مع مرور 40 عامًا على ذكرى نصر أكتوبر العظيم ، يظل ذلك الحدث الذى غير تاريخ الحروب العسكرية فى العالم أجمع هونقطة القوة الوحيدة فى تاريخ الصراع العربى الاسرائيلى، والذى تسبب فى تعديل المراجع والمناهج التى درس فى أعتى الأكاديميات العالمية، وجعل من ضباط قواتنا المسلحة خبراء رسميين يلقون محاضرات فنون القتال وخطط الحرب فى مؤتمرات حلف الناتو والمعسكرات التدريبية فى الولاياتالمتحدة. ورغم أن خبراءنا ومؤرخينا العسكريين ظلوا طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات ينبشون كل صغيرة وكبيرة من دفاتر التقارير اليومية، وبلاغات القتال لقادة الحرب المصريين كى يستخرجوا كل المعلومات الممكنة..إلا أن شهادة العدو شىء مختلف.. ومن هنا تكتسب الوثائق التى قامت إسرائيل والولاياتالمتحدة بكشفها فقط هذا العام قيمة خاصة. أولى هذه الوثائق بخط يد الرئيس السادات نفسه، تتضمن التوجيه الاستراتيجى للحرب يوم 5 أكتوبر موجهة إلى المشيرأحمد إسماعيل وزير الحربية (كما كانت تسمى وقتها)، والقائد العام للقوات المسلحة، يتضمن التكليفات للقوات، أولها كسر جمود وقف إطلاق النار بداية من الثانية ظهر السادس من أكتوبر، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات، والعمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل طبقًا لتطور الموقف للقوات وحسب نمو القوات وقدراتها، وثانيًا تنفيذ تلك المهام بالتنسيق مع القوات السورية أو بدون. وإحدى أهم تلك الوثائق التى تم الإفراج عنها، والتى ننفرد بنشرها، تظهر فشل المخابرات الأمريكية فى التنبؤ بالحرب حتى صباح يوم 6 أكتوبر 1973، فالوثيقة المخزنة فى الأرشيف الوطنى للولايات المتحدةالأمريكية، هى عبارة عن مذكرة إلى البيت الأبيض مقدمة من «ويليام كوانت» إلى «برنت سكو سكروفت» تحت عنوان «التوتر العربى الإسرائيلى». ويليام كوانت، وهو أحد أعضاء هيئة الأمن القومىNSA الذى قام بإعداد هذه المذكرة صباح يوم السبت 6 أكتوبر ، أعدها بعد أن عقد فريق واشنطن التنفيذى الخاص اجتماعًا فى البيت الأبيض فى غياب كيسنجر ( ولكن لسوء الحظ ظلت المذكرات التى تم تدوينها أثناء الاجتماع سرية، فيما عدا تلك الوثيقة التى كشفت الولاياتالمتحدة النقاب عنها بعد مرور 40 عامًا على الحرب). وتتضمن نص ترجمة الوثيقة: لقد اجتمع السفير كيتنج مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية – جولدا مائير – حيث أخبرته ان إسرائيل تلقت معلومات من مصادر موثوق بها، تفيد أن مصر وسوريا يخططان لشن هجوم منسق ضدها بعد ظهر اليوم، كما أكدت أن عائلات وبعض خبراء السوفييت يتم الآن ترحيلهم من كل من مصر وسوريا، وطلبت منا أن نخبر السوفييت والمصريين بأن: إسرائيل لم تخطط للهجوم على سوريا ومصر، ولكنها قامت باستدعاء قوات الاحتياط للالتحاق بالجيش لمواجهة أية طوارئ ، غير أنها لم تعلن حالة التعبئة العامة. إسرائيل على علم بالموقف العسكرى فى كل من مصر وسوريا، وأنهما سوف تكابدان الهزيمة حتى إذا كلفها ذلك بعض الخسائر. وقد أكدت مائير للسفير كيتنج أن إسرائيل ليست لديها النية فى المبادرة بالهجوم، وأنها تحبذ تجنب الحرب. وتؤكد الوثيقة الأمريكية التى يعود تاريخها لصباح السادس من أكتوبر: «لكن وردت معلومات أخرى تفيد أن الهدوء يعم القاهرة هذا الصباح، وليست هناك أية إشارات تنبئ بهجوم عسكرى، ولكننا جاءنا تأكيد بأن حوالى 1000 من عائلات السوفييت تم ترحيلهم من مصر، وأن ما يعادل ذلك العدد أو أقل منه قليلًا من الخبراء الروس فى طريقهم للرحيل من سوريا، كما نعلم أيضًا أن القوات المصرية على أهبة الاستعداد للحرب، وأن القوات السورية قد اتخذت قواعدها على مرتفعات الجولان استعدادًا للقتال. ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة تأويلات:
1- أن مصر وسوريا – على الرغم من الاحتمالات الكبيرة لخساراتهما للحرب – تعزمان على المبادرة بالحرب كوسيلة لجذب الانتباه الدولى إلى قضية الشرق الأوسط، وتفعيل استخدام البترول كسلاح سياسى ضد الولاياتالمتحدة ، وقد اكتشف السوفييت تلك المؤامرة ، لذا يقومون بترحيل عائلاتهم وخبرائهم. وطالما أنه يتم إجلاء الخبراء فإن تأثير الهجوم العربى سوف يتلاشى ، كما سيقلل ذلك من تأثير السوفييت. 2- إن العلاقات العربية السوفيتية تتعرض الآن إلى أزمة ، وتخوفًا من احتمالية وقوع حرب، فقد تم إجلاء الخبراء الروس من مصر وسوريا حيث تواجه تلك العلاقات الآن العديد من الضغوط والتوترات، كما بذل الملك فيصل ضغوطًا كبيرة من أجل إقناع السادات والأسد لقطع العلاقات مع موسكو.
وتستمر أجهزة المخابرات لدينا فى استبعاد حدوث هجوم عربى ضد إسرائيل، هذا ولم ترد إلينا أية إشارات حتى الآن تفيد قرب ذلك الهجوم. ويبدو أنهم يميلون إلى التفسير بأن سبب الأزمة يكمن فى العلاقات العربية السوفيتية. وتستكمل الوثيقة الامريكية المرفوعة إلى أكبر الجهات الاستخباراتية والأمنية فى الولاياتالمتحدة تحليلها:
على كل الأحوال ، فإذا اندلعت الاشتباكات فإننا ينبغى علينا اتخاذ الإجراءات الفورية التالية:
إبلاغ المصريين والسوفييت برسالة رئيسة الوزراء الإسرائيلية ، جولدا مائير، مع إضافة دعمنا حول الحاجة إلى تجنب الحرب. تنفيذ الخطوات الأولى لإجلاء المواطنين الأمريكيين من الدول العربية الرئيسية (لبنان وليبيا والمملكة العربية السعودية ). دعوة لجنة مهمات البترول للاستعداد إلى مواجهة طوارئ مقاطعة البترول العربى. التشاور مع إسرائيل والأردن حول الخطوات التى يجب اتخاذها فى حالة الحرب، لا سيما أننا نريد التأكد من أن الأردن لن تنزلق إلى تلك الحرب. مطالبة شاه إيران باستغلال تأثيره البالغ على الرئيس السادات فى عدم اللجوء لاستخدام القوة. تأهب القوات الأمريكية فى دول البحر المتوسط وأوروبا للقيام بعمليات محتملة فى الشرق الأوسط. انتهت الوثيقة.
ورغم أن النص يشرح نفسه، لكن من المهم أن نلاحظ ما يلى:
الاستخبارات الأمريكية حتى قبل اندلاع الحرب بساعات لم تتوقع حدوثها، وكانت ترى أن احتمال وقوع هجوم عربى ضد إسرائيل شبه معدوم، حيث ظنت المخابرات الأمريكية أن أزمة العلاقات العربية السوفييتية هى التفسير الأمثل لطرد الخبراء الروس.
خطة التمويه التى رسمها الرئيس السادات ورجاله وإخفاء النوايا الحقيقة للمناورات والتحركات المصرية السورية ، كانت خطة محكمة للدرجة التى انطلت على أقوى جهاز استخباراتى فى العالم (ال CIA) ، بل وأوقعته فى حالة من الحيرة والارتباك. العلاقة «الخاصة» الأمريكية بالأردن وإيران فى ذلك الحين وقت حكم الشاه.