محررا «الصباح» يدخلان بحساب وهمى على «الفيس بوك» ويحصلان على إجابات التاريخ وقت عقد الامتحان «غشاشون فدائيون» أشهر صفحات الغش على موقع «فيس بوك».. تنشر إجابات الامتحانات بعد نصف ساعة من توزيع الورق داخل اللجان تلقين الطلاب الإجابات عبر موبايلات مخبأة فى أماكن حساسة لا يتم تفتيشها ولى أمر الطالب ينتظره فى دورة المياه من أجل أن يعطيه الإجابات مدونة فى ورقة صغيرة الحجم يعود بها إلى اللجنة يبدو أن أحدا لم يذاكر هذا العام، فقد تعددت الوسائل والغش واحد.. كل طلبتنا يبحثون عن الطريقة الأسهل للحصول على مجموع مرتفع، فصارت الظاهرة السائدة فى امتحانات الثانوية العامة هذا العام هى الغش الجماعى. البعض حاول التماس العذر للطلبة، وأرجع هذا الانتشار الشامل للغش إلى الأحداث السياسية التى تمر بها البلاد، والارتباك الذى أصاب الطلاب هذا العام بين مد إجازة نصف العام وعدم انتهاء كل المناهج فى وقتها، وخشية الخروج من المنزل التى أصابت بعض الطلاب أحيانا. وسائل الغش الحالية تختلف كثيرا عن الطرق البدائية التى كان يتبعها الطلبة قديما، فثورة الاتصالات والتكنولوجيا أفادت فى تطور طرق الغش، وأصبح كل ما عليك فعله هو ضغطة زر واحدة لتجد الامتحان وإجابته بين يديك. الصباح قررت أن تدخل هذا العالم الحديث من خلال مغامرة قاما بها محررا «الصباح» للمشاركة فى ماراثون الغش المصرى هذا العام.
حساب وهمى حيلة بسيطة لجأ لها محررا «الصباح» عندما أنشآ حسابا وهميا على موقع «فيس بوك» باسم مختلق، وذلك بهدف التواصل مع إحدى الصفحات التى عُرف عنها أنها تقدم إجابات الامتحانات خلال نصف ساعة فقط من بدء اللجنة. ما أن دخلنا إلى صفحة «غشاشون فدائيون» حتى فوجئنا بأنها مليئة من بالإجابات النموذجية لامتحانات المواد السابقة جميعها منذ بداية الامتحانات، وبتوطيد العلاقات مع بعض المشتركين فيها برروا فكرة إنشاء الصفحة بأنها «فدائية»، حيث إن لهم وجهة نظر خاصة فى أنهم مستهدفون من قبل الدولة، وأن الوزارة تتعمد أن تكون امتحانات الثانوية العامة صعبة حتى تقلل من عدد المتأهلين لكليات القمة، وعلى هذا الأساس قرروا أن ييسروا لأنفسهم طرق الوصول لتلك الكليات. خطة عمل هذه الصفحات هو أن تقوم بتجنيد بعض الأعضاء لها من داخل اللجان (تلاميذ أو مشرفين أو فراشين مثلا)، وهم يرسلون لها صورة من الامتحان فور دخولهم إلى اللجنة، بعدها يقوم فريق مستعد من المدرسين بكتابة الإجابات بشكل سريع ورفعها على الصفحة بشكل واضح للطلاب الذين يؤدون الامتحان، ويتم مطالعة هذه الحلول داخل اللجان بواسطة الموبايلات والأجهزة التى يتم تسريبها داخل كل لجنة، وذلك بعد إخفائها فى أماكن حساسة بالجسم لا يتم تفتيشها، لأن الموبايلات لا يسمح بدخولها لجان الامتحان. استخدمنا الحساب الوهمى الذى صنعناه من أجل الاستفسار عن إجابة أحد أسئلة امتحان التاريخ للصف الثانى الثانوى، بعد مرور ساعة على بدء وقت الامتحان، وبالفعل ردت علينا إدراة الصفحة بعد أقل من ربع ساعة بإجابة نموذجية على السؤال، تأكدنا من صحتها عن طريق أحد مدرسى التاريخ. تقول «شروق محمد»، إحدى المشتركات على «غشاشون فدائيون»، إن هذه الصفحة توفر لهم الفرصة كاملة لاجتياز الامتحانات التى تصفها بأنها «فى غاية الصعوبة»، وبالحوار معها عرفنا أنها طالبة بالثانوية العامة بمنطقة الهرم، كل ما تطمح فيه هو أن تخرج من الثانوية العامة دون ملاحق، وتشكو كثيراً صعوبة الامتحانات، مع الأخذ فى الاعتبار أنها شعبة المواد العلمية، والتى دخلتها رغماً عنها بسبب الضغط الشديد الذى تعرضت له من أهلها.
الغش الغلط لم تسلم تلك الطريقة الحديثة فى الغش من التشكيك حتى فى الإجابات التى يتم وضعها عليها، مثلما حدث فى امتحان الفيزياء الماضى، عندما ادعى «إسلام رجب»، طالب بالثانوية العامة، أن ما تم رفعه على الصفحة من إجابات للسؤال الأول بالمادة إجابة خاطئة ولا تمت للإجابة الصحيحة من قريب أو من بعيد، وتقدم بتحذير لكل المترددين على الصفحة من التجاوب أو الاستمرار من الغش من تلك الصفحات، نظراً لأنها تقدم إجابات خاطئة، فيما نفى طالب آخر يدعى «محمد سمير» هذا الكلام تماماً وأضاف: «كل الإجابات التى تم نشرها على الصفحة خاصة فى مادة اللغة الإنجليزية سليمة تماماً واستفاد منها عدد كبير من الطلاب».
شهادة المراقب مهنة «مراقب اللجنة» صارت من المهن الخطرة جدا فى مصر حاليا، بعد لوثة الغش الشاملة التى أصابت كل أولياء الأمور، هذا ما أخبرنا به «ع. م»، مراقب بإحدى لجان مركز البدارى محافظة أسيوط، والذى لم يكن يعلم هل سيعود لبيته سليما كل امتحان أم أن غضب أولياء الأمور قد يؤذيه. حظه العثر قاده إلى أن يكون «مراقب» على طلاب فى الثانوية العامة لا يتحدثون إلا بلغة السلاح التى تجنى لهم أعلى الدرجات، لا يهابون الأمن ولا وزارة التربية والتعليم، فالأمن متواطئ، والوزارة محلك سر. من داخل مدرسة «م. ن» الإعدادية بأسيوط، خص « ع. م» «الصباح» بشهادته هو وزملاؤه المراقبون، من أجل نقلها إلى الجمهور، بعد أن سجلوا بالصوت والصورة لحظات الغش الجماعى واستخدام الهواتف المحمولة، لكنه اشترط عدم نشر اسمه خوفا على سلامته. «ع. م» قال إنه عرف بسمعة مركز البدارى التى تسبقه فى الغش من قبل الامتحانات، لكنه قرر أن يحارب هو وزملاؤه هذه الظاهرة قدر استطاعتهم. داخل المركز يوجد خمس لجان للثانوية العامة، يصل المدرسة فى الثامنة صباحاً وتبدأ اللجنة فى التاسعة، وقبل دخول الطلبة نقوم باستدعاء الأمن الذى يقوم بتفتيش الطلبة بواسطة جهاز صغير الحجم للكشف عن أجهزة التليفون المحمول، وعلى الأقل نخرج من كل طالب حوالى ثلاثة أو أربعة تليفونات وسماعات مخبأة فى مناطق مختلفة، ثم تأتى عملية التفتيش الذاتى وهو الأمر الذى يرفضه الطالب ولا نصر على إجرائه خوفاً من عنف أولياء الأمور وعنف الطلبة أنفسهم، الذين يهددوننا بالضرب وباستعمال السلاح بعد انتهاء اللجنة. مع مرور الربع ساعة الأول من زمن الامتحان تبدأ التحركات فى الخارج، حيث يتم تسريب الامتحان بمعاونة بعض المخبرين وأمناء الشرطة التابعين للمركز، ويتم تصوير الإجابات فى المكتبات أمام المدرسة، ومن ثم يتم تلقين الطلبة الإجابات عبر تليفونات بديلة تكون معهم، وقد سبق أن خبؤها فى أماكن حساسة لا نفتشها، وهناك طرق بديلة وهى استئذان الطالب لنزول الحمام وبالأسفل يكون فى انتظاره ولى أمره الذى يعطيه الإجابات مدونة فى ورقة صغيرة الحجم ليعود بها إلى اللجنة.
المحاضر ممنوعة سألنا المراقب عن السر فى عدم تحرير محضر للطالب الذى يكتشف المراقبون قيامه بالغش، فأجاب بأن لا أحد يجرؤ على تحرير محضر لأى طالب لأن أولياء الأمور منتظرون أبناءهم بالخارج، وهذا المركز مشهور بكثرة السلاح فى أيدى أبنائه، موضحا: «التصرف الوحيد أمامك سيكون استدعاء رئيس الدور الذى سيأتى إلى الطالب ويحاول إقناعه بالأدب والذوق بأن يترك الهاتف، والطالب لن يسلم هاتفه بالطبع إلا بعد الانتهاء من وضع الإجابات. المراقب اشتكى أن الأمن داخل المركز بالأساس لا يحمى المراقبين أو المدرسين، فمدير الأمن بعد أن وعدهم بتقديم يد العون لإتمام العملية على أكمل وجه عاد وتراجع عن تصريحاته التى أدلى بها فى الإعلام واتهمهم بالمؤامرة، وأنهم ينفذون أجندة فصيل سياسى معارض. يقاطع الحديث زميل آخر للمراقب وشاهد عيان آخر على عمليات الغش الجماعى التى تتم بالبدارى قائلاً: «وزارة التربية والتعليم المنوط بها ضبط العملية وتوفير الحماية اللازمة لنا أخبرتنا على لسان متحدثها الإعلامى بأن هدفنا الوحيد إثارة البلبلة، وعندما عرضنا عليه الصور قال إنها مفبركة على الرغم من شهرة مركز البدارى التى تسبقه، فهو المصنف الأول على مستوى الجمهورية فى عمليات الغش الجماعى منذ سنوات، لدرجة أن الطلبة من مركز أسيوط المختلفة يتركون مراكزهم قبل الامتحانات مباشرة وينتقلون إلى البدارى لأداء الامتحانات هناك ليحصدوا أعلى الدرجات». يعود الحديث مرة أخرى إلى المراقب الأول، الذى أكد أن رؤساء اللجان كل عام يكتبون تقارير مغايرة للواقع خوفاً على حياتهم، وأنه يعتبر هذا حقهم طالما لا يوجد أمن يحميهم، رغم أن وزارة التربية والتعليم–من وجهة نظره- تعلم علم اليقين أن عمليات الغش فى البدارى مستمرة من أيام حكم مبارك وحتى الآن، متابعا: «نحن نسجل هذه الشهادة لننقلها إلى الجمهور نعلم علم اليقين أن الوزارة ستحقق معنا بتهمة إثارة البلبلة، على الرغم من أننا سجلنا حوادث الغش بالصوت والصورة ولم نأت بشىء من عندنا». الغش تحت السيطرة من جانبه أعرب مسئول بوزارة الداخلية- رفض نشر اسمه- أن عملية الامتحانات كلها على ما يرام، وأن الوزارة تبذل قصارى جهدها من أجل الحد من جريمة الغش الجماعى قبل أن تتحول إلى ظاهرة، مؤكدا أنه تم مد جميع المدارس على مستوى الجمهورية بأجهزة إلكترونية حديثة من شأنها أن تكشف عن أجهزة المحمول، مختتما بأن هناك حالات عدة من المحاضر التى حررت لطلبة بسبب استعمال الموبايل أو غيره من وسائل الغش.