الترويج لحفلات التوقيع بإعلانات على مواقع التواصل والتكلفة بالدولار «الفولورز» يشاركون فى المعرض على طريقة الأولتراس
تغيرات بارزة، طرأت على معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته ال47 لهذا العام، فى نوع الجمهور وفى الإصدارات أيضًا، حيث اكتست ساحته بشباب دون ال18، كما طغت الرواية على دور رفوف دور النشر، وكانت الأكثر مبيعًا، مقارنة بكل صنوف الكتابة؛ الأدبية والبحثية. تلك الظاهرة لم تداهمنا فجأة، فقد بدت إرهاصاتها فى معرض العام الماضى، مع الشاعر والأديب والموسيقى والمغنى زاب ثروت، وروايته الغريبة «حبيبتى»، ومع رواية الأديب والمصلح والسياسى والداعية الإسلامى عمرو خالد، والتى أطلق عليها اسم «رافى بركات». وعبر رصد متتابع على أيام متتالية، من «الصباح»، اتضح أن الأمر لم يكن عشوائيًا، بل منظم بشكل ما، حيث يأتى هؤلاء الشباب فى مجموعات كبيرة حاملين قائمة كتب بعينها، الغريب فى الأمر أن معظم الكتب التى يقبل عليها أفراد هذه الفئة، تكاد تكون متواضعة أدبيًا، وبعضها يصل لمستوى الركاكة، ونكتفى هنا للإشارة إلى الظاهرة بشكل عام، عبر أحاديثنا مع هؤلاء الشباب، صغار السن، دون ذكر أسماء الكتب. مها على، أوضحت أنها والعشرات من أصدقائها الذين جاءوا معًا للمعرض، جاءوا لشراء كتاب لشاعر شاب، بعدما أصبحوا من جمهور صفحته، «فانز»، إثر مشاركتهم على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى، «حيث يتابعهم جيدًا من خلال صفحته، ويكتب لهم ما يريدونه وما يشعرون به». أما سوزان أحمد «18 سنة»، فرأت أن هناك كتابة جديدة، بحسب تعبيرها، «تعتمد على طرح المواقف التى تحدث يوميا بين أى ولد وبنت أو صديق وصديقه، وهذا الأمر هو ما جعلها تهتم بشراء بعض كتب الشباب الذين يطلقون على كتابتهم الكتابة الجديدة». الظاهرة لها إيجابياتها وهى الاتجاه للقراءة وظهور أدباء جدد وكتابة جديدة، ولكن لها سلبياتها أيضًا، فهى تكشف أن صفحات التواصل الاجتماعى صارت هى المُشكل الأساسى لوعى وثقافة جيل كامل قادم، بدلًا من أدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وحتى علاء الأسوانى ويوسف زيدان وكتب الشعراوى ومصطفى محمود وأنيس منصور، وغيرها من الكتب التى تحوى العلم والإبداع الحقيقى. على مدار نحو 10 أيام شهد المعرض أكثر من 20 حفل توقيع، ضم المئات من الجمهور «الفانز»، وهم دائما لهم طقوس خاصة فى حفلات التوقيع، فهم يشبهون الألتراس، ويقومون بتنظيم عروض وحركات بعينها ويدورون فى صالات العرض لجذب الانتباه إلى حفل التوقيع، كما يرددون أسماء الكتب بأصوات عالية، ويرفعون «بانرات» الكتاب على مداخل الصالات. ويختص أصحاب هذه الكتب «الظاهرة» فى دور نشر خاصة، على رأس هذه الدور التى تشهد أكثر حفلات «الفانز» هى «أ» ودار «دَوِن»، ودار «تويا» هذا العام، وبعض الدور الأخرى، فيما يقتصر عمل بعض الدور الكبيرة مثل الشروق وميرت ودار العين، على نشر الأعمال الأكثر رصانة وإبداعًا. اللافت للنظر أن هذه المجموعات، لم تسر من تلقاء نفسها، وبحسب بعض مديرى صفحات الكتاب على مواقع التواصل الاجتماعى، فإنهم يتولون عمليات التنظيم والتنشيط وجمع الشباب فى مناطق ومواعيد متفق عليها مسبقًا، كما أنهم يتولون عملية الترويج والدعاية عبر خدمات يوفرها «فيس بوك» بالدولار، بحيث يصل المنشور إلى أكبر عدد ممكن. وما يجعل الشاب يقبل على هذه الحفلات، التعرف على الكاتب وبعض باقى «الفانز» الذين يعرفهم فقط على صفحات التواصل، وهكذا تتحقق أهداف الكاتب، من نيل للشهرة وتحقيق مبيعات، عبر الشباب. مسألة الحكم على الأعمال الإبداعية التى تباع فى هذا الإطار تختلف فيها التقييمات، فما بين فريق يصفها بأنها كتابة حداثية شابة، وأنها فتحت المجال للشباب نحو الإقبال على القراءة، وبهذا تحقق الجانب الإيجابى، وما بين فريق يصفها بأنها تمثل نقطة خطر، تجرف وعى جيل كامل، باعتماد السطحية ثقافة، إلا أنه فى كل الأحوال لا أحد يستطيع أن يفرض وصيته على الأمر، فبالطبع يبقى التقييم للقارئ، حتى لو اختلف تقييمه باختلاف مراحل عمره ونضجه. عدد من الكتاب أبدوا رأيهم فى الأمر، إلا أنهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم، حتى لا تؤخذ آراؤهم بمحامل أخرى، نظرًا لمشاركتهم بأعمال إبداعية فى معرض الكتاب، إلا أن الكثير منهم أوضح أن «الظاهرة تشبه الإقبال على أفلام (اليومين دول) التى لا تمثل إبداعًا فى السينما المصرية، وأن معظم الكتاب الشباب يقدمون كتابات لا تنتمى للإبداع بشىء، اعتمادًا على جمهورهم على (فيس بوك)، وهذا الأمر لا يمكن السيطرة عليه، ولا يمكن مصادرة أى عمل أيًا كان ركاكته، ومنهم من أكد على ضرورة بذل الجهد فى إظهار الإبداع الحقيقى وتصديره للمشهد». فى الوقت الذى أكد فيه عدد آخر من الكتاب، أن الظاهرة ليست مؤثرة وتقتصر على معرض الكتاب فقط، وأن الأعمال الحقيقية لها قراؤها الذين يواظبون على القراءة ويسهمون فى إثراء الحياة الثقافية.