للدين أصل واحد ووجوه متعددة.. العاقل يفهمه رسالة للعدل والرحمة.. والصوفى يتلقاه وسيلة للمحبة بين الجميع.. والإخوانى يستعين به فى قضاء مأربه من دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو منصب يقاتل الجميع من أجله.. ومنذ ظهور «جماعات الإسلام السياسى» بعد ثورات الربيع العربى «شاهدت الشعوب العربية غرائب وأهوالا من هذه التيارات، وكانت أكثر هذه العجائب ما أطلق عليه «فتوى نكاح الجهاد» التى تتيح للرجل فى ساحة «الجهاد» أن يتزوج من فتاة يتعدى عمرها 14 عاما بعقد مؤقت إرضاء لشهوته على أن يتاح لنفس الفتاة أن تتزوج من آخرين فى ساحة المعركة حتى لو لساعات طالما كان الشخص يحارب لنصرة الدين وتمكين الشريعة. قوبلت الفتوى باستغراب واستهجان من الرأى العام المصرى والعربى لكن التيارات الإسلامية المتشددة اعتبرت مجرد الحديث عن مثل هذه الفتوى جزءا من الحرب النفسية والإعلامية التى يشنها العلمانيون ضد المشروع الإسلامى وقالت قيادات كثيرة من هذه التيارات أنه لا صحة لوجود مثل هذه الفتوى، خاصة أن الداعية السعودى محمد العريفى المنسوب له إطلاقها فى عام 2011 نفى أن يكون قد أفتى بذلك للمجاهدين فى سوريا أو فى غيرها من البلدان التى يجاهد فيها الإسلاميون ، ولم يتحدث أبناء التيار الإسلامى المتشدد من الإرهابيين عن فتاوى أخرى صدرت لشيوخ غير العريفى مثل الداعية السلفى السورى المتشدد على الربيعى الذى قال بأن هناك مداخل فى الفقه تجعل من «جهاد النكاح» فى حالة الضرورة مباحا، وهذا الشيخ هو نفسه صاحب فتوى تقول: «إن خلع الملابس أثناء المعاشرة بين الرجل وزوجه يبطل الزواج وتعتبر زوجته طالقا وتحرم عليه». وكما كانت تونس سباقة بين دول الربيع العربى فى الانتفاض ضد الحكم المستبد فقد كانت أيضا أول بلد عربى يشهد هذه الظاهرة، وما بين نفى أو وقائع غابت الحقيقة حتى ظهر هذا الأسبوع وزير الداخلية التونسى لطفى بن جدو فى مؤتمر صحفى ليدلى بتصريحات رسمية تؤكد الظاهرة وتحكى تفاصيل الكارثة. قال الوزير المحسوب على حكومة «النهضة» الإخوانية الحاكمة وإن كان هو نفسه «مستقلا سياسيا ويسعى لمنع اختراق الإخوان أى مؤسسة سيادية فى بلاده»: إن «فتيات سوريات سافرن إلى سوريا تحت مسمى «جهاد النكاح» عدن إلى تونس «حوامل» من أجانب يقاتلون الجيش السورى النظامى، وقال الوزير خلال جلسة مساءلة أمام المجلس المجدلس التأسيسى «البرلمان» نقلها التليفزيون الوطنى التونسى: فتياتنا اللاتى ذهبن إلى سوريا كان يتناوب عليهن جنسيا عشرون وثلاثون ومائة مقاتل ويرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم جهاد النكاح.. ونحن ساكتون ومكتوفو الأيدى، وقال الوزير أيضا: لقد منعت وزارة الداخلية منذ مارس الماضى ستة آلاف تونسى من السفر إلى سوريا واعتقلت 86 شخصا كونوا شبكات لإرسال الفتيات التونسيات إلى سوريا». تصريحات وزير الداخلية أثارت عاصفة من الجدل ليست فى تونس وحدها بل فى عواصم عربية عديدة تنتعش فيها تيارات الإسلام السياسى وتتصل بما يدور فى سوريا أو فى بعض دول أخرى تحاول فيها أن تطبق «الجهاد» للوصول إلى السلطة. فى تونس نفسها تجددت ذكريات عاصفة للمجتمع التونسى مع الفتاة «رحمة عطية» ابنة ال16 عاما التى خرجت فى عام 2012 لتروى لأول مرة قصة حقيقية كانت هى بطلتها عندما أقنعها بعض السلفيين والإخوان فى بلدتها الفقيرة جنوبتونس العاصمة بالسفر إلى سوريا لدعم «المجاهدين«.. اعتقدت الفتاة أنها سوف تجاهد هناك بتقديم الدعم الطبى لمن يقاتلون بشار الأسد من الجهاديين وعناصر تنظيم «جبهة النصرة» الذى تجمع مقاتلوه من أكثر من 80 دولة، لكنها حينما سافرت إلى هناك اكتشفت الصورة غير ما قيل لها وكما روت: «كنت متدينة وأحفظ القرآن ومستعدة لدفاع عن الإسلام بأى صورة ولصغر سنى اعتقدت أن الإسلام يحارب الكفر فى سوريا، وأن بشار هو ممثل هذا الكفر لكننى عندما سافرت تعاملت مع بعض من أقسى القلوب التى يمكن أن يراها إنسان.. لقد سمعت مصطلح جهاد النكاح من «مجاهدين» لكنتهم غريبة بعضهم باكستانى وبعضهم أفغانى وبعضهم من دول إفريقية، وقد تزوجت من 15 رجلا فى مدة لا تتجاوز 48 ساعة، حيث كنت أخرج من خيمة إلى خيمة ويتناوب على المجاهدون بعد توقيع ورقة زواج عاجلة ولم أكتشف أننى أرتكب خطأ شنيعا إلا بعد أن عدت لبلادى ورويت لأسرتى ومعارفى ما حدث وكانت الكارثة». من ناحية أخرى فقد استدعى التونسيون ما حدث فى 19 إبريل الماضى عندما أعلن الشيخ رمضان بطيخ، وكان وقتئذ مفتى الجمهورية التونسية، أن «16 فتاة تونسية تم التغرير بهن» وبعد ذلك ما حدث فى 28 أغسطس الماضى، عندما أعلن مصطفى بن عمير المدير العام لجهاز الأمن العمومى فى تونس عن « تفكيك خلية لجهاد النكاح فى جبل الشعبانى الذى يتحصن فيه مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربى، وقال بن عمير فى بيان له: «إن جماعة أنصار الشريعة قامت بانتداب العنصر النسائى بالتركيز خاصة مع القاصرات المنقبات على غرار الخلية التى تم تفكيكها فى التاسع من أغسطس الحالى والتى تتزعمها فتاة من مواليد 1996، وأضاف أن هذه الفتاة عندما اعتقلتها الشرطة أقرت عند التحقيق معها بأنها تتعمد استقطاب الفتيات لمرافقتها إلى جبل الشعبانى لمناصرة عناصر التنظيم المسلح فى إطار ما يعرف بجهاد النكاح». صحيح أن ما قيل على لسان شخصيات تونسية فى موضوع جهاد النكاح كثير منذ عام 2011 لكن كلام أكبر مسئول أمنى فى البلاد كان لها تأثير مختلف.. فقد قادت الناشطة التونسية سلمى اللوحى أكبر حركة احتجاج ضد استمرار هذه الظاهرة فى بلادها وانتقالها فى عدد من البلدان العربية ومن بينها مصر التى سافر منها عدد كبير من الشباب المنتمين للتيار الإسلامى من الجنسين إلى سوريا فى أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، وقالت الناشطة فى بيان لها: «هذه الفتوى وهذه القصة كلها عار على تونس» ودعت للتصدى ل«تدفق الدعاة الوهابيين». فى مصر بدا الأمر مرتبطا بشدة فيما يدور بتونس حول هذه الظاهرة.. ففى ميدان «رابعة العدوية» المكان الذى تجمع فيه أنصار الرئيس المعزول لإرباك الدولة ومحاولة صنع «ازدواجية فى الحكم» وذلك قبل فض الاعتصام فى قرار بدا للمتطرفين بعيدا عن التحقق مع وجود سلاح وتهديد من الإرهابين ب«تفجير مصر» لو تم فض الاعتصام. كانت قضية «جهاد النكاح» من القضايا المطروحة، خاصة وأن شهادات متعددة روت أن هذا النوع من الزواج يتم الحث عليه وكالعادة نفى الإخوان والإرهابيون الموالون لهم ذلك، لكن بعد الفض عثر أسفل المنصة وداخل خيام الاعتصام على كتيبات تتحدث عن «الحور العين» التى تنتظر المجاهدين لو استشهدوا على أرض المعركة.. أحد هذه الكتيبات كانت تتحدث عن «جهاد النكاح» ووجود تأصيل فقهى له ودعم وجهة النظر هذه وجود سوريين كثيرين بين المعتصمين من متطرفى الشام الذين وجدوا فى حكم مرسى ملاذا آمنا للهاربين من أحكام قضائية فى بلادهم أو الموضوعة أسماؤهم فى قوائم التنظيمات المتطرفة. وقد نفى الإخوان وجود حالات «زواج مناكحة» قبل أن تكشف هذه الكتيبات التى تم تحريزها والاحتفاظ بها فى ملفات قضايا من حرضوا على العنف إيمان الموجودين فى الاعتصام بهذا النوع من «الجهاد».. وقد كان معروفا أن صفوت حجازى وكما قال هو نفسه فى تصريحات مسجلة له قد أرسل عشرات الشباب المصرى إلى سوريا بل اعترف أيضا بإمداد المتطرفين هناك بالسلاح.. وهو لم ينكر بشكل حاسم وجود توافق بين قيادات التطرف على ضرورة «التسرية والترفيه» عن المقاتلين من أجل ما يعتقدونه «حكم الشرع والشريعة».. لاحظ أنه فى تونس ومع وجود حكم «إخوانى» لم يسقط حتى الآن رغم سقوط حكم الجماعة الأم فى القاهرة لم يتم نفى كلام أكبر مسئول أمنى هناك، ولم يخرج راشد الغنوشى رئيس الوزراء الإخوانى هذا الكلام رغم صدوره من مسئول فى حكومته يعرف بحكم منصبه المعلومات الحقيقية والكاملة عما يتحدث فيه.. لاحظ أيضا أن الجماعة سواء فى القاهرة أو تونس ليس لديها وجهات نظر متعددة فى قضية بل على العكس ما يؤمن به من هنا هو نفس ما يؤمن به من هناك، فالجماعة فاقدة العقل تثبت الأحداث أنها فاقدة الأخلاق. لقد استفز كشف حقيقة وجود «جهاد نكاح» يعتقد فيه وينفذه مجاهدو الإخوان والجماعات المتطرفة مفكرا «إسلاميا» فلسطينيا قال بعد تصريحات وزير الداخلية التونسى: «إن مضمون جهاد المناكحة أن يقوم المجاهد بالزواج لساعات محدودة من سوريات وذلك لكى يفسح المجال لآخرين، ذلك أن هذا النوع من الزواج يشد من أزر المجاهدين ويعتبر من موجبات الجنة لمن يقمن به.. هذه الفتوى لا تختلف كثيرا عن الفتاوى التى تعد «المجاهدين» بالحور العين فى جنات النعيم وبعشاء «فاخر» فى صحبة الرسول الأعظم فى ذات اليوم الذى تصعد فيه روح «المجاهد إلى السماء» ويعقب على نص الفتوى قائلا: «تقول الفتوى: ينص على أن يقوم المجاهد بعقد زواج على الفتاة التى لابد أن يكون عمرها أربعة عشر عاما فأكثر أو من المطلقات أو من الأرامل ثم يقضى حاجته الجنسية بطريقة شرعية ثم يتم بعد ذلك إلغاء العقد ليعقد لذات الفتاة على «مجاهد» آخر ربما فى نفس النهار أو ذات الليلة.. والحقيقة أنه إذا لم تكن هذه هى الدعارة أو البغاء بعينه.. فماذا يمكن أن تكون؟».