الناس يتذكرون بصعوبة تفاصيل ساعات مشاهدة التليفزيون.. لكنهم لا ينسون أوقات صحبة الأصدقاء أو ممارسة الألعاب نشعر بالمتعة حين يختفى إحساسنا بالزمن ونندمج فيما نفعل أن تستيقظ صباحًا متفائلًا، بقلب مبتسم للوجود، تتأثر بالأحداث السلبية كباقى البشر، نعم، لكنها لا تترك بصمتها اللعينة على يومك وحياتك.. يعنى أنك تمارس السعادة. السعادة لا يتم البحث عنها أو انتظارها، هى ليست مرتبطة بالضرورة بالمال أو المنصب أو الحصول على أى امتيازات حياتية، لكنها تنبع من داخلنا.. صحيح أن الثروة تجعلك تزور بلادا جميلة وتشترى ملابس غالية وتأكل فى أفخم المطاعم، وتقود سيارة فارهة، لكنها تزرع داخلك الاستمتاع بكل ذلك إلا إذا كنت مستعدًا نفسيًا لممارسة السعادة بهذه الأشياء أو بدونها، وربما يفسر ذلك أن الاكتئاب والانتحار موجود بين الأغنياء وفى الدول المتقدمة مثلما هو بين الأفراد والدول الأقل وإن تفاوتت النسبة. السعادة ليست محطة نصل إليها ونستريح، لإنهاء رحلة طويلة تكتمل بإحساسنا بالمتعة. هل هناك فرق بين المتعة والسعادة؟ نعم، هناك فرقًا كبيرًا بين أن تفعل شيئًا لمجرد أن يعود عليك بمنفعة لحظية تحتاج دومًا إلى تجديد وهى السعادة، وبين أن تفعل الشىء نفسه طلبًا لإحساس عميق، دائم، حاضر حضور دفء الشمس وإن لم ترها مباشرة، وهو المتعة. حين يتضح لك هذا الفرق يمكنك أن تسرع نحو حياة متوهجة، مليئة بالطاقة والتركيز. مثلًا، غالبًا ما نشاهد التلفزيون طلبًا للسعادة لا للاستمتاع بما نشاهد أو استعدادًا وفرحًا بما نرى، ولهذا فإن قليلًا جدًا من الناس من يستطيعون تذكر الساعات الكثيرة التى قضوها فى مشاهدة التليفزيون خلال الأسبوع الماضى مثلًا، فهى سعادة روتينية مصحوبة بالبلادة لا تقارن بوقت لطيف قضيته فى إعداد عشاء لأصدقائك، أو ممارسة لعبة معينة معهم، أو اللعب مع أطفالك، أو الذهاب للسينما مع شريكك، فعندما نعود بذاكرتنا إلى هذا الحدث نتذكر بوضوح شديد كل تفاصيل الوقت. إننا نشعر بالمتعة حين يختفى إحساسنا بالزمن، ونندمج تمامًا فيما نفعل، وهو ما يحتاج إلى مهارة وتحد. فمثلًا الجنس الروتينى، والأكل، والشرب، واستلام المرتب الشهرى، كلها أمور تحقق لنا سعادة مؤقتة، أما تربية أولانا بتركيز، وممارسة الرياضة، وتنظيم حديقة المنزل، ولعب الشطرنج، وغيرها من الأنشطة التى تستلزم مهارة فى مواجهة تحد ما، هذا ما يشكل المتعة. فزيادة المهارات والسعى وراء التحديات لاستخدام تلك المهارات هو ما يؤدى إلى حياة ممتعة. قد نسمع قصصًا كثيرة عن أشخاص فازوا فى مسابقات مالية، أو ورثوا ثروة كبيرة كفيلة بجلب المتعة، لكننا نجد أن بعضهم تتحول حياتهم إلى كابوس بعد حصولهم على هذا المال الجاهز غير المكتسب بالكد والعمل أو دون تحد، فالمتعة الحقيقية فى المال تأتى غالبًا من اكتسابه والذى يستلزم مهارة وتحديًا. علاقات كثيرة نديرها بمنطق السعادة المؤقتة لا بمنطق المتعة التى تبقى فى الذاكرة ولا تخفت بل تدفعنا دومًا إلى الأمام، ولإنجاز أفضل، وحياة أكثر تألقًا وإشراقًا. ألاحظ أن الكثيرين يذهبون إلى العمل دون دافع قوى يحرك رغبتهم فى العطاء، لأنهم مع الوقت يفقدون قدرتهم على الاستمتاع بالعمل، تسقط منهم بعد فترة دهشة ولذة العمل. فحتى وإن كان ضاغطًا بعض الشىء، يمكنك اختلاق معنى إيجابى منه يجعلك دائمًا متحديًا لذاتك، مطورًا لمهاراتك. اكتشف المتعة فى حياتك كمعنى وقيمة مرتبطين بالجهد والتحدى لا بالسلبية والتراخى.. متعة يبقى أثرها ما بقيت الحياة.