لأن آفة قريتنا المبالغة والشائعات والسير وراءها دون التأكد أو التيقن من حقيقتها، انتشرت فى الأيام الأخيرة أنباء عن قيام النجم الأرجنتينى ليونيل ميسى بالتبرع بمبلغ مليون يورو لصالح دولة إسرائيل، كمساعدة للدولة العبرية فى حربها ضد أبنائنا فى غزة، وذهب الأمر بالبعض لتدشين حملات لمقاطعة نجم برشلونة وتشويه صورته بسبب قيامه بهذا الأمر، واعتمد من شنوا هذه الحملات ونشروا الخبر على بعض المواقع المجهولة على شبكة الإنترنت لتأكيد هذا الخبر. والحقيقة أن هذا النبأ عار تماما عن الصحة، فميسى لم يتبرع بأى مبلغ من المال لإسرائيل، وخلاصة ما فى الأمر أن ليونيل ميسى قد قام عقب نهاية كأس العالم بالتبرع بمبلغ يعادل مائتى ألف دولار تقريبا لإحدى مستشفيات السرطان فى الأرجنتين. لكن بعض المواقع العربية وبعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى «فبركت» نبأ تبرع ميسى لإسرائيل، واستخدمت فيه صورة قديمة لميسى وهو فى زيارة للدولة الصهيونية مع برشلونة تعود لعام 2009. الغريب أن هذه الزيارة التى قام بها برشلونة لإسرائيل وقتها شملت أيضا زيارة للدولة الفلسطينية، وقام برشلونة وقتها بإطلاق مبادرة للسلام بين الدولتين، وقام بدعوة 20 طفلا من فلسطين وإسرائيل خوض مباراة ودية بملعب كامب نو، وهو ما تم تنفيذه فى العام التالى مباشرة. الفبركة امتدت لصورة لميسى وهو يحمل قميصًا مكتوبًا عليه «أدعم إسرائيل» لتتواصل جملة الهجوم على اللاعب الأرجنتيني، وهى أيضًا صورة غير حقيقية، حيث تم التلاعب بالفوتوشوب بمحتوى القميص الذى كان ميسى يحمله، وهو فى الأساس دعم لبعض الأطفال المصابين بمرض نقص هرمون النمو، المرض الذى كان يعانى ميسى منه فى طفولته، وتم وضع كلمة إسرائيل على القميص باستخدام الفوتوشوب. الأمر وصل إلى ميسى نفسه الذى قام بإصدار بيان رسمى نفى فيه موضوع تبرعه لإسرائيل جملة وتفصيلاً، وأكد أنه لم ولن يتبرع للدولة العبرية بأى مبلغ من المال لا فى الماضى ولا فى المستقبل. الأمر لم يتوقف عند ميسى وإسرائيل، ففى الأيام السابقة انتشر خبر آخر على مواقع التواصل الاجتماعى العربية يفيد بقيام النجم البرتغالى كريستيانو رونالدو بالتبرع بمبلغ من المال لأطفال غزة، وانتشرت معه قصة أخرى حول رفض رونالدو تبديل قميصه مع أحد لاعبى المنتخب الإسرائيلى حين التقى منتخبا البرتغال وإسرائيل فى تل أبيب خلال تصفيات المونديال الأخير، وبأنه قال للاعب العبرى «أنا لا أبدل قميصى مع قتلة»، والحقيقة أن الأمر جاء كجزء من الحرب الإعلامية بين النجمين الكبيرين ميسى ورونالدو، والتى أقحم محبوهم العرب أنفسهم فيها بلا داع ولا معنى. الحقيقة أيضا أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة، والقصة أن رونالدو حين طلب منه لاعب إسرائيلى قميصه قال له إنه سيبدل قميصه داخل غرف خلع الملابس، وهو موقف معتاد يقوم به رونالدو وميسى أيضا والعديد من اللاعبين. والدليل أيضا أن رونالدو كان قد قام فى صبيحة يوم المباراة ذاتها بنشر صورة له على موقع التواصل انستجرام وهو يتناول الإفطار، وكتب تحتها «صباح رائع فى تل أبيب» أى أنه كان يستمتع بوقته هناك ولم يذهب مرغما كما أكد بعض المبالغين بالفطرة، ولم يقم رونالدو بالتبرع بأى مبالغ فى الوقت الحالى لغزة، وإن كان قد قام بذلك فى وقت سابق فى إطار حملة شارك بها العديد من نجوم العالم وقتها لدعم السلام فى المنطقة. قصص خيالية أخرى انتشرت حول نجم المنتخب الألمانى مسعود أوزيل، مفادها أنه عقب مباراة نهائى المونديال التى فازت بها ألمانيا على حساب الأرجنتين بهدف، أصبح أوزيل أول لاعب يسجد فى نهائى كأس العالم، ثم أثناء تسلم ميداليته رفض أوزيل السلام على أحد أعضاء الفيفا لأنه إسرائيلي، وقام بعدها بالتبرع بمكافأته المالية لصالح غزة، والحقيقة أن كل هذه الأمور لا أساس لها، فلم يقم أوزيل بالسجود بعد المباراة، كما أنه لم يكن هناك أى عضو إسرائيلى بالفيفا فى المقصورة وقت تسليم الميداليات. وامتد الأمر لنفى رسمى أصدره أوزيل حول قصة تبرعه لصالح غزة، وأن هذا الأمر غير صحيح بالمرة. وتبقى آفة قريتنا المبالغات.. والفبركة.