داليا عبدالحميد: نضغط على وزارة التعليم لتبنى برنامج التثقيف الجنسى بالمدارس عايدة سيف الدولة: هالات التحريم جعلت الجنس مجالًا خصبًا للخزعبلات والتخويف والترهيب نادية عبد الوهاب: العديد من صعوبات العلاقة الحميمية ترجع للجهل بجسد الآخر وطبيعة العلاقة الجنسية أمل فهمى: لا نعنى تعليّم ممارسة الجنس.. وإنما الاستجابة لحاجات المراهقين والشباب إلى معلومات حيوية عن التغيرات الفسيولوجية نهى رشدى: أكبر العقبات عدم استعداد المدرسين لمناقشة الموضوعات الجنسية فى الفصل أنه الحلال المحرم، والرغبة المكبوتة، ورغم ضرورتها تكاد تشبه القنبلة الموقوتة العصية على المفاوضات، إنها التفاحة الشهية المغلفة بهالة من الحرام والمصحوبة بنكهة العيب.. هذا هو الجنس الذى يثير حب الاستطلاع دائمًا وأبدًا لكونه من أولويات الحاجات الإنسانية العميقة المتعلقة بالجنس البشرى، لكنه فى كثير من المجتمعات، خاصة الشرقية منها، يحظى بنظرة اشمئزاز وإدانة. ورغم الانفتاح الثقافى الذى يشهده العالم بعد ثورة الانترنت، إلا أن المعلومات عن الجنس ما تزال فى طور الانعدام، بل والتشويه، تحت ضغط الأسرة المحافظة والمَدرسة الدينية ورجل الدين المنغلق الذى يصب لعناته على كل من تسوّل له نفسه تثقيف الصغار إنجابيًا، أو مناقشة الجنس علميًا، فى حين أن هناك أبوابًا أخرى مفتوحة أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعى والواقعى على السواء، لاغتراف ما يمكن اغترافه من ثقافة جنسية، مع ما تيسر من أمراض ومفاهيم، كثيرها خاطئ ويؤثر بشكل سلبى كبير على عقول الشباب. من أجل هذا كله أطلقت العديد من المنظمات النسوية والحقوقية حملة بمناسبة اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة، تحت عنوان «مش عيب»، مؤكدين على أن التثقيف الجنسى للمصريين ضرورة وليس رفاهية. ويعرف صندوق الأممالمتحدة للسكان التثقيف الجنسى بأنه: «عملية تستمر مدى الحياة للحصول على المعلومات وتشكيل الاتجاهات والمعتقدات والقيم بشأن الهوية والعلاقات الحميمية. وهو ما يشمل التطور الجنسى والصحة الإنجابية والعلاقات الشخصية والعاطفية والحميمية وتصور الجسد وأدوار النوع الاجتماعى. وله أبعاد بيولوجية واجتماعية وثقافية ونفسية وروحية. «مش عيب نحمى البنات من الختان، مش عيب نوعى الأطفال بمرحلة البلوغ، مش عيب نحمى السيدات من العنف المنزلى، مش عيب نحمى فتياتنا من التحرش، مش عيب يكون عندنا حياة جنسية مرضية».. تلك هى القواعد التى أطلقتها حملة «مش عيب» لنشر الوعى بأهمية التثقيف الجنسى، بالتزامن مع اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة، والتى أطلقتها كل من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة للتنمية، ومؤسسة تدوين، ضمن فعاليات 16 يومًا من النضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعى. وتقول عايدة سيف الدولة، أستاذة الطب النفسى بجامعة عين شمس، وأحد مؤسسى مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، إن ما ينطبق على الحق فى المعرفة عمومًا ينطبق على التثقيف الجنسى على وجه الخصوص، ما من موضوع أحيط بهالات التحريم إلا وكان مجالًا خصبًا للخزعبلات والادعاءات والتخويف والترهيب، ومن ثم حرمان الإنسان من المعرفة وحق الاختيار. وأضافت سيف الدولة أن التثقيف الجنسى هو تمليك الإنسان المعرفة بكينونة ذلك الخليط من الأسئلة والمشاعر والسلوك والتغيرات الجسدية والنفسية والوجدانية المرتبطة بالتطور النفسى والجسدى للإنسان واحتياجاته ورغباته، وكيفية فهمها والتعامل معها، مؤكدة أن ذلك أمر ضرورى جدًا بدرجات متفاوتة منذ اللحظة التى يدرك فيها الطفل أو الطفلة أن له أو لها جسدًا، ويبدأ فى السؤال عنه. وقالت نادية عبد الوهاب، عضو مؤسسة المرأة الجديدة، وأخصائية طب المسنين، أن الكثير من النساء والرجال يعانون من المشكلات فى علاقاتهم، وترجع جذور العديد منها لصعوبات فى العلاقة الحميمية بينهم، مضيفة أن هناك أفكارًا مغلوطة عن الآخر، بل وحتى عن النفس، من عدم معرفة بجسد الآخر وبطبيعة العلاقة الجنسية، واحتقار دفين متوارث للجنس، يمتزج مع الشغف الإنسانى الطبيعى. وتابعت عبد الوهاب: «حين يتابع أحدنا فرحة عروسين فى ليلة العمر، يشعر عادة باحتياجهما للكثير من حسن الحظ حتى يتجاوزا معًا معضلات كان من الممكن أن تحلها الثقافة الجنسية، التى تتيح لنا معرفة أن متعتنا تبدأ من تجاوب الطرف الآخر، وتمكننا من وسائل تحقيق هذا». وتقول الدكتورة أمل فهمى، مدير مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعى، إن كثيرين من الكبار سواء الأهل أو القائمين على العملية التعليمية أو رجال الدين أنفسهم يعتقدون أن التثقيف الجنسى يعنى تعليم الصغار كيفية ممارسة الجنس، وتشجيعهم على ذلك، لكن الحقيقة العلمية تشير إلى أن المقصود بالتثقيف الجنسى فى المدارس والجامعات هو تقديم معلومات حول تطور الإنسان عمومًا، والسلوك الجنسى والصحة والقيم فى العلاقات والاتجاهات. وتضيف: «هى لا تعلّم الشباب كيفية ممارسة الجنس، بل تهدف إلى الاستجابة لحاجات المراهقين والشباب إلى المعلومات الحيوية ذات الصلة بالتغيرات الفسيولوجية التى تحدث لهم، ومشاعر القلق الخاصة بالزواج والإنجاب». وكان مسح وطنى أجراه مجلس السكان فى أواخر التسعينيات ضم الشباب بين سن 10 و19 عامًا، أظهرت نتائجه أن 69 فى المائة من الأولاد و60 فى المائة من الفتيات يتعرفون على التغيرات الفسيولوجية والتغيرات الأخرى من مصادرهم. أما فيما يتعلق بالأهالى المبحوثين فقد قال 42 فى المائة منهم أنهم تحدثوا مع أبنائهم عن التغيرات المصاحبة لفترة البلوغ، فى حين أكد 17 فى المائة فقط من أبناء هؤلاء الأهالى على ذلك. وهذه النتائج لا تشير إلى أن المراهقين والشباب يفتقدون إلى المعلومات الأساسية بشأن الأمور الجنسية فحسب، لكنها تثبت أيضًا وهو الأهم أن الأهل يعجزون عن تثقيف أطفالهم الذين يبحثون لدى السلطة عن معلومات عن الصحة الجنسية. مما يؤكد أهمية الحصول على ثقافة جنسية من جانب إيجابى. وتضيف فهمى أن غالبية الأسر المصرية لا تنقل المعارف الأساسية الخاصة بالأمور الجنسية بل ويتجنب الوالدان عادة مناقشة الأمور ذات الصلة بالجنس مع أبنائهم، إما لأنهما يشعران بالحرج من الحديث فى مثل هذه الأمور مع أطفالهم أو لأنهم لا يملكون المعلومات التى يحتاج المراهقون والشباب إلى معرفتها. كذلك فإن المزيد من الانفتاح قد فاقم من فجوة التواصل بين الوالدين وأبنائهم مشيرة إلى أن الشباب المصرى يمضى حاليًا مزيدًا من الوقت فى المدرسة ومع الأصدقاء وفى الأماكن العامة أكثر مما يمضون فى المنزل. كما أن ثورة الانترنت مكنت الشباب المصرى من الاطلاع والتعرض للكثير من المعلومات الخاطئة والتمثيل الضار دون أن يكون مسلحًا بالمعرفة والقيم اللازمة لموازنة هذه المعلومات الخاطئة. إن جهل الشباب يتركهم عرضة للنتائج الصحية السلبية. فيما تتساءل داليا عبدالحميد، مسئولة النوع الاجتماعى بالمبادرة: «لماذا لا يوجد تثقيف جنسى بالمدارس، من أجل تعليم آمن للفتيات، يحميهن من الزواج المبكر، ومن التسرب من التعليم، ومن مخاطر الإنجاب فى الصغر، وأمراض الحمل، والإجهاض غير الآمن»، لافتة إلى أن المبادرة تضغط على وزارة التعليم لتبنى برنامج التثقيف الجنسى بالمدارس. وتشير عبدالحميد إلى أن الدولة تتكبد تكلفة اقتصادية كبيرة لمواجهة العنف ضد المرأة، سواء على الرعاية الصحية أو من الناحية القانونية، ولكن لا تأتى بالصدى المطلوب، فما زالت ظاهرة الختان ضد الإناث موجودة رغم محاربة الدولة لها منذ عقدين، والعنف المنزلى قائم، موضحة أن الثقافة الجنسية لا ترتبط بالجنس فقط، وإنما ترتبط بمعرفة المعلومات المناسبة لكل مرحلة عمرية، سواء التى تختص بمرحلة الطفولة، أو المراهقة، أو سن الزواج، أو مرحلة منتصف العمر. وردًّا على انتقاد الرأى العام لدور وزارة التربية والتعليم فى رفع وعى الشباب بقضايا الصحة الإنجابية فى عام 2009، قال يسرى عفيفى، مدير مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية، إن قضايا الصحة الإنجابية متضمنة تمامًا فى مناهج العلوم والدين والعلوم الاجتماعية لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية. وأضاف المسئول الحكومى أمام جمهور من ممثلى المجتمع المدنى العاملين فى أنشطة توعوية، فى ندوة عن تضمين الصحة الإنجابية فى المناهج، أن الطلاب يجب أن ينتقلوا من السنة الثانية الإعدادية وقد حصلوا معلومات عن كل الأمور ذات الصلة ببيولوجيا التكاثر الإنسانى. لكنه اعترف أنه لا توجد قدرة على التحكم فى تعامل المدرسين فى النهاية مع المادة المتاحة، وأنهم قد يتجاهلون المادة أو يطلبون من الطلاب أن يقرءوها وحدهم، أو يتناولون فقط المعلومات الأساسية التى يرون أنها ملائمة للنقاش. وتقول الباحثة ببرنامج الحق فى الخصوصية، نهى رشدى، أنه أثناء عملها الميدانى كان ممثلو المنظمات غير الحكومية والأطباء يؤكدون مرارًا وتكرارًا على اهتمام الشباب والمراهقين بمناقشة الأمور ذات الصلة بالسلوك الجنسى أكثر من اهتمامهم بصحتهم الإنجابية. وحين أتيحت لهم الفرصة لطرح أسئلة، دون معرفة هوية من يطرحها على المدربين فى المحاضرات العامة الخاصة بالصحة الإنجابية، كان المراهقون والشباب يميلون فى العادة إلى طرح أسئلة ذات صلة بالعادة السرية أو مطاطية غشاء البكارة، أو الاحتلام أو السلوك الجنسى المثلى. وهذا الاهتمام يعكس الحاجة إلى تلبية احتياجهم للمعرفة بشأن السلوك الجنسى. كما ثبت أن مبادرة وزارة التربية والتعليم بتضمين معلومات عن الفسيولوجيا الإنجابية وتنظيم الأسرة فى مناهج العلوم لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، غير ناجحة، وفقًا لما أظهرته دراسة حديثة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تناولت دور الإعلام فى نشر الوعى العام بشأن الأمور المرتبطة بالإنجاب، حيث تبين أن المناهج الدراسية ومراكز تنظيم الأسرة والوحدات الصحية كانت مصدر المعلومات الخاصة بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة لأقل من 5 فى المائة ممن شملهم الاستطلاع. وتضيف نهى رشدى أن العقبة الكبرى التى تواجه الشباب فى الحصول على التثقيف الجنسى بالمدارس تكمن فى عدم استعداد المدرسين لمناقشة نصوص المنهج الخاصة بالجنس فى الفصل. وفى مسح مجلس السكان للشباب بين سن 10 سنوات و19 عامًا، قال أقل من 10 فى المائة من العينة أن الكتب المدرسية يمكن أن تكون مصدرًا للمعلومات الخاصة بفترة البلوغ. فى حين لم يتجاوز من يعلمون شيئًا عن العدوى المنقولة جنسيًا باستثناء فيروس الإيدز نسبة 10 فى المائة. وفى دراسة أخرى عن المدارس الإعدادية، أصدرها مجلس السكان فى عام 2000 كشف الباحثون أن 70 فى المائة من الطاقم الطبى فى المدارس يتلقى أسئلة من الطلاب حول مرحلة البلوغ. وتثبت هذه النتائج أن الأهل يعجزون عن تثقيف أبنائهم الذين يبحثون عن معلومات تتعلق بالصحة الجنسية. من جانبه، نفى الدكتور هانى كمال، المتحدث الرسمى لوزارة التربية والتعليم، صحة القول بعدم كفاية الدروس التى تتناول الصحة الجنسية فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، مستنكرًا تجاهل المدرسين تدريس مثل تلك الدروس. وقال إن المركز القومى لتطوير المناهج هو المنوط به مناقشة أمر تزويد محتوى التربية الجنسية من عدمه مع تلك المنظمات.