يقول الأقدمون إن «زامر الحى لا يطرب».. وهذا ما ينطبق بوضوح على د. محمد العريان، الخبير الاقتصادى العالمى ذي التأثير الأكبر فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا على المستوى المالى، إلا أنه لا يتمتع بنفس هذه القوة والتأثير فى بلاده، بل أن هناك طائفة عريضة من المصريين لا تعرفه أصلا، لأن نفس الأقدمين قالوا «لا كرامة لنبى فى وطنه» الوضع الكارثى الذى يواجه الاقتصاد المصرى حاليا، وحالة السخط العام فى الشارع المصرى بسبب تردى أداء الحكومة الحالية، جعل اسمه يتردد على ألسنة المختصين بأنه الوحيد القادر على مساعدة مصر حاليا، فالرجل الملقب فى الأوساط المالية العالمية ب «حكيم وول ستريت» لكفاءته الاقتصادية النادرة يبدو الحل المثالى، خاصة فى ظل انخفاض أسهم حكومة الببلاوى بشكل كبير لدى رجل الشارع الذى لم ير منها على مدى أكثر من 6 أشهر أى تحسن لحالته الاجتماعية، ولم تنفع مجموعة «المسكنات» التى لجأت لها الحكومة فى حل أزمات المصريين، بل يرى بعض الخبراء أنها قرارات خطيرة، لن يدرك الببلاوى آثارها السلبية على المصريين إلا بعد رحيله. ولد العريان عام 1958 من أم مصرية وهى السيدة نادية شكرى، ابنة عم المهندس ابراهيم شكرى رئيس حزب العمل الراحل، وأب مصرى هو عبد الله العريان، الذى كان أستاذا للقانون ثم عمل قاضيا فى محكمة العدل الدولية، ولأن ولادته كانت فى نيويورك، وسنين تعليمه الأولى قضى أغلبها فى امريكا وأوروبا، فقد نجا العريان من عيوب التعليم المصرى المعتادة، وبالتأكيد وجد فى المناهج الغربية ما ساعده على تفجير إمكاناته العقلية إلى أقصى حد. ميلاده كان فى نيويورك سنة 1958، وعاش فى مصر حتى بلغ سن عشر سنوات، قبل أن ينتقل والده أستاذ القانون المستشار عبدالله العريان إلى نيويورك عام 1968، ورافق محمد العريان والده الذى عمل قاضيا فى محكمة العدل الدولية. ثم سفيرا لمصر فى فرنسا، وتلقى العريان تعليمه بين مصر وفرنسا وإنجلترا، وحصل على شهادته الجامعية فى الاقتصاد من جامعة كامبريدج، ثم حصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة اكسفورد فى بريطانيا، بعدها استقر العريان فى واشنطن منذ عام 1983. تصدر «العريان» ترجيحات العديد من خبراء الاقتصاد ومجتمع الأعمال المصرى خلال استطلاع سريع قامت به «الصباح» للوقوف على أقدر الشخصيات على القيام بدور «المنقذ» للأزمات المصرية الأخيرة، فى محاولة منا لمساعدة الحكومة القادمة. مصادر مسئولة داخل الحكومة المصرية أكدت أن اسم العريان مطروح بقوة داخل أجهزة الدولة حاليا، لكن لن تتم اى اتصالات معه إلا بعد حسم موقف الدكتور حازم الببلاوى خلال الأيام القليلة المقبلة، فيما تؤكد المؤشرات الأولية أنه استقال من منصبه كرئيس تنفيذي ل شركة «بيمكو» العالمية بالتزامن مع ارتفاع أسهمه فى تولى رئاسة الحكومة. العريان يعرف بالتأكيد أن مهمة ثقيلة تنتظره، وهى نقل الاقتصادى المصرى من مرحلة «الاختناق» إلى مرحلة «الرفاهية» التى يحلم بها المصرى منذ قيام ثورة 25 يناير بلا جدوى. السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق، اعتبره من أكفأ الاقتصاديين على مستوى العالم، واندهش من أن الحكومات المصرية السابقة لم تبد نحوه أى اهتمام، مشيرا إلى أنه وصل إلى عدد من المناصب المرموقة دوليا والتى نادرا ما يصل إليها العرب. تابع بيومى: العريان صنف ضمن أقوى 500 شخصية عربية فى عام 2011، واستعانت به أمريكا للخروج من أزمتها العالمية وتقوية دعائمها الاقتصادية فى عام 2012، كما أنه كان المرشح الأول لرئاسة صندوق النقد الدولى قبل «كريستيان لاجارد»، فقد عمل لمدة 15 سنة لدى الصندوق فى واشنطن، لينتقل فى عام 1999 إلى مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية، أكبر شركة فى إدارة الأصول فى العالم والتى تدير أصولا تزيد قيمتها على 1.1 تريليون دولار، ويحقق نجاحا مشهودا على قمتها. بيومى أوضح أن خوف الإخوان أثناء فترة حكم المعزول مرسى من تزايد شعبية العريان حالت دون توليه رئاسة الحكومة، لهذا أعطوا المنصب للدكتور هشام قنديل الذى لم تكن إمكاناته تناسب منصب رفيع كهذا. من جانبه رجح على لطفى، رئيس وزراء مصر الأسبق، بأن العريان هو الرجل المناسب لتلك المرحلة، نظرا لخبراته الاقتصادية المتراكمة ولنجاحه الكبير خلال إدارته لأكبر الشركات المالية فى العالم، والتى يبلغ حجم أصولها أضعاف الموازنة المصرية، كما اختاره الرئيس الأمريكى باراك أوباما كبيرا للمستشاريين الاقتصاديين فى البيت الأبيض، مما يعنى أنه يجيد العمل فى العالمين الاقتصادى والسياسى بنفس الكفاءة. كشف لطفى بأن المخابرات المصرية تجرى الكشف عن تاريخ الدكتور محمد العريان نظرا لما تردد خلال الأيام الماضية فى وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه ذو علاقات قوية مع اليهود، إلا أن هذا لا ينتقص من وطنيته كمصرى أصيل، لكن طبيعه عمله تجبره على العمل مع جميع الأطياف العالمية. ضرب لطفى مثلا بأن «العريان» عمل خلال فترة التسعينيات مع رئيس البنك المركزى الإسرائيلى «ستانلى فيشر» حينما كان خبيرا اقتصاديا لصندوق النقد الدولى، وتعامله مع فيشرآنذاك كان ضروريا لأن الاسرائيلى كان يعتبر الاقتصادى رقم 2 فى صندوق النقد الدولى، بعدها ترشح فيشر نفسه لرئاسة البنك الفيدرالى الأمريكى، لكن هذا لا يعنى أنه رجل غير وطنى بل على العكس، فإن تبرعه بمبلغ 30 مليون دولار لصالح مدينة زويل العلمية الجديدة التى يتم إنشاؤها حاليا فى مدينة السادس من أكتوبر يظهر أنه يحمل هموم مصر فى ذهنه. تصريحات العريان خلال الأسابيع الماضية حملت المزيد من التفاؤل والأمل لدى المصريين، حيث أكد أن قطاعى السياحة والصناعة لايزالان من القطاعات القوية فى مصر رغم صعوبة الظروف الحالية، مشيرا إلي أن الاقتصاد المصرى يمتلك مقومات التعافى السريع، لكن بشرط استغلال عدة عوامل لإنعاشه. فيما أكد العريان أن المساعدات المالية العاجلة التى قدمتها الكويت والسعودية والإمارات للحكومة المصرية لا يجب أن نستمر فى الاعتماد عليها، صحيح أنها أسهمت فى حل أزمة الاحتياطى النقدى وتخفيف الضغوط المالية على الحكومة خلال المرحلة الانتقالية، لكن لا يوجد اقتصاد قوى يبنى على المساعدات، منوها بأن الوعى الكافى للقوات المسلحة سيؤدى لتحقيق الاستقرار فى البلاد، مما يسمح بزيادة ثقة المجتمع الدولى فى مناخ الاستثمار بمصر. العريان لخص المشهد المصرى فى مجموعة نقاط، أهمها أن الثورة المصرية الأولى فى 25 يناير 2011 التى خلعت نظام مبارك، أثبتت أنها لم تكن كافية لوضع مصر على المسار الملائم لتحقيق أهدافها المشروعة «عيش حرية وعدالة اجتماعية»، حيث كان الغضب يحركها تجاه المؤسسات التى استحوذ عليهما مجموعة من الفاسدين، فقررت الثورة تدميرها، بدلا من أن يكون أمامها خريطة واضحة لخدمة البلاد ككل.