*«شارع الحب» أمام كلية الآثار هو قبلة الجامعات أخرى.. و«جبلاية إعلام» متنفس الطلبة بعيدًا عن المحاضرات.. و«كازينو ليلى» مفتوح خلف المكتبة المركزية *كلمات الحب تجاور عبارات الوعيد على جدران الكليات.. والطلبة لا يعرفون بوجود مظاهرات فى الجامعة إلا من عناوين الصحف إذا خطر بذهنك ذكر «جامعة القاهرة» فى هذه الأيام، فكل ما سيجول بخاطرك هى طوابير التأمين الطويلة والمظاهرات الغاضبة والاشتباكات مع شركة فالكون.. لكن هذا لا يعنى أن كل مفردات الحياة الجامعية الآن تتعلق بالسياسة أو بمواجهة الأمن، وليس كل الطلبة يواجهون العواصف والأزمات بين المحاضرة والأخرى، فبعض مناطق وممرات الجامعة اشتهرت بأنها ملتقى الأحبة والعشاق، منعزلة عن العالم الخارجى ولا يعير أصحابها أى اهتمام تجاه المظاهرات أو مطالب الطلبة الآخرين، فكل ما يشغلهم هو حياتهم الخاصة. أماكن بعينها داخل الجامعة لن تخطئها العين.. غالبًا ما تكون بعيدة عن الزحام، وتتميز بالظل وكثافة الأشجار، والهدوء الذى يوفر مناخًا رومانسيًا يحتاجه كل عاشق.. تظهر علامات الانسجام فيما هو مكتوب على الجدران والأسوار من عبارات حب، وقلوب، وحروف، تعبر عن حالات عاطفية ملتهبة، والغريب أن نفس هذه الجدران تحمل عبارات مضادة كتبها الساخطون من هذه الأوضاع المخلة بصبغات دينية، مطالبين الجالسين بالعودة عن أفعالهم وتصرفاتهم المخلة داخل جامعة عريقة، ومن هذه العبارات: «خاف الله»، و«الله ينظر إليكم»، و«اتقوا عذاب النار»، ورغم ذلك تجد الحال على ما هو عليه، وربما يقضى الفتى والفتاة يومًا كاملاً فيها، يتهامسان ويتبادلان كلمات الغزل، بعيدًا عن المظاهرات والمحاضرات. «الصباح» رصدت أماكن تجمع الطلاب «الحبيبة»، الذين لا يعرفون المظاهرات أو الحديث عن السياسية، ولا يريدون معرفة أى شىء عنها، قد تعبر المظاهرات بجانبهم يسبقها الصوت العالى وتحف بها أعمال الشغب والتخريب والشماريخ والمولوتوف، فلا يعيرها العشاق التفاتًا ويظل الأحبة فى عالمهم الخاص. أشهر هذه المنطق المنزوية هو شارع الحب أو كما يسمونه « love street»، وهو الشارع الأشهر داخل جامعة القاهرة، يلاصق سور الجامعة خلف كلية الحقوق ومقابل لكلية الآثار، وهو معروف لدرجة أن شهرته تخطت أسوار الجامعة وأصبح مقصدًا لطلبة بعض الجامعات الأخرى، بل إن الكثير من طلبة الدول العربية والأجنبية الذين يدرسون داخل جامعة القاهرة أصبحوا يضربون به المثل عند عودتهم لبلادهم. أحد الطلاب فسر لنا الخصوصية التى يحظى بها هذا الشارع بأن موقعه منعزل عن كل المناطق الرئيسية فى الحرم الجامعى، وهو يقع خلف الكلية مما يجعله بعيدًا عن أنظار الجميع وفى مكان فى غاية الهدوء. «شارع الحب» خطف الأضواء بجدارة من جبلاية الإعلام أو كما يطلق عليها البعض « عاصمة كلية إعلام»، وكافتيريا الكلية، والتى تقع خلف المبنى الرئيسى فى مكان منطوى بعيد عن المارة والسيارات، يتجمع فيها طلبة إعلام، وبعض طلاب الكليات الأخرى، للتمتع بالطعام والهدوء، البعض يعارض وجودها لأنها تشغل الطلبة عن الدراسة، وآخرون يرون أنها تفريج عن ضيق المحاضرات، وكآبتها. وننتقل بعد كليتى الإعلام والآثار إلى كلية التخطيط العمرانى، حيث ستكتشف أن «كافتريا الكلية» مزدحمة أكثرم من قاعات الدراسة، وأن الطلاب من الجنسين يتوافدون عليها طوال ساعات النهار وبعض ساعات الليل، هربا من عيون زملائهم، وتمر المظاهرات والمسيرات جوارهم، ولا يصغون لها. شارع كلية تجارة، المجاور لسور الجامعة من ناحية شارع بين السرايات، هو قبلة الألوف من طلبة الكلية، للهروب من المحاضرات وجدية الدراسة، لأن عالم الجامعة بالنسبة لهم هو مجرد استمتاع بالوقت، وليس اجتهاد فى تحصيل، لهذا يتجمعون فى هذا الشارع الطويل لتبادل النكات والقفشات وربما بعض المعاكسات التى لا تخلو من خفة دم، وربما أغلبهم لا يعرف بوقوع مظاهرات فى الجامعة إلا من عناوين الصحف. يقول أحمد- أحد طلبة كلية التجارة- إن مكان تجمع الشباب الواقع فى مواجهة قاعات امتحانات جامعة القاهرة، خلف المكتبة المركزية، يمكن أن نطلق عليه اسم « كازينو ليلى»، لما تتم فيه من أعمال يعتبرها غير أخلاقية، وخاصة بعد غروب الشمس، مشيرًا إلى أن هناك شبابًا من خارج الجامعة يلتقى داخلها بسبب غياب الرقابة، فيجد كل منهم الحرية التامة لفعل ما يردى. واستحسن مصطفى، طالب آخر، أن الأمن الإدارى فى الفترة الأخيرة بدأ فى القيام بجولة مرورية، فى أوقات الغروب، لإخراج الطلاب من الجامعة، وفحص الأماكن المعزولة، تحسبا لحدودث أى أفعال غير أخلاقية مخالفة للائحة الطلابية لقانون الجامعة. وتابع «من حق كل واحد يخرج من جو المحاضرات، ولكن مش بالطريقة دى، وأنا بشوف بعنيا فتاة وشاب جالسين بمفردهما، فى أماكن معزولة ويمارسون أعمالا لا تليق بعاداتنا، ويمكن أصلا ميكنوش مرتبطين، ودا مكان للعلم مش للحب والقبلات، والتهامس». كان هذا هو نفس رأى محمود بكر «طالب بكلية إعلام» الذى اعتبر أن الجامعة مكان للعلم، وليس للارتباط، مضيفًا: «من الآخر مفيش طالب بيجيى الجامعة دلوقتى علشان يستفيد.. البنات جايه علشان تشوف الولاد والعكس، الكل جاى علشان يستمتع بالوقت وكأننا فى ناد، والسبب هو تعطش الشباب والفتيات الخارجين من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى الحب» معتبرًا أن كل هؤلاء لا تخطر السياسية على بالهم أبدا. تواصلنا مع داليا الشيمى، مستشار الإرشاد الأسرى والعلاقات الزوجية، التى أوضحت لنا أن الشباب يذهبون إلى الجامعة محملين بالأمانى والأحلام بالتعرف على الحبيب وشريك الحياة، بسبب ما تم زرعه فى وعيهم بواسطة الأفلام أو الأغانى أو الإعلام أو حتى حكايات الأقارب، ولذلك نرى هذا الكم الهائل من علاقات الحب داخل أسوار ومدرجات الجامعة وهى علاقات لا تنجح بنسبة 90% وأغلبها لا يؤدى إلى الزواج ما لم تدعم الأسرة الشاب والفتاة ماديا ليستطيع الزواج وتأسيس منزل. وقالت الشيمى إن عدم النضج ونقص الخبرة أسباب أساسية لفشل حب الجامعة، وفى أغلب العلاقات يشعر الطرفان أنهما تسرعا فى الارتباط وبيفكر كل منهما أنه أضاع على نفسه فرصة مقابلة آخرين قد يكونوا أكثر توافقا مع شخصيته، وقيد نفسه بهذا الطرف الآخر الذى يراه الآن غير مناسب، مضيفة: «ده غير الواقع اللى بيصدمهم بظروفه وبيفوقهم بعد ما سنوات الجامعة تخلص بأنهم كانوا عايشين فى الأحلام.. ساعتها بتنتهى العلاقات، أو بيأخذ بعض الشباب طرق خلفية وغير مشروعة زى الزواج العرفى». الشيمى أكدت على ضرورة قيام الأسرة بالانتباه لأبنائها واحتضانهم فى هذه المرحلة الحرجة، سواء البنات أو الأولاد، لعدم تعرضهم لتجارب عاطفية فاشلة تؤثر عليهم مستقبلا، أو لعدم تورطهم فى تصرف خاطئ يؤثر على حياتهم. خبيرة العلاقات الزوجية تنصح الشباب الجامعى بعدم التسرع فى خطوة الارتباط، وفهم الفرق بوضوح بين الإعجاب والحب الحقيقى، منبهة إلى أن أهم خطوة فى العلاقات هى حسن اختيار الشخص الذى يتوافق معهم بشكل نفسى وعاطفى واجتماعى، وتنصح الفتيات على وجه الخصوص بأن يكون شريكها أكبر منها فى العمر وتفسر ذلك بقولها «لازم الولد يكون أكبر عشان تكون عنده خبرة، ويكون عاقلا، ويقدر كمان يجهز نفسه فى وقت مناسب، لأن طول فترة الخطوبة بيؤدى لاستنفاد الرصيد العاطفى عند الطرفين، ويؤدى أيضًا لمشكلات مع الأسرة تكون سببًا فى كثير من الأحيان لانتهاء العلاقة».