حينما تتحول المؤسسات العامة إلى «عزب» خاصة بالمسئولين عنها، ويتم استخدام الإمكانيات المتاحة لها فى تحقيق مصالح شخصية، فهذا قمة الفساد وخيانة الأمانة، وهو وضع ينطبق عليه المثل القائل «حاميها حراميها». أما عن الفساد الذى كان يحدث فى عهد طارق عامر، رئيس «البنك الأهلى» السابق، والذى أصبح يشغل حاليا منصب العضو المنتدب لفرع البنك فى لندن، فحدّث ولا حرج عن وقائع عديدة رصدها بالمستندات الزميل محمد عادل فى كتابه «الفساد فى البنوك». وأحد وجوه هذا الفساد هو «عماد الدين فصيح» المستشار القانونى للبنك وصاحب مكتب «عماد الدين فصيح وشركاه» للمحاماة، وهو واحد من أهم الأدوات التى استخدمها «عامر» فى تحقيق أهدافه الخاصة وتبديد أموال البنك على مكتب مغمور لم يسمع به أحد فى أوساط المحاماة. ولكن يبدو أن رئيس «الأهلى» السابق لم يكن يهمه سوى تشكيل «شلة» له داخل البنك، حيث استخدم مكتب المحاماة فى إقامة دعاوى قضائية وتصفية حسابات قديمة مع خصومه من رجال الأعمال والموظفين والصحفيين وغيرهم. وكشفت مصادر من داخل البنك ل«الصباح» أن «عامر» استعان بمكتب «فصيح للمحاماة» من الخارج رغم وجود ما يقرب من 300 محام يعملون بالإدارة القانونية فى البنك، ولكن تم تجاهلهم تماما، ما يعد إهدارا صريحا للمال العام. يأتى ذلك رغم أن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قررت فى جلستها المنعقدة بتاريخ 7/10/2009 عدم جواز شغل وظائف بالإدارات القانونية الخاضعة لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1973 بعقود مؤقتة لما تتمتع به تلك الوظائف من ذاتية وخصوصية وحيدة واستقلالية وطرق محددة، ولكن «عامر» تجاوز هذه الفتوى وتعاقد مع المكتب، ضاربا بكافة اللوائح والقوانين عرض الحائط، وأصر على المضى قدما فى طريق إهدار المال العام بشتى الطرق دون وازع من ضمير أو وضع أدنى اعتبار للجهات الرقابية وكأنه فوق سلطان أى قانون. مكتب «فصيح» الذى أطلقه «عامر» ليكون أداة لضرب خصومه حصل على 150 ألف جنيه «أتعاب» فى الدعوى القضائية ضد الكاتب الصحفى عادل حمودة بعد أن تناول «حمودة» على حلقات وقائع الفساد فى البنك، فضلا عن قضايا أخرى عديدة تقاضى فيها المكتب أتعابا بمئات الآلاف، وما خفى كان أعظم. ووفقا للمستندات التى كشفها كتاب «الفساد فى البنوك» فهناك خطابان مؤرخان فى يوم 16 فبراير 2010 الأول نصه: «السادة «البنك الأهلى المصرى»، السيد الأستاذ طارق عامر رئيس مجلس الإدارة تحية طيبة وبعد، حيث شَرُفنا بتكليف البنك لمكتبنا باتخاذ الإجراءات القانونية ضد عادل حمودة رئيس تحرير جريدة «الفجر»، لنشره أخبارا كاذبة يمكن أن تؤدى إلى حدوث إضرار بمصالح البنك والاقتصاد القومى، فإننا نود أن نحيط، سيادتكم، بأن أتعاب مكتبنا عن هذه الدعوى هى مبلغ 150 ألف جنيه، على أن يكون سداد نصف الأتعاب مقدما، والنصف الآخر حين صدور حكم نهائى فى الدعوى لصالح البنك.. وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام «مكتب فصيح للاستشارات والمحاماة عماد الدين فصيح ومعاونوه». والخطاب الثانى خاص بالدعاوى المرفوعة من نادية إسماعيل، مدير الشئون القانونية بالبنك الأهلى، والتى تعرضت لظلم من البنك، وقامت برفع دعاوى للحصول على حقوقها، وطلب المكتب 30 ألف جنيه نظير مباشرة الجنحتين المقامتين من السيدة «نادية» و25 ألفا أخرى نظير مباشرة الدعوى رقم 172 لسنة 2010 مدنى كلى شمال القاهرة بطلب عزل مجلس الإدارة، و25 ألفا ثالثة نظير مباشرة الدعوى رقم 5 لسنة 2010 مدنى كلى شمال القاهرة بطلب التعويض المقامة من «نادية» ضد البنك. كما طلب المكتب 20 ألف جنيه نظير مباشرة الدعوى رقم 173 لسنة 2010 مدنى كلى شمال القاهرة بطلب بطلان هيكلة المجموعة القانونية، و20 ألف جنيه نظير مباشرة الدعوى رقم 6 لسنة 2010 مدنى كلى شمال القاهرة المطالبة بعدم الاعتداد ببعض القرارات الخاصة بتنظيم العمل داخل البنك، على أن يتم سداد نصف الأتعاب مقدما والباقى عند صدور حكم نهائى لصالح البنك أو المدعى عليهم، أى أن مكتب المحاماة سيحصل على 120 ألف جنيه فى الوقت الذى يوجد فى المؤسسة 300 محام يتقاضون رواتبهم من البنك نظير عملهم! والغريب أن «عامر» كان يلغى تماما دور الإدارة القانونية فى البنك الأهلى، ويقضى على الخبرات التى تراكمت فى المؤسسة على مدار السنوات الماضية، فقد أرسل مكتب «فصيح» لرئيس مجلس الإدارة السابق بتاريخ 19 مارس 2011 خطابا نصه الآتى: «لقد شرفتمونى سيادتكم اعتبارا من 14 فبراير 2011 بتكليفى بدراسة العديد من الملفات القانونية الخاصة بالبنك وتقديم المشورة القانونية فى موضوعات مختلفة، وكذا فى حضور العديد من الاجتماعات لتقديم الرأى القانونى فيها، كما قمت ولا أزال بتقديم الخدمات القانونية التى يكلفنى بها السادة أعضاء الإدارة العليا. ولقد ترون سيادتكم أنه من المناسب وضع ما يود البنك تكليفى به من أعمال فى إطار من التعاقد، الأمر الذى يشرفنى معه أن أتقدم بعرضى هذا، لاستمرار تقديم خدماتى للبنك ويشمل ذلك قيامى بأداء الأعمال المنوطة بى نظير أتعاب شهرية قدرها 50 ألف جنيه». ولأن رئيس البنك السابق تجاهل الشئون القانونية داخل البنك فقد فسر العاملون هذه الخطابات بأن أعضاء مجلس إدارة البنك قاموا بمخالفة قانون سرية الحسابات من خلال التعاقد مع هذا المكتب وتكليفه بدراسة العديد من الملفات القانونية الخاصة بالبنك وتقديم المشورة القانونية فى موضوعات مختلفة؛ على الرغم من أن الهيكل التنظيمى للبنك يضم مجموعة شئون قانونية متكاملة تتضمن العديد من القطاعات، الأمر الذى يُعد إفشاء لسرية حسابات العملاء والسماح بالاطلاع عليها من أشخاص غير ذى صفة ومن غير العاملين بالبنك.