لم يسعد المصريون كثيرًا بحالة لم الشمل التى انتابت لجنة الخمسين بعد الانتهاء من إعداد مشروع الدستور الجديد. ضحك التوافق والسعادة أعقبته تجهم المشاحنات والخلاف الذى دب فجأة بين أعضاء لجنة خلال حفل العشاء الذى أقامه اللواء مجد الدين بركات، ممثل القوات المسلحة فى اللجنة، بفندق الماسة التابع للقوات المسلحة الأسبوع الماضى. حالة التذمر التى انتابت بعض الأعضاء كانت بسبب ما اعتبروه تلاعبًا فى نص الديباجة، حيث تم الاعتراض على تحول جملة «حكمها مدنى» إلى «حكومتها مدنية»، فضلًا عن تضمين تفسير المحكمة الدستورية العليا لمبادئ الشريعة الإسلامية. مصدر مطلع داخل اللجنة كشف لنا أن الخلاف الحالى هو الأكبر، منذ مناقشة مواد القوات المسلحة - من المادة 200 الى المادة 205 – التى لم يتم الاختلاف حولها إلا فى مادة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فقط، والتى شهدت مناقشات حادة حتى الجلسات الأخيرة. المصدر اعتبر أن حكمة ممثل القوات المسلحة اللواء «مجد الدين بركات» كانت وراء الخروج من تلك الأزمة المحكمة، حيث اقترح نصًا تفصيليًا يمنع إحالة المدنى للمحاكمة العسكرية إلا فى حالة التعدى على منشآت وأفراد ومعدات القوات المسلحة... وهو ما لاقى موافقة من المعترضين، بينما منح دستور الإخوان فى 2012 نصًا فضفاضًا يتيح إحالة المدنيين لمحاكمات عسكرية وفقًا للقانون. كواليس عشاء القوات المسلحة شهدت زيارة عدد من الفنانين لتهنئة اللجنة بالانتهاء من أهم مراحل خارطة الطريق نحو مستقبل مشرق، من أبرزهم الفنانين محمود قابيل وشريف منير وأحمد بدير ولطفى لبيب . كما شهد الحفل ترحيبًا واهتمامًا لافتًا بممثل المعاقين الدكتور حسام المساح، والذى أكد السيد عمرو موسى رئيس اللجنة أنه نجح فى اكتساب احترام الجميع، وحصل للمعاقين على مكاسب تاريخية فى الدستور الجديد . كان لافتا عدم وجود أى من ممثلين القوات المسلحة بخلاف صاحب الدعوة اللواء مجد الدين بركات، حرصًا على عدم الإيحاء بالتدخل فى سير المرحلة الانتقالية. بدأ الاحتفال بترحيب صاحب الدعوة وممثل القوات المسلحه بزملائه من أعضاء اللجنة باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، وشكرهم على هذا المجهود العظيم الذى سيذكره لهم التاريخ، وسيكون نبتة صالحة لأرض صالحة يتمتع بها الشعب المصرى كله، وبارك تقديم مشروع الدستور لرئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور. بركات مازح بقوله: «يسألنى البعض عما إذا كان ستتم إحالة أى ضيف يكسر سرفيس من الدار إلى المحاكمة العسكرية، فأطمأنهم أن هذا لن يحدث»، فضجت القاعة بالضحك، فى إشارة لبقة إلى الخلاف الذى شهدته نص المادة 204 عن إحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية بين أعضاء اللجنة. من جانبه شكر عمرو موسى اللواء مجد الدين بركات والقوات المسلحة، مضيفًا: «أعترف بأنه كان لدى شوق لرؤية أصدقائى الجدد والقدامى، وإن استمر فى النقاش معهم وملاقاة صديقى اللدود ضياء رشوان وصديقى اللدود خيرى عبد الدايم إلا أنهما لم يحضرا». موسى نقل تحيات رئيس الجمهورية عدلى منصور، واعتزازه بالعمل الكبير الذى قامت به اللجنة، ووعدهم بترتيب لقاء لأعضاء لجنة الخمسين بالكامل مع الرئيس عدلى منصور خلال تسليم النسخة الرسمية للدستور. ثم التف الحاضرون حول موسى فى ختام الحفل ليوقع على النسخة التى تم توزيعها . فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام عضو اللجنة عن الأزهر قدم للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب على هذا المجهود الكبير، مشيرًا إلى أنه سيلتقيهم على الغداء الأسبوع الجارى بعد عودته من رحلة علاحية بمركز مجدى يعقوب للقلب بأسوان. كواليس المشاحنات التى دارت بعد الابتسامات يكشفها لنا الدكتور محمد أبو الغار، والذى أخبر «الصباح» أن الخلاف فى عشاء القوات المسلحة أثير حول كلمة «حكمها مدن»، موضحا أنه منذ بداية أعمال لجنة الخمسين كان هناك تيار مدنى ضخم يصر على النص بوضوح على أن «مصر دولة مدنية» فى الدستور، لكن كان يواجهه رفض من حزب «النور» الذى عبر عن حساسية شديدة فى هذه النقطة، مضيفًا: «رغم أن التيار المدنى يمثل الأغلبية وهو موافق عليها، ويستطيع فرضها، لكننا كنا نريد موافقة الأزهر، خصوصًا مفتى الجمهورية، وظلت هذه النقطة محتقنة، ولم تحسم حتى أتت اللحظة الفارقة، التى لا بد فيها من حسم هذه المادة، فوقف الأنبا بولا بشجاعة وقال إنه موافق على حذف كلمة دولة مدنية، إذا كانت هذه النقطة هى التى ستحل الأزمة، فوقف مفتى الجمهورية وقال إنه يقترح تعديل النص فى الديباجة إلى أن مصر «نظام حكمها مدنى»، وتم الاتفاق على هذا النص، وحُلت هذه المشكلة». أبو الغار أضاف: «المشكلة بدأت أثناء عشاء القوات المسلحة بعدما وزع علينا الدستور مطبوعًا، وقبيل انصرافنا فوجئت بصوت مرتفع وهرج ومرج، وكان صوت الأنبا أنطونيوس يقول إنه تم تغيير كلمة «نظام حكمها مدنى»، واستبدالها بكلمة «حكومتها مدنية»، ثم ذهب بعدها لعمرو موسى وأخبره بهذا التحريف، وهذه النقطة لا تزال مشكلة قائمة، لأننا صوتنا داخل اللجنة على أن حكمها مدنى». «الصباح» علمت أن رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى، ومقرر لجنة الصياغة الدكتور عبد الجليل مصطفى، ذهبا إلى مقر مجلس الشورى لمراجعة مضبطة الجلسات النهائية للتصويت على الدستور، ومن جانبه قال رئيس مركز المعلومات بمجلس الشورى محمد وجدى «إنه تم تشكيل لجنة لمراجعة مضابط الجلسات النهائية للجنة بمنتهى الدقة، وأن اللجنة قامت بتفريغ ومراجعة كل محاضر الاجتماعات المسجلة، ومطابقتها بمواد الدستور التى تم التصويت عليها»، وأشار إلى أن اللجنة سوف تسلم تقريرًا شاملًا إلى رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى قبل نهاية الشهر الحالى. مصادر داخل اللجنة قالت ل «الصباح» إن اللجنة اكتشفت بعد التفريغ الصوتى لمضبطة الجلسة أن رئيس الجلسة نطقها «حكمها مدنى» بالفعل وليس «حكومتها مدنية»، كما هو مكتوب حاليًا فى الدستور المقترح، بينما نفى المتحدث باسم اللجنة محمد سلماوى، وجود أى تعديلات على ديباجة الدستور التى أقرها الأعضاء بالإجماع فى آخر جلسات اللجنة، وقال إن «الديباجة التى أقرت بنصها ومواد الدستور التى قرأها رئيس اللجنة على الأعضاء هى التى تم طبعها وتسليم نسخة رسمية منها لرئيس الجمهورية». بدوره أشار عضو لجنة الخمسين مسعد أبو فجر إلى أن تصويت لجنة الخمسين كان على جملة «حكمها مدنى»، واعتبر أن ما ورد فى مشروع الدستور الذى ينص على «حكومتها مدنية» خطأ مطبعى. أبو فجر أضاف أنه فيما يخص مرجعية « مبادئ الشريعة الإسلامية» تم التصويت على أن يكون المرجع فى تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا، وهذا الأمر لا يوجد به أى خطأ مطبعى فى النص النهائى لمشروع الدستور الجديد، وجاء نص الجملة فى ديباجة الدستور «نكتب دستورًا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وأن المرجع فى تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن». عضو لجنة الخمسين الفنان التشكيلى محمد عبلة قال إنه من غير المقبول إدخال أى تعديلات على النسخة التى تم التصويت عليها فى الجلسة العامة للخمسين، معتبرًا أن التصويت على المواد بشكل علنى يضع من يغير شيئًا من النصوص فى موقف حرج أمام الرأى العام كله. وقال عبلة إنه لا يرى فارقًا كبيرًا «حكومتها مدنية»، أو «حكمها مدنى»، لافتًا إلى أن الحكومة فى النهاية هى الأقرب للشارع، وبالتالى أن يتم النص على أن الحكومة مدنية ممكن قبوله أيضًا بعيدًا عن الخلاف حول الفكرة الفلسفية التى يتحدث عنها البعض الآن، مشيرًا إلى أنه قد يكون التبس على رئيس الجلسة عمرو موسى نطق الكلمة فى أثناء تلاوته على أعضاء اللجنة فى الجلسة العامة. كان ممثلو الكنائس المصرية بلجنة الخمسين قد أثاروا أزمة التعديل الذى حدث فى ديباجة الدستور والمتعلقة بتغيير نص كلمة «حكمها مدنى» إلى «حكومتها مدنية». وفى أثناء حفل العشاء الذى نظمه اللواء مجد الدين بركات ممثل القوات المسلحة باللجنة، لأعضاء اللجنة، وقال الأنبا أنطونيوس عزيز ممثل الكنيسة الكاثوليكية الذى اكتشف التعديل فى الديباجة: «كيف يحدث ذلك ونكتشف أن الجملة تم تغييرها بليل؟ » معتبرا أن هذا النص الجديد معناه أن مجلس الوزراء والوزراء مدنيون، وليس الحكم ذاته.