العملة إحدى الوسائل التى تعلن الحكومات من خلالها عن وجودها، وهى الوسيلة ذاتها التى تسعى عدة تنظيمات إرهابية لنشر سطوتها فى المنطقة العربية، وفى ظل حديث عن رعاية أمريكية للإرهاب فى المنطقة، جاء إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، المعروف اختصارًا ب«داعش»، عن إصدار عملة خاصة به وبدء تداولها فى العراق ليثير المخاوف من انتشار تلك التنظيمات بأفكارها الإرهابية على جناح العملات الطائرة بين الحدود. وعلمت «الصباح» أن تنظيم «داعش» أصدر عملة مالية جديدة له بمحافظة الأنبار غرب العراق تحمل اسم عملة «دولة العراق الإسلامية»، من فئة 200 جنيه ومرسوم عليها صورة زعيم تنظيم القاعدة الذى قتلته القوات الأمريكية فى 2011 أسامة بن لادن، كمقدمة لإعلان قيام إمارة إسلامية فى العراق، خاصة أنها جاءت فى ظل توتر سياسى بين حكومة نورى المالكى (الشيعى)، وعشائر الأنبار (السنية). العملة الصادرة من «بنك داعش المركزى»، توضح عملية تزوير مفضوحة ومناورة سياسية فاشلة، لما اعتراها من أخطاء لا يرتكبها الهواة، حيث إن ورقة «داعش» النقدية تحمل اسم «دولة العراق الإسلامية»، باللغتين العربية والانجليزية، لكن اسم الجماعة الرسمى هو «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، وبذلك سقط منها اسم «الشام»، كما إن ورقة النقود لم تحمل كلمة «التوحيد» وهو الشعار الأبرز لداعش. ويجمع المحللون السياسيون على أن إصدار «داعش» لعملة جديدة، مجرد محاولة لتوجيه رسالة قوية بالتخلى عن الدينار العراقى، لكن الأرجح على ما يبدو أن المصّمم ارتكب خطأ فادحًا، فعبارة «مئة جنيه إسلامى»، جاءت بالإنجليزية ومكتوبه بطريقة غير صحيحة، رغم أن تنظيم «القاعدة»، الذى خرج من عباءته تنظيم «داعش»، حرص على استخدام الإنجليزية فى أعماله الدعائية التى بثتها فضائية «الجزيرة» على مدار سنوات عدة، وأصدر من قبل مجلات باللجة الإنجليزية، كما أن العملة الورقية مشابهة للعملة الفلسطينية، وأن الاختلاف الأبرز هو صورة أسامة بن لادن، التى طُبعت فى الجهة السفلى على يمين ورقة داعش النقدية. فى السياق، قال خبير الأوراق المالية، سعيد هلال، ل«الصباح»، إن تحركات أوراق البنكنوت تكون خاضعة للإدارة المسئولة عن الطباعة بالبنوك المركزية فى كل الدول، غير ذلك من العملات فتكون مزورة ولا يعتد بها داخل الدولة التى صدرت بها أو على المستوى العالمى، و«داعش» قامت بطباعة أوراقها المالية عن طريق «طبعات» من الفئة العليا الممتازة، والتى بإمكانها تزوير أى نقد فى العالم ما دام استطاعوا الحصول على أوراق البنكنوت، لكنهم لن يستطيعوا التعامل بتلك العملات مع الدول الأخرى، وستكون مقصورة فى المنطقة التى سيطروا عليها فقط وسيتعاملون بها فيما بينهم فقط، لكنهم لن يستطيعوا أن يستخدموها فى دفع أى تكلفة مواد استهلاكية عند استيرادها من الخارج بهذه العملة. بدوره، أكد الخبير النقدى، إسلام عبدالعاطى، أن العملة الورقية لأى دولة هى ضمان قيمة الكيان الاقتصادى لها، وأن عملة «داعش» ما دامت لم تصدر من الجهة الرسمية ممثلة فى البنك المركزى العراقى، فلا يعتد بها من قبل المجتمع الدولى والتحالفات المالية، والحالة الوحيدة التى يمكن أن يعترف العالم بتلك العملة، عندما تسيطر «داعش» على السلطة المركزية فى العراق، وتجبر العراقيين على التعامل بها، ثم يأتى الاعتراف الدولى على اعتبار أنها العملة الرسمية لبلاد الرافدين. وأضاف عبدالعاطى ل«الصباح» أن إصدار داعش لعملة مزورة تكشف أن هناك جهات دولية تساند هذا التنظيم بقوة، وأمدته بالتكنولوجيا الكافية، لطباعة مثل تلك العملات وإخراجها بهذا الشكل، وهو ما يعد شكلًا من أشكال الحرب النفسية تمهيدًا لتقسيم دولة العراق. القيادى الجهادى السابق، صبرة القاسمى، قال إن إطلاق داعش لعملة خاصة بها يعد أول خطوة لتأصيل دولة إسلامية وتثبييت أركانها فى العراق، لأن كل من يتعامل بهذه العملة يعترف ضمنيًا بدولة داعش، كما أن العملة لا تطبع إلا فى مطابع خاصة لا يملكها التنظيم، ما يعنى أن دولًا كبرى ساعدت «داعش» فى طبع العملات والترويج لها فى العراق والدول المجاورة. وحذر القاسمى من أن الشرق الأوسط أمام مشكلة تتفاقم، تتمثل فى تنظيم إرهابى يتضخم يومًا بعد يوم، لنفاجأ بوجود دولة إرهابية بين الدول العربية، لها عملتها الخاصة، وتطالب الجميع بالتعامل معها، مؤكدًا أن «داعش» يقوم على إخافة وإرهاب الناس، ما يجعل الفقراء يخضعون ويعترفون به وبعملته، والأخطر من ذلك هو أن «داعش» تتواجد بين العراق وسوريا واليمن، ما يعنى أن خطر هذا التنظيم قابل للتمدد ليتحول إلى أزمة كبرى ضد الكيان العربى والإسلامى، وبذلك ينجح مخطط تقسيم الشرق الأوسط، ف «داعش» مثل التتار يقتل الأخضر واليابس.