*بئرالمسجد مخفية تحت أرضية المكان.. والزوار يأخذون منها «البركة» لاعتقادهم أنها موصولة بماء «زمزم» *داخل المسجد لافتة كبيرة كُتب عليها بعض «كرامات» صاحبه ومنها أنه كان «يسير على الماء»! يتبرك البسطاء بمياه بئر مسجد «السلطان الحنفى» فى قلب القاهرة، معتقدين أنها تشفى المرضى وتحل مشكلة العنوسة لأنها من «ماء زمزم»، مع أنها مياه غير صالحة للشرب لكونها ملوثة بالصرف الصحى! يقع مسجد «السلطان الحنفى» فى حى السيدة زينب، تحديدًا بالقرب من شارع مجلس الأمة الواصل بين شارعى بورسعيد وقصر العينى، وقد أنشأه قديمًا الشيخ شمس الدين أبو محمود محمد الحنفى بجوار داره فى سنة 817 ه كما قال المؤرخ الشهير «المقريزى». وينتسب «الحنفى» إلى الصحابى الجليل أبو بكر الصديق، رضى الله، وهو من أهل البيت إذ يجتمع نسل «الصديق» مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الجد السادس. وعندما تسمع اسم مسجده قد يخطر ببالك أنه أحد حكام مصر إذ يلقبونه ب «السلطان»، إلا أنه لم يحكم البلاد يومًا، لكنه لُقب بذلك لأنه كان لا سلطان عليه من قبل الملوك والأمراء، وكانوا لا يأمرونه بشىء بل يقدمون له الهدايا ويتبركون به، كما كان - حسب المؤرخين - «سلطان» فى العلم إذ كان له مدرسته فى تفسير القرآن الكريم والفقه، وهو صاحب كتاب «الروض النسيق فى علم الطريق». وإذا دخلت المسجد ستجد لافتة كبيرة كُتب عليها بعض «كرامات» هذا الولى وأشهر أقواله ومواقفه، ومن بينها أنه كان «يسير على الماء» بشهادة من عاشوا فى ذلك الوقت، وهى مهداة من أحد «محبى آل البيت». أنشأ «السلطان الحنفى» مسجده بجوار داره، وجعل له ثلاثة أبواب أشهرها الباب المفتوح على الشارع فى يسار المسجد، أما بالداخل فيوجد مدفن الشيخ عمر شاه والشيخ عمر الركنى وسبيل ومكتب، وفى الجانب الأيمن ضريح السلطان نفسه تعلوه قبة مرتفعة وعليه مقصورة من الخشب المرصع بالصدف والعاج، ويقام للشيخ «مولد» كل عام. وقد تولى الأمير «سليمان أفندى» تجديد المسجد فى عهد محمد على كما هو منقوش بجوار القبلة. ويقول «عم محمد»، عامل بالمسجد، أن «السلطان حنفى» كان رجل له كرامات ومن أولياء الله الصالحين، وهم يطلقون عليه «السلطان» لأنه كان أستاذًا من أساتذة العلم فى زمانه. أما «عم إبراهيم»، وهو أيضّا عامل بالمسجد، فيقول إن «لهذا المسجد مكانة فى نفوس المصريين كما أنه تم تصوير العديد من المشاهد من أكبر الأفلام المصرية فيه منه فيلم «قنديل أم هاشم»، بالإضافة إلى أن الكثيرين من الطلاب بأقسام العمارة فى كليات الهندسة يأتون لمشاهدة هذا الصرح المعمارى. وعندما تطأ قدمك داخل مسجد «السلطان الحنفى» ستجد مجموعة من القباب هى التى تحمل المسجد دون أى أعمدة، وفى منتصفه سلالم تم نحتها من الحجر الجيرى لكى يصعد عليها المؤذن فى زمن ما قبل مكبرات الصوت، وعلى بعد خطوات منها توجد «البئر» التى يقصدها الكثير من أصحاب الأمنيات والأحلام من الفقراء والبسطاء تحت سجاد المسجد، وقد جددته وزارة «الأوقاف» وأقامت له غطاء من الألومونيوم. ويقول عم فوزى، عامل بالمسجد، إن هذه البئر يأتون إليها من القرى والنجوع للشرب من مائه والتبرك به، وهم يتوضؤون ويشربون رغبة منهم فى الرزق والزواج والشفاء وجلب الحظ ورضا الله، نظرا لاعتقادهم أنه موصول بماء «زمزم»، على حد قوله. من جهة أخرى، تؤكد «خديجة» وهى شابة جاءت إلى المسجد ل«التبرك» بمياه هذه البئر، أنها «قادمة من سوهاج من أجل أبيها المريض لكى تأتى له بزجاجة مملوءة بالمياه المباركة التى لم تنضب منذ مئات السنين وهذا بناء على وصيته وعدم قدرته على الحج إلى بيت الله». أما «أم تيسير»، 50 عاما، فتؤكد أنها «جاءت من أجل تحقيق رغبتها فى الحصول على عريس مناسب لابنتها التى تقدم لها الكثير من الشباب إلا أنها ترفضهم جميعًا دون سبب منطقى. وعندما توافق على أحدهم يذهب هو بلا رجعة دون سبب معين، فجاءت لتباركها بهذا الماء الصالح حيث يقوم أحد المشايخ بقراءة آيات معينة على الماء حسب أمنية المتبرك ثم يشربها». من جهته، يقول «الشيخ أحمد» وهو أحد المترددين على المسجد أن «هذا المسجد بركة، حيث إنه مدفون فيه رجل تقى من نسل الرسول وأبى بكر»، ومشيرًا إلى أنه دائمًا ما يأتى إلى هذا المكان ويرتاح بالجلوس فيه ودعاء الله عز وجل لفك كربه وشرح صدره. وأما عن الماء «المبارك»، فيقول «الشيخ أحمد» أنه «كثيرًا ما يرى الناس يلتفون حول البئر من أجل الشرب منها ويدعون ويفرحون لشربهم بهذا الماء لكنه لا يرى فيه أى شىء من زمزم على الإطلاق، ولكنه ماء موصول من النيل المجاور لشارع بورسعيد». ويؤكد «رضا»، أحد المسئولين بالمسجد، أن السلطان الحنفى بالفعل ليس أحد سلاطين مصر لكنهم يلقبونه بذلك لأنه كان سلطانًا فى العلم والدين وتتلمذ على يده الكثيرون من أولياء الله الصالحين، ولكن الكلام عن أن ماء هذه البئر هى ماء زمزم كما يردد الكثيرون ما هى إلا خرافات، فماء زمزم غير موجود إلا فى الحرم المكى فقط، حتى المسجد النبوى لا يوجد به بئر زمزم، وإذا كان هذا الماء هنا فى مسجد السلطان الحنفى فالأولى أن يكون بمسجد النبى (صلى الله عليه وسلم)، لكن البسطاء - على حد قوله- دائمًا ما يتشبثون بأى وسيلة ترفع عنهم ما يعانون حتى وإن كانت شائعة أو خرافة، ولأن ماء البئر لم تنضب منذ 1000 عام أى منذ بناء المسجد فالناس اعتقدوا أن هذا يرجع لكرامات الرجل الصالح مع أن تلك الماء موصولة بمياه النيل». وعلى الرغم من أن تقارير وزارة الصحة الصادرة عام 2006 تكشف أن مياه هذه البئر غير صالحة للاستخدام الآدمى لاختلاطها بمياه الصرف الصحى، إلا أن الناس يصممون على الشرب منها و«التبرك بها». ومن جانبه، يشدد الشيخ محمد الشافعى مفتش أول متابعة بمديرية أوقاف القاهرة على أنه أصدر تعليمات بغلق البئر، وأشرف على غلقها بالأسمنت، ولكن عضو مجلس شورى شهيرًا أصدر أوامره للعاملين بالمسجد بفتحها على مسئوليته، وعاد الناس يشربون منها مرة أخرى»!