاعودة. بيان أصدرته الدكتورة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، كشف مسالك جديدة ومستعمرات، لمافيا سماسرة الهجرة غير الشرعية. الوزيرة حكت فى بيانها، الذى صدر نهاية العام الماضى، عقب زيارتها لإيطاليا، أنها «استمعت إلى أن بعض الأطفال الذين حكوا عن تخزينهم فى مزارع تربية الدواجن تحت تهديد السلاح فى مصر، قبل صعودهم إلى المراكب، خوفًا من إصدارهم أى أصوات أو تحرك أحد منهم بشكل يفضح السماسرة وأماكن تخزين المهاجرين». بيان وزيرة الهجرة نقل إحصائية صادرة من السلطات فى روما، بأن «2500 طفل مصرى وصلوا لإيطاليا عن طريق الهجرة غير الشرعية». وتفاقمت مشكلة تهريب الأطفال إلى إيطاليا، بالتحديد فى عام 2007، حين وقّعت بعض الدولة الأوروبية اتفاقية إعادة توطين مع مصر، تقضى بإعادة المهاجرين المصريين غير الشرعيين إلى مصر، فى ذلك الوقت تنبه السماسرة إلى قانون الهجرة الإيطالى الخاص بالطفل، الذى يستثنى القصر من إعادتهم إلى وطنهم. «الصباح» استطلعت الأمر ميدانيًا، وزارت إحدى مزارع الموالح والفاكهة، تبعد عن مدينة دمياط حوالى 15 كيلو مترًا، حيث أجمع عدد كبير المهاجرين على أنه توجد مزرعة لتربية الدواجن بداخل هذه المزارع، اشتهرت بتخزين راغبى الهجرة غير الشرعية فى منطقة عزبة البرج، وإذا كنت تريد الوصول لمزرعة الدواجن فعليك أن تدخل من بوابة خشبية كبيرة تحمل لافتة باسم «عبد القادر شلبى وأولاده.. صاحب مزرعة الموالح والنخيل»، لتسلك طريقًا لا يتعدى عرضه المترين وبطول حوالى 500 متر وسط أشجار الجوافة والنخيل، حيث يوجد كلب مقيد أسفل شجرة نخيل على كل 100 متر تقريبًا على الجانب الأيمن من الطريق المؤدى لمزرعة الدواجن. وبحسب ما رصدته «الصباح» بالصور، فإن مبنى مزرعة الدواجن من طابقين، حيث يوجد سلم أسفله كلب ضخم بجوار الباب المؤدى للطابق الأول، الذى تبين عند دخوله أنه عنبر فارغ تمامًا، كان يستخدم لتربية الدواجن منذ فترة ليست طويلة، حيث يوجد بعض الأدوات المستخدمة فى تربية الدواجن، ربما تثير غضبك تلك الرائحة الكريهة التى ستشمها أنفك طالما وطأت قدماك هذا العنبر، وكذلك تلك الأعمدة الخشبية التى وضعت فى المنتصف لحماية هذا السقف المتهالك من السقوط فى أية لحظة، وهو ما تبين لاحقًا أن هذا الطابق ذا الأعمدة الخشبية يستخدمه مستأجر المبنى لتخزين المقدمين على الهجرة غير الشرعية. وبسؤال الخفير الذى يقطن فى منزل صغير بجوار مبنى مزرعة الدواجن.. هل يتم بالفعل تخزين الأشخاص بها؟ قال: «إن صاحب مزرعة الموالح يقوم بتأجير مبنى مزرعة الدواجن لشخص (رفض الإفصاح عن اسمه)، وبالفعل أرى هذا الشخص يأتى كل أسبوعين تقريبًا بمجموعة من الشباب وأحيانًا الأطفال، ويحتجزهم فى داخل المزرعة لمدة يومين أو ثلاثة ويمنعهم من الخروج منها». وأضاف الخفير: «عارف إنه بيسفر المجموعات دى على مراكبه لإيطاليا، حيث يقوم هذا الشخص باصطحاب هذه المجموعة فى سيارة نقل بعد منتصف الليل ويأتى بمجموعة أخرى فى اليوم التالى فى نفس التوقيت تقريبًا». أما عن تهديد معتزمى الهجرة تحت السلاح، قال الخفير «هو ليس تهديدًا ولكن محاولة منه للسيطرة عليهم، إذا لم يفعل ذلك من السهل جدًا أن ينكشف فتعرف الشرطة مكانه». أمجد الخلفاوى، الذى يدخل ربيعه ال18، يجلس قرفصاء مستندًا إلى حائط بيته بينما ينفث سيجارته، يتذكر جلسته هذه قبل سنة، ولكن وقتها كان مستندًا على حقيبته فوق مركب كان يحمل 66 شابًا وأطفالًا فى عمره، كانت ملخص قصته أنه الناجى الوحيد من رحلة الموت المشؤومة على حد قوله، حيث كانوا قاصدين دولة إيطاليا فى منتصف شهر سبتمبر الماضى. أما عن ترتيبات ما قبل السفر فيقول: «يأخذ السمسار من كل واحد 5 آلاف جنيه ثم يأخذ مجموعة من الشيكات على الأهالى بباقى المبلغ وقدره 15ألف جنيه، ليسترده فور الوصول لإيطاليا وبعد أن أتصِل بأهلى لأخبرهم بأنى قد وصلت». أما عن مكان تخزينهم قال: «لما وصلنا مزرعة برشيد كانت قريبة من البحر، وجدنا أطفالًا بعمرنا فى مبنى لتربية الدواجن، السمسار قالنا هتقعدوا هنا 4 أيام، لم نكن نعلم هذا مسبقًا فلم نحضر طعامًا معنا، ولما سألنا السمسار عن الطعام قالنا: (مليش دعوة.. اتصرفوا)». «لقد قاومنا الجوع أول يوم، ولكن لم نستطع المقاومة لليوم الثانى، حاولنا كسر باب أحد عنابر المزرعة ليمسك كل منا بدجاجة يأكلها أو نحصل على ذلك البيض الذى نراه على أرضية العنبر، لقد كان مشهدًا مؤلمًا حين كنا نموت جوعًا ونحن نرى وراء هذا الباب الحديدى عنبرًا من الدواجن، ولكن لم نستطع كسر الباب خشية أن نصدر صوتًا، لذلك اضطررنا أن نأكل الدجاج النافق الذى كان يجمعه صاحب المزرعة فى أكياس كبيرة ويتركه بجوار باب المزرعة لتأتى سيارة تحمل هذه الأكياس كل صباح». أمجد يقول: «فى اليوم الرابع، تحديدًا فى الثانية بعد منتصف الليل، والمكان مظلم، طلب منا السمسار، وفق حكاية أمجد عن رحلته غير الشرعية إلى إيطاليا، أن نخرج ما معنا من أموال وأوراق، وقبل طلوع الفجر، قالوا: «اجروا ناحية صوت البحر، وجرينا فى مزرعة الموالح والتى كانت أشجارها تنال منا هى الأخرى لتمزق فروعها وجه من يصطدم بها، وكأنها تحذرنا من ما نحن مقبلون عليه، والكل جرى بسرعة للحاق بالمركب خوفًا من بطش السمسار ورجالته، فقد كانوا يطلقون النار فوق رؤوسنا، إلى أن وصلنا للمركب». ويكمل، «كنت أعلم بالرحلة ومخاطرها، وما الذى ينتظرنى هناك، إذ عرفت أننى سأدخل مدرسة على حساب الحكومة الإيطالية، تتولى رعايتى وإطعامى وتعليمى، ومن ثم أحصل على إقامة». حالة أخرى، يمثلها أشرف حجازى، 19 سنة، من مركز بتنون المنوفية، قضى هذا الشاب 11 يومًا من أسود أيام حياته على حد وصفه، حسبما يتذكر عن رحلة موته «انتظرنا داخل مزرعة حوالى أسبوع فى بلطيم، فكنا أشبه بالفئران التى تخرج من جحورها ليلًا لتأتى بطعامها، حيث كنا ننتظر حتى منتصف الليل لنخرج من المزرعة لنأكل من أشجار الفاكهة الموجودة حول المزرعة، كنا نعانى من شدة الجوع والعطش طوال النهار، ولكن لا أحد يجرؤ على أن يتحرك من مكانه أو يصدر صوتًا وإلا دفع حياته ثمنًا لهذا بالضرب بالرصاص، وعندما سألنا السمسار عن سبب الانتظار هنا قال إننا لا نستطيع الخروج إلا مع بداية أو نهاية كل شهر هجرى حتى لا يكون القمر كاشفًا إياهم، فاكتمال القمر يساعد خفر السواحل على رؤيتنا، حيث نحتاج للظلام التام، وكمان شرطة السواحل مشددة اليومين دول». آخر محاولة إحباط للهجرة، قامت بها خفر السواحل فى محافظة دمياط وكانت لمركب يحمل حوالى 40 شخصًا من بينهم سودانيان وعرب ومصريون وتم احتجازهم فى مركز شرطة دمياط. أما فى محافظة كفر الشيخ، فبحسب التقارير والإحصائيات الأمنية الصادرة من مديرية أمن كفر الشيخ، بشأن رصد الهجرة غير الشرعية عبر سواحل المحافظة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، منذ بداية العام الماضى 2015 وحتى الآن، فعدد رحلات الهجرة غير الشرعية التى تم إحباطها قبل القيام بها تعدت 60 محاولة، وأظهرت التقارير، أن معظمهم من تم القبض عليهم خلال تلك المحاولات ينتمون لجنسيات إفريقية وعربية. ويوضعون أطفال الهجرة غير الشرعية، عبر كفر الشيخ، فى مزارع الدواجن، بقريتى الشيخ مبارك، والشهابية إحدى قرى مركز بلطيم، وكذلك قرية الحماد التابعة لمركز البرلس، وفقًا لتقارير ومحاضر الشرطة بمديرية أمن كفر الشيخ، بعد سلسلة من المداهمات لهذه المزارع، كما توجد أيضًا العديد من مزارع الدواجن فى منطقة عزبة البرج فى دمياط، التى تشتهر بوجود سماسرة وأصحاب مراكب متخصصة فى نقل معتزمى الهجرة غير الشرعية إلى قرب سواحل إيطاليا، حيث أصبح للمهاجرين غير الشرعيين رخصة استخدام صفة لاجئ سورى حتى لا تعيده الدولة إلى وطنه، فى حالة الإمساك به قرب سواحلها. ويتنصل الحاج صالح أحد الصيادين بمنطقة بلطيم من السماسرة أصحاب مراكب الموت التى تحمل الشباب إلى أوروبا فيقول: «الصياد اللى يعمل كدا يبقى ما عندوش ضمير.. وحسبى الله ونعم الوكيل فيهم، وعلى الفكرة شرطة السواحل تعرفهم بالاسم».