9 آلاف جنيه خسائر فى الفدان الواحد.. ووزير الزراعة يطالب الحكومة ب200 مليون لتعويض الفلاحين فلاحو دمياط يبيعون المحصول المشوه لرعاة الماشية ب500 جنيه للفدان.. ومزارعو الغربية يتظاهرون «حسبى الله ونعم والوكيل، عيالنا هتموت من الجوع، والحكومة نصبت على الغلابة، وبيوتنا هتتقفل، أنا عايز أى مسئول فى مصر يدخل على أى فلاح فى مصر ويشوف الفلاح بياكل إيه هو وعياله، حرام عليكم، والله العظيم أولادى جاعوا، ياسيادة الرئيس وزارة الزراعة ضيعتنا». كانت هذه الكلمات، ولا تزال، لسان حال فلاحى دمياط ومريوط والغربية، وغيرهم من مزارعى القطن فى المحافظات، بسبب فشل زراعات القطن الخاصة بهم، وعدم إثمارها إلى الآن على الرغم من مرور أشهر على موعد إخراج «اللوزة». لا يعرف الكثيرون أن مصر تستورد تقاوى وبذورًا وهجن جديدة بما يزيد على مليار دولار سنويًا، بسبب ضعف منظومة الهندسة الوراثية واستنباط هجن جديدة فى مصر، وتكمن المصيبة فى أن بعض ما نستورده يكون مخالفًا للمواصفات وتالفًا فى كثير من الأحيان، وأحيان أخرى يكون غير مناسب لطبيعة الأرض المصرية. لم يتعلم المسئولون طوال السنوات الماضية من تكرار الكوارث فى هذا المجال أهمية البحث العلمى والعلماء، ولم يدركوا ضرورة وقف الاستيراد من الخارج. لم يتعلموا أى شىء حين رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية استيراد محصول البطاطس المصرى، الذى كانت أمريكا قد صدرت بذوره إلينا فى 2014، بحجة أنها مصابة بأمراض. ولم يتعلموا من فضيحة توزيع التقاوى الفاسدة وأصناف مصابة بمرض «سركسبورا»، الذى يؤدى إلى انخفاض إنتاجية أراضى المزارعين من بنجر السكر فى 2012، أو استيراد تقاوى قمح فاسدة، وغيرها من المحاصيل والخضراوات. والآن نواجه واقعة جديدة، تكشف فساد التقاوى والبذور، ولكن هذه المرة برعاية وزارة الزراعة، وشركة إيطالية، وأخرى مصرية، أدت إلى أن يخسر الفلاحون محصول القطن، بسبب إجبارهم من جانب وزارة الزراعة على زراعة صنف شحيح الإنتاجية، وهو بذرتا «86، و87» قطن طويل التيلة، فى الوقت الذى كانوا يستخدمون بذرة 92، الذى كان الأفضل بالنسبة لهم وبالنسبة للتربة المصرية. وأما البذرتان 86 و87 فكان من المقرر جمع البذور فى شهر نوفمبر، وحتى الآن ما زالت خضراء، لأنها لا تتناسب مع التربة، ما أدى إلى عجز الفلاحين عن جنى محصول القطن. «الصباح» التقت عددًا من الفلاحين المتضررين، الذين أكدوا بيع محصولهم للرعاة البدو، مقابل 500 جنيه للفدان، بعد فقدانهم الأمل، والتقدم بمذكرة عاجلة للرئاسة لاتخاذ موقف حيال أزمتهم، واستمرارهم فى الاعتصام بأراضيهم لحين إيجاد حل مناسب، وتعويضهم. البداية كانت مع محمد مصطفى، مزارع من محافظة دمياط، قال إنه بدلًا من أن يقوم محافظ دمياط ببحث الأسباب التى دعت مدير الزراعة بدمياط لاختيار الصنف 87 لزراعته، وتحميل وزاره الزراعة الخسائر التى تعرض لها الفلاحون بسبب هذا الصنف، دعا المحافظ عدة محافظين لحضور الاحتفال ببدء جمع القطن، وكأن هناك قطنًا أصلًا، ما يشير إلى وجود نية مبيتة للالتفاف على شكاوى الفلاحين، عبر الإيحاء بأن شكاواهم غير صحيحة. وأضاف أن الفلاحين بكفر الغاب يعيشون مأساة حقيقية، وهى المنطقة التى كانت المحافظة تريد إقامة الاحتفال بها، وتجمهروا وتظاهروا حاملين عيدان القطن التالفة، مما اضطر المحافظ ومرافقوه لإلغاء الزيارة، والاكتفاء بإرسال السكرتير العام للمحافظة. ويقول: «نطالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بصرف تعويضات لهؤلاء الفلاحين المساكين الذين تعرضوا للإفلاس نتيجة أخطاء وزارة الزراعة». وطالب بكشف الحقيقة ومعاقبة المتسبب فى جلب بذور 87 من وزارة الزراعة، والتى لم تتفتح حتى الآن، كما طالب بتعويض الفلاحين عن المحصول الذى هو مصدر حياتهم الاقتصادية وتعويضهم عن المحصول الشتوى الذى تأخروا فى زراعته بسبب عدم تفتيح القطن. ولفت إلى أن التجربة الإيطالية، التى أعلن مسئولو الزراعة عن نجاحها، لم تنجح بالشكل المطلوب، حيث لم تتجاوز إنتاجية الفدان قنطارًا واحدًا من القطن، فى الوقت الذى كان من المفترض ألا تقل إنتاجية الفدان عن 6 قناطير من الصنف بذرة 92. أما عوض شلبى، رئيس جمعية الركابية الزراعية فى دمياط، فقال إن الفلاحين فى كفر سعد يبيعون قطنهم لرعاة الماشية، بعدما غشتهم وزارة الزراعة، ووزعت عليهم صنف القطن 87 الذى لا ينتج محصولًا، مضيفًا «وهذا من أجل عيون شركة النيل المملوكة لأحد وزراء الزراعة السابقين». وأكد أن مجلس إدارة جمعية الركابية اعترض على صنف القطن 87، وحذر الفلاحين من زراعة هذا الصنف، وتحميل المسئولية لوزارة الزراعة فى حالة حدوث أى خسائر للفلاح، وهو ما حدث بالفعل. وأوضح شلبى أن «شركة النيل الحديثة لحلج القطن وشركة فليمر الإيطالية، شجعا الفلاحين على زراعة صنف القطن 87، وأكدت أنه ينتج من 4 إلى 6 قناطير، وتم التعاقد عليه ب2500 جنيه، فرفضوا، وقالوا 1500 فرفضنا نحن الفلاحين، وقلنا إنه بهذه الإنتاجية لو كانت صحيحة لا يحقق أى ربحية، وبالتالى رفضنا زراعته، وهنا لجأوا إلى مدير زراعة دمياط واتفقوا معه من خلفنا، وضللوا الفلاحين وحذرنا مدير الزراعة، خاصة بعدما بحثنا فى الموضوع، والاتصال بفلاحى كفر الشيخ الذين زرعوه السنة الماضية، وأكدوا أنه لم يحقق أى إنتاجية». وقال: «أبلغت مدير الزراعة بذلك، ولكنه لم يستجب، واضطر جميع الفلاحين بكفر سعد إلى بيع أراضيهم بقطنها للعرب، ورعاة الماشية مقابل 500 جنيه للفدان، ومن حاول جمع القطن تكلف تكلفة رهيبة تصل إلى ثمنه، ولم ينتج أكثر من قنطارين. مصطفى رجب، أحد المتضررين، من مريوط بمحافظة الإسكندرية، طالب بتعويض الفلاحين عن خسائرهم من المحصول الصيفى والشتوى، وتدخل الرئيس عبد الفتاح السيسى لإنقاذ الفلاحين من فشل مسئولى وزارة الزراعة. وقال حسن نجيلة، أمين الاتحاد العام للفلاحين فى الإسكندرية، أن هناك أزمة كبيرة يمر بها مزارعو مريوط، وهى أن القطن لم يثمر حتى الآن، بسبب رداءة صنف البذور الذى وفرته وزارة الزراعة للفلاحين. وأضاف أنه تم التقدم بمذكرات عاجلة من الفلاحين للرئاسة؛ لإنقاذ الفلاحين، ولكن لم يستجب أحد إلى الآن، مطالبًا بالتدخل الفورى لحل الأزمة، وصرف تعويضات مجزية لهم، خاصة أنهم لم يحصلوا على أى «مليم» من زراعتهم للمحصول هذا العام. لم يختلف الوضع كثيرًا فى الغربية، كما أكد رمضان صبحى، مزارع، أن خسائر الفدان الواحد وصلت إلى 7 آلاف جنيه، تمثل الفرق بين تكلفة الإنتاج والإنتاجية، التى لم تظهر بعد. وقال: «زرعت فدان قطن، وخسرت عليه أسمدة زراعية ومبيدات وتقاوى، وحرث للأرض وأيدى عاملة للزراعة وجمع المحصول، إضافة إلى أن المحصول يظل مزروعًا 9 أشهر وهو وقت كبير جدًا». ويقول الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن الأصناف الجديدة التى وزعت الوزارة تقاويها على الفلاحين تعطى نباتات طويلة وعملاقة وخالية من الزهور، وبالتالى لا تعطى محصولًا أكثر من 5 قناطير بدلًا من الأصناف السابقة والقصيرة التى كانت تعطى محصولًا يتراوح بين 10 و12 قنطارًا فى الفدان الواحد. مضيفًا أن الأصناف الجديدة «عايزه سلالم أو عمال من العمالقة حتى يستطيعوا جنى المحصول من هذه النباتات الطويلة العملاقة». وأوضح أن نصف المحصول ضائع بسبب تراجع إنتاجية الفدان إلى النصف، يعنى لو باع القنطار بألف جنيه، ومحصوله خمسة قناطير، يعنى خمسة آلاف جنيه، بينما القطن يستمر تسعة أشهر فى الأرض، ويكلف الفلاح ما يتراوح بين 8 و9 آلاف جنيه». وأوضح «صيام» أن إنتاج تقاوى القطن كلها محلى وغير مستوردة لأنها أصناف مصرية خالصة طويلة وفائقة الطول، لافتًا إلى أن تقاوى القطن والبرسيم والقمح مفترض أن كلها مصرية، مضيفًا «قد تشارك شركات استثمارية فى إنتاجه، وليس لى علم بموضوع الشركة الإيطالية». الدكتور تيمور نصر الدين، أستاذ الهندسة الوراثية ومدير معهد البحوث الوراثية السابق، أكد أن هناك مشروع قانون جديدًا، فى معهد الهندسة الوراثية، سيتم عرضه على البرلمان المقبل، لاستنباط هجن جديدة، وأصناف جديدة لخدمة الفلاحين. وأضاف أن هدف القانون هو التحكم فى النباتات المهندسة وراثيًا سواء من الإنتاج المحلى أو من الاستيراد، لأن مصر تعتمد على استيراد معظم المحاصيل من الخارج، لذلك لا بد من وجود قانون. كان رد الدكتور عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أنه تقدم بمذكرة عاجلة إلى مجلس الوزراء فى آخر اجتماع طالب فيها الحكومة بتوفير 200 مليون جنيه بشكل عاجل من أجل إنقاذ مزارعى القطن وتعويض خسائرهم. وقال «فايد»، فى تصريح له، أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال ترك هذه الكميات من القطن تتعرض للتلف، أو يتعرض أصحابها لخسائر كبيرة دون العمل على تعويضهم، مشيرًا إلى أنه لن يتوانى عن حصول الفلاحين على كامل حقوقهم.