النذر ل«العدرا» وإضاءة الشموع وأدعية الشفاء والبركة.. طقوس تجمع بين المسلمين والمسيحيين فى الكنائس الأرثوذكسية خالد الجندى: مشاركة المسيحيين فى شعائرهم غير مقبول.. والتوسل للسيدة مريم من أجل الشفاء «جهل» بحلول أغسطس من كل عام، يحتفل المصريون -مسلمين ومسيحيين- بصوم السيدة العذراء مريم، لمدة أسبوعين يقصد فيهما الناس مزارات العائلة المقدسة فى مصر، خلال رحلة هروبها من هيرودس ملك اليهودية، وعلى رأس تلك المزارات كنيسة العذراء بمسطرد، ودير السيدة العذراء بجبل درنكة بأسيوط، التى صارت منذ ذلك الحين، وكل الأماكن التى مرت بها العائلة المقدسة، سبائل بركة يقصدها كل سائل، ومن لم يستطع إلى إحدى الكنيستين سبيلًا، ذهب إلى أقرب الكنائس الأرثوذكسية. أمام أيقونة السيدة العذراء بكنيستها بالزيتون وقفت امرأة خمسينية محجبة، تدعى منى، لتوقد شمعة وتتلو بعض الطلبات والأدعية، بنفس راجية وملامح متضرعة، قائلة إنها تؤمن بالسيدة مريم وبالسيد المسيح، وجاءت من أجل الدعاء للشفاء من ألم فى قدمها، بعدما أكدت لها صديقتها المسيحية قدرة السيدة مريم على شفائها. ورغم أنها المرة الأولى التى تدخل فيها كنيسة وتخاطب «العدرا»، كما يطلق بسطاء الناس على السيدة العذراء، إلا أنها لا تشعر بأى حرج وسط العشرات من الأقباط «لأنها تؤمن أن أى مكان يتم فيه ذكر الله والصلاة فهو بيت الله حتى وإن كانت بطريقة مختلفة عن دينها». لم تكن منى، حالة وحيدة لمسلمات قصدن كنيسة الزيتون، فقد سبقتها امرأة ثلاثينية بدا على ملامحها أن حاجة ما قادتها إلى نفس الكنيسة فجاءت تتوسل إلى السيدة مريم. أما «أم ندى» فتصف العلاقة الوثيقة بين أسرتها وبين العذراء مريم، بقولها إن والدتها منذ حداثتها كانت تصوم أول خمسة أيام من صوم العذراء مع إخوانها المسيحيين، وقد أخذت تلك العادة من جارة مسيحية كرمز للمشاركة، وتضيف أنه بعد مرض والدتها وعدم مقدرتها على الصوم، أخذت تنذر زجاجة زيت لتبعثها كل عام مع بداية صومها إلى أن ماتت. أضافت أم ندى: أخذت على عاتقى إكمال عادة أمى ومازلت أرسل النذر بالإضافة إلى نذر خاص بى بعد أن دعيت الله لشفاء ابنتى بشفاعة العذراء مريم، فشفاها، ومنذ ذلك الوقت لا أستثنى عاما دون إرسال النذر لستنا مريم التى نعتز بها جميعًا. ويقول القمص عبد المسيح بسيط كاهن كنيسة العذراء مريم الأثرية بمسطرد: إن متوسط من يأتون لزيارة الكنيسة فى صيامها من كل عام، حوالى 2 مليون شخص من المسلمين والمسيحيين، بنية التبرك بالبئر الذى شهد أول استحمام للمسيح فيه، مؤكدًا أن عددًا كبيرًا من المسلمين خاصة من النساء يقدمن النذور للعذراء طلبًا للشفاء والمعونة. ويقول المفكر القبطى كمال زاخر إن القرآن تكلم عن العذراء مريم واصفًا إياها بأفضل نساء العالمين كما خصص لها سورة منفردة، وهذا ما لم يحدث مع أمهات المؤمنين مما يوحى بنوع من أنواع التكريم الجزيل. ويضيف: لا تمثل السيدة العذراء قيمة دينية فقط بل قيمة مصرية أيضًا فى أذهان المصريين حيث يتم الربط بين فكرة العذراء وإيزيس فهى الأم المصرية المثابرة التى جمعت أشلاء زوجها وأعادته للحياة حسب الأسطورة المصرية القديمة، لذلك نجد أن اسم مريم بتنويعاته متداول لدى كل من المسلمين والمسيحيين على السواء، فالعذراء لا تمثل فقط كونها أم لها وضع خاص بل هى رمز للأمومة خاصة أن سورة مريم فى القرآن تفصل معاناتها سواء فى الولادة أو الرفض من الأهل بشكل أكبر مما ذكر فى الإنجيل. ويختتم زاخر كلامه عن قيمة صوم السيدة العذراء، بقوله إنه الصوم الوحيد الذى يجمع عليه كل المسيحيين فى مصر خاصة أن من لا يصومون ما عداه من الصيام، يحرصون عليه، لمكانة العذراء لدى الكل مؤكدًا بدوره أن عظمة ذلك الصوم ترجع إلى أنه فُرض من جانب الشعب على الكنيسة وليس العكس، حيث أنه صوم حديث العهد يرجع تقريبًا للقرن العاشر الميلادى، مؤكدًا أن صوم العذراء سمى بهذا الاسم تكريمًا وتبجيلًا لها، حيث تقام فيه الصلوات تذللًا وتقربًا لله وليس لشخص. أما عن رأى الإسلام فى صوم العذراء مريم، فيقول الشيخ محمد البسطويسى، نقيب الأئمة، إن الله تعالى أثنى على السيدة مريم فى القرآن الكريم، ويكفى عند الحديث عن مكانة السيدة مريم فى الإسلام أن القرآن أفرد لها سورة وسماها باسمها، كما ذكرت السيدة مريم فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم، وهذا يدل على طهارتها وعفتها، عليها السلام. وأضاف أن القرآن الكريم يؤكد عمق العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فقال «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى»، فهم أقرب للمسلمين لأن لنا فيهم ذمة ورحمة كما وصى بهم النبى محمد، وكانت «ماريا القبطية» زوج النبى محمد -صلى الله عليه وسلم- وأم ولده إبراهيم. وأضاف أن مشاركة المسلمين للأقباط فى أعيادهم ليس فيها شىء، فللجار حقوق، فيجب الإحسان إليه ومشاركته فى أحزانه وأفراحه، وكل هذا من حسن تعاليم الإسلام. وأشار إلى أن قيام المسلمين بإخراج نذور للكنيسة فى ظل عدم اكتفاء المسلمين وحاجتهم فهو أمر لا يجوز؛ لأن المسلم أولى بهذه الصدقات، مؤكدًا أنه من غير المقبول فى الإسلام أن يذهب المرء إلى الكنيسة مثلما يحدث فى المساجد التى بها أضرحة ويتوجهون بالدعاء لمن بداخل الضريح، لأن النفع والضر كلها أمور بيد الله وحده فقال تعالى «أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلًا» وقال النبى أيضا لابنته السيدة فاطمة «اعملى فإنى لا أغنى عنك من الله شيئًا»، ولا يلجأ المسلم إلا إلى الله عز وجل. من جانبه قال الشيخ خالد الجندى، إن مكانة السيد المسيح وأمه مريم فى الإسلام مكانة عظيمة لا ينكرها أحد، وتحدث عنهما القرآن الكريم فى الكثير من المواضع والآيات بل أفرد سورة باسم السيدة مريم، لكن مشاركة المسلمين فى احتفالات مولد «العدرا» فى الكنائس هو عمل غير مقبول من الناحية الشرعية، وإن إخواننا من المسيحيين لهم طقوس ولهم تعاليم لهم مطلق الحرية فى ممارستها، أما مشاركة المسلمين للمسيحيين فى طقوسهم وعباداتهم فهو أمر غير مقبول على الإطلاق فالأصل قوله تعالى «لكم دينكم ولى دين»، فكل ما هو دين لا يجوز أن يختلط بغيره وإلا لم تكن هناك فائدة من قول الله تعالى «لكم» و«لى» بمعنى هناك خصوصية لكم فى دينكم وخصوصية لى فى دينى، فمن غير المقبول أن يقف مسيحى يشارك المسلمين على عرفات، فلابد أن يحتفظ كل دين بمناسكه وشعائره الخاصة، وهناك فارق بين التهنئة والمشاركة، فالمسلمون يهنئون ويتمنون للمسيحيين كل خير، لكن لا نشاركهم فى دينهم ولا يشاركوننا فى ديننا، والأصل فى ذلك قوله تعالى «لكم دينكم ولى دين» وما يفعله بعض المسلمين من مشاركة إخوانهم المسيحيين فى مناسكهم وعباداتهم هو أمر غير مقبول على الإطلاق». وقال إن ذهاب المسلمين إلى الكنيسة والتوسل إلى السيدة مريم من أجل الشفاء هو «جهل» وعدم معرفة وهو «تمييع» فى العقيدة غير مقبول به.