الحجر على التفكير، وثقافة التكفير ليست بالشىء الجديد على مجتمعنا، لذا نجد أن الفكر المخالف للثوابت والذى يطرح رؤى وأفكارا جديدة، خاصة فيما يتعلق بالأديان، يتعرض لحملات ضارية لقمعه وإطفاء طاقته التنويرية، وهذا تماما ما حدث مع المفكر الراحل د. نصر حامد أبو زيد. تعرض أبو زيد لحملة تكفير واتهام بالردة، ما وصل بالأمر لحرمانه من درجته العلمية بالجامعة والتفريق بينه وبين زوجته. كتابه «نقد الخطاب الدينى» أثار اعتراضات واسعة، وكتب ضده كتاب إسلاميون أبرزهم الدكتور عبدالصبور شاهين، ما دعا الدكتور نصر حامد أبو زيد لأن يفرد فصلا للرد على الدكتور عبد الصبور ويفند ما جاء على لسان من هاجموه. الكتاب رغم ما أثير حوله إلا أنه لاقى دعما من جهات عدّة منها مؤسسات مصرية وعربية ومنظمات حقوق إنسان دولية. يعرض الكاتب ملاحظاته حول الخطاب الدينى على كافة مستوياته واتجاهاته ويحلل أزمته ونواقصه فيعبر عن رفضه للتطرف والتشدد مؤكدا على ان كليهما يعتمد على رفض الحوار، ويشير إلى رفضه لمنطق التكفير الذى ابتدعه العالم العربى، وينتقد رد الظواهر كلها سواء كانت طبيعية أو اجتماعية لمبدأ واحد مما يؤدى إلى الحاكمية. ويحذر من مبدأ الانتقائية فى التراث التى يلجأ لها الخطاب الدينى الحريص على الشكليات وتجاهل مقاصد الشريعة الكلية بشكل يهدر جانبا تنويريا كبيرا منها، ويثير أبو زيد فكرة سلطة رجال الدين واحتكارهم لتفسير النصوص الدينية، مؤكدا أن ذلك لا يبرأ ساحتهم من الأهواء وسيطرة أيدولوجياتهم. ويؤكد الكاتب أن الإسلام يدعو للتفكر والنقاش بعكس الخطاب الدينى الذى يصر على الانغلاق. يناقش أبو زيد أيضا مفهوم النص والتأويل ويطرح جدلية تأويل النصوص الدينية بشكل جامد لا يسع الزمان والمكان ويحذر من التمسك بالدلالات الحرفية للنصوص وسرد نماذج على ذلك، أبرزها النصوص الخاصة بالرق والسحر والتى تجاوزها الفكر الإنسانى على حد قوله. يقدم الكاتب وجبة تنويريه تجابه الفكر بالفكر والحجة بالحجة، مشيرا إلى أن الخطاب الدينى تخلف لأنه يخفى ويحاول تشويه التوجهات التنويرية للدين التى تناقض مصالحه ومصالح القوى التى يعبر عنها.